في تقديم برنامج مماثل الكثير من التحدّي والصعوبة، خصوصاً على المستوى التقني والأدائي. وبطبيعة الحال ليس أي موسيقي قادراً على الوقوف على المسرح لأداء هذا البرنامج تحديداً. رفقا رزق (إنشاد) وغسان سحّاب (قانون) ليسا بحاجة إلى التعريف في هذا المجال الموسيقي الكلاسيكي العربي، خصوصاً أنّهما يتمتّعان بخبرة واسعة في الأداء والتعليم ويرافقان أبو مراد في الكثير من الأمسيات الموسيقية. لا ننسى أيضاً مشاركة تخت الجامعة الأنطونية للموسيقى الفصحى العربية الذي يضمّ مجموعة موسيقيين متخصصين في التقليد الموسيقي المشرقي الفني، من القادرين على أداء تأويليّ مرتجل، يعملون في كلية الموسيقى في الجامعة الأنطونيّة. عن المميزات التي ينبغي للموسيقي التحلّي بها لأداء هذا النوع المتطلب من الموسيقى، يشرح لنا أبو مراد: «كلّ موسيقى كلاسيكيّة تحتاج إلى موسيقيّين أكفّاء من المنظار التقني الموسيقي، أي التمكّن من الصوت بالنسبة إلى المطرب، ومن تقنيّات الآلة بالنسبة إلى العازف، ومن منظار «الموسيقية»، ذلك السرّ الذي يمكّن من إيجاد أداء صائب ذي معنى و«طعمة»، أي إنّه ليس أداءً تقنيّاً ميكانيكياً. لكنّ الموسيقى الفصحى العربيّة تتطلّب، بالإضافة إلى ما سلف ذكره، تحلّي الموسيقي بملكات إبداعيّة تجعله قادراً على التأليف الموسيقيّ الفوريّ، ما يسمّى بالارتجال، الذي يحتاج إلى السلطنة، أي سلطنة روح المقام على ذهنه الموسيقيّ، وهي ملكة غير مطلوب تحقّقها في الموسيقى الكلاسيكيّة الأوروبيّة، بل هي كفاية جوهريّة في الموسيقات المقاميّة الحيّة».
في الأساس، يقول أبو مراد عن علاقته برفقا رزق وغسّان سحاب، كما بهيّاف ياسين المشارِك ضمن تخت الجامعة الأنطونية للموسيقى العربية الفصحى إنّها علاقة «مرشد ومريد، على صعيد موسيقيّ وعلى صعيد علم الموسيقى الأكاديميّ البحثيّ، وقد أضحت الآن علاقة زمالة. فهم أعضاء الهيئة التعليميّة في كلّية الموسيقى وعلم الموسيقى وأعضاء تخت الجامعة الأنطونيّة للموسيقى الفصحى العربيّة. وعبر مواهبهم واجتهادهم والتزامهم الخلقيّ العميق، يشكّلون عماد مستقبل الموسيقى الفصحى العربيّة في لبنان. لقد تسلّمتُ الأمانة من أستاذي فوزي سايب، رحمه الله، وقد سلّمتها لهم كي يثمروها ويسلّموها لمريديهم».
نرفع أناشيد الحبّ الإلهيّ كصلاة عن نفس شهداء فلسطين وجنوب لبنان «على طريق القدس» (نداء أبو مراد)
لهذه الأمسية الروحانية الكثير من الدلالات. فهي تُقام في مدة دينية خاصة (سواء للمسيحيين أو المسلمين) كما تعبّر عن نوع من الالتقاء البشري على الحب الإلهي في زمن صعب جداً. وبطريقة محددة أكثر، لهذه الحفلة دلالات واضحة «في الروزنامة الدينيّة المسيحيّة الإسلاميّة في لبنان، كونها تأتي في الأسبوع الفصحيّ الأوّل، بحسب التقويم الغريغوريّ، وفي الأسبوع الثالث من الصوم الرمضانيّ المبارك ومن الصوم الأربعينيّ الأرثوذكسيّ، وذلك إن عبر النصوص التي تخبر عن رحلة الاستنارة وعن العشق الإلهيّ، أو عبر الأحوال من الوجد الصوفيّ التي يستثيرها الاستماع إلى الموسيقى المقاميّة. والجميل أنّ الحفلة تعبّر عن الالتقاء الممكن والمنشود للسالكين المسيحيّين والمسلمين في طريق الحبّ الإلهيّ والهدوء الصوفيّ، في زمن الضوضاء والأزمات»، وفقاً لما يقوله أبو مراد.
في شهر شباط (فبراير) الماضي، كانت فلسطين وأرواح شهدائها وشهداء جنوب لبنان في قلب أمسية سماع مقامي لأبي مراد والموسيقيين أنفسهم في الجامعة الأنطونية، اعتبرها نوعاً من الصلاة. حصة فلسطين محفوظة أيضاً في أمسية السبت، إذ يقول أبو مراد في هذا الصدد: «أمام الإبادة الجماعيّة التي يقوم بها ورثة هيرودس (ذابح أطفال بيت لحم) وقيافا (صالب السيّد المسيح يسوع) بحقّ أهلنا في غزّة، أقمنا في 22 شباط الماضي حفل سماع مقاميّ لفلسطين في كنيسة الجامعة الأنطونيّة، على أمل أن تتوقّف الإبادة سريعاً. وبما أنّ المجزرة مستمرّة، فإنّنا سنهدي أيضاً حفلة 6 نيسان إلى فلسطين، فنرفع أناشيد الحبّ الإلهيّ كصلاة عن نفس شهداء فلسطين وجنوب لبنان «على طريق القدس»، طالبين من الله أن يوقف المذبحة الصهيونيّة بحقّ أهلنا، تمهيداً لتحرير فلسطين».
* «حفل سماع مقامي في العشق الإلهي»: س:21:00 مساء السبت 6 نيسان (أبريل) ــــ «مسرح المدينة» (الحمرا) ــ تباع البطاقات في فروع مكتبة «أنطوان»