بطريقة غريبة، بدا عدد من سكّان لبنان مقتنعاً بأنّه «نتعرّض لهجوم» (واسع في بيروت على يد العدوّ، كما ظنّوا)، وسادت البلبلة، أكان على مجموعات على واتساب أو في أماكن السهر والملاهي حيث يقضي كثر أوقاتهم أيّام السبت. كالعادة، فتِّش عن «تلفزيون المرّ»، فهو الذي تسبّب في البلبلة، أو أقلّه كان أحد المساهمين فيها. إذ نشرت صفحات mtv الإلكترونية خبراً منقولاً عن العدوّ الإسرائيلي مفاده: «القناة 12 الإسرائيلية: الجيش ينفّذ الآن هجوماً واسعاً في قلب لبنان». هذا الخبر الذي تعرّض لانتقاد واسع من دون أن تزيله mtv، كان مصدر هلع الناس، فيما لم تتّعظ القناة، بل تواصل نقل الأخبار على لسان العدوّ ومسؤوليه منذ ستّة أشهر، لكنّها تختار فقط تلك التي تثير الهلع في الداخل، ولا تنقل ما يقوله العدوّ عمّا تسبّبت فيه المقاومة اللبنانية من خسائر لديه مثلاً.
كان لافتاً تقرير بثّته lbci قبل أيام عن مسؤولية قواعد الجيش الأميركي في التلوّث الحاصل في العالم

واستكمالاً لهذا التهويل، أتى الهجوم الإيراني بمثابة حبّة الكرز على قالب حلوى mtv، ففتحت النقل المباشر وراحت تتكهّن بحرب كبرى، واستضافت ضيوفاً من هذا الهوى وممّن استخفّوا بالهجوم وحتّى بعمليّات المقاومة اللبنانية «العبثية» التي «لم تساند غزّة فعليّاً»، وهي الرواية التي تعتمدها القناة بعد تصريحات رئيس حزب «القوّات» منذ مدة. وكجزء من تضخيم الأمور بالنسبة إلى لبنان، ضخّمت من شأن ما رصده بعضهم في سماء لبنان، وبعد فترة نقلت بثّها المباشر فقط إلى الزحمة في مطار بيروت بعد إيقاف حركة الملاحة فيه.
النقل المباشر تغلّب أيضاً على شاشتَي «الجديد» وLBCI اللتَين كانتا تبثّان نشرتَيهما الليليّتَين مع تواتر أخبار إطلاق مسيّرات إيرانية صوب الأراضي المحتلة، إضافة إلى قناة «المنار» التي لا تتوقّف عن النقل المباشر ومتابعة التطوّرات أساساً. القنوات الأربع التي فتحت البثّ استمرّت حتّى ساعات الفجر الأولى، فيما أكملت OTV وNBN و«تلفزيون لبنان» برمجتها المعتادة، ويمكن إرجاع الأمر إلى تأخّر الوقت والأزمات المالية التي تعانيها هذه القنوات.
ومساء الأحد، طغى الهجوم على نشرات الأخبار كما كان متوقّعاً. راحت «الجديد» تشرح أبعاد الهجوم ونتائجه، محاولةً إبقاء نفسها في دائرة دعم فلسطين، فيما حرصت LBCI على تظهير حجم الهجوم الفعلي، رغم اتّخاذها لغة تلعب على الحبلَين. لكنّها في الوقت نفسه وجّهت انتقادها إلى «إسرائيل» والولايات المتّحدة، وكان لافتاً منذ أيّام تناولها عدد قواعد الجيش الأميركي في العالم ونسبة التلوّث الذي يتسبّب هو وحروبه فيه. وورد ضمن مقدّمة LBCI مساء الأحد: «ضاعت حسابات الربح والخسارة بين إيران وإسرائيل، وهما تواجهتا مباشرةً للمرّة الأولى على مدى خمس ساعات. إيران تحدّثت عن تحقيق الهدف المحدّد، والقريبون منها تحدّثوا عن تغيير قواعد الاشتباك مع العدوّ. لكن ما لم تقله إيران وحلفاؤها مرتبط بالهدف وما تحقّق منه، وهو هزيل... إلّا إذا كان المطلوب فعلاً ألّا يسقط في أرض العدوّ أكثر من بضعة صواريخ من أصل هجومٍ بمئات منها ومن المسيّرات، أُطلقت من إيران على مواقع عسكرية إسرائيلية من دون أن توقع إصابات. في حسابات إسرائيل التي ادّعت الانتصار أيضاً، الحسابات مختلفة، فإسرائيل احتاجت إلى مساندة الولايات المتّحدة وبريطانيا وفرنسا، أضف إليها الأردن لإفشال الردّ الإيراني...».
أمّا mtv فتخبّطت بين محاولتها ذرّ الرماد في العيون، والبقاء ضمن سقف معقول واقعيّاً، فانتهى بها الأمر بمقدّمة إخبارية مساء الأحد مليئة بالتناقضات، بدأت كالتالي: «الضربة العسكرية الإيرانية لم تكن بالمستوى المتوقّع، ولا على قدر التهديدات التي أُطلقت. صحيح أنّها شكّلت أوّل مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران ونجحت في إحداث صدمة داخل الشارع الإسرائيلي، إذ غير قليل إطلاق حوالى 170 مسيّرة و140 صاروخاً وتوجيهها نحو أهداف داخل العمق الإسرائيلي على دفعات متتالية. لكن في الجوهر الضربة فشلت. فأكثر من سبع وتسعين في المئة من المسيّرات والصواريخ انفجرت قبل أن تبلغ أهدافها، ما جعل الضربة الإيرانية مجرّد استعراض شكلي». هكذا، حدّدت mtv الفشل ونصّبت نفسها مستشارةً لقوّة إقليمية عظمى، متغاضيةً عن أنّ عدد الصواريخ الكبير هو لإلهاء منظومة «القبّة الحديدية» فتصل صواريخ قليلة وهذا هو الهدف، إضافة إلى التقارير التي تحدّثت عن أنّ «القبّة الحديدية» لم تتمكّن من اعتراض أيّ من الصواريخ الفرط صوتية الإيرانية السبعة التي وصلت إلى أهدافها بدقّة.
تواظب قناة المرّ منذ ستّة أشهر، على نقل الأخبار على لسان العدوّ ومسؤوليه


أمّا OTV فلا تزال تحاول إبراز موقفها إلى جانب المقاومة لكنها في الوقت نفسه تظهر تمايزاً عن محور المقاومة، وهي في كلّ الأحوال ردّت على mtv ومؤيّدي موقفها، وكذلك على المحتفلين بالضربة، فورد في مقدّمتها مساء الأحد: «ردّت إيران ليلاً على استهداف قنصليتها في دمشق وقتل عدد من قادتها العسكريّين البارزين في المنطقة. وعلى الفور سارع البعض إلى وصف ما جرى بالمسرحي، انطلاقاً من عدم تحقيق إصابات مادية أو بشرية ضخمة كما كان يَنتظر، مناقضاً بذلك حتّى الإعلام الإسرائيلي والأميركي الذي وصف الحدث بالتاريخي. أمّا البعض الآخر، فهلّل للتطوّر الكبير، مبالغاً في توقّع اتّساعه ليشمل أيضاً تدخّلاً عسكريّاً أوسع من حلفاء إيران في لبنان والعراق واليمن». ولم تنسَ OTV توجيه الرسائل السياسية الداخلية في نهاية مقدّمتها «على الخفيف»، فأكملت: «مهما يكن من أمر، يبقى الأساس بالنسبة إلى لبنان الذي يصطفّ طبيعيّاً في المقلب المناهض للعدوّ، أن يحفظ ما تبقّى من دولة، على أمل النهوض عندما تتحسّن الظروف». وكانت «المنار» وNBN هلّلت للهجوم في مقدّمتَيهما، فيما أوردت NBN ضمن مقدّمتها خسائر العدوّ المادية التي فاقت المليار دولار (وفقاً لما نقلته القناة عن الإعلام العبري)، وهو ما لم تتطرّق إليه مقدّمات القنوات الأخرى.