الجزائر | يرى خبراء جزائريون في الاقتصاد والعلاقات الدولية أن الخطوة التي قادت الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إلى عقد اتفاق شراكة مع روسيا، وطلب التعجيل بالانضمام إلى مجموعة "البريكس"، تدخل في إطار التجاذبات السياسية والاقتصادية الكبرى بين "المعسكرَين الغربي والشرقي"، والتي تفرض اليوم تشكّل عالمٍ جديدٍ متعدّدِ الأقطاب، لا تجد البلدان، وخاصّة النامية منها، بدّاً من تقوية مكانتها داخله. وحلّ تبون، الثلاثاء الماضي، في موسكو في زيارة دولة تلبيةً لدعوة من نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، اندرجت في إطار تعزيز التعاون بين البلدين. واستَقبل بوتين الرئيس الجزائري، رسمياً في قصر الكرملين، حيث أكد تبون، خلال المحادثات الثنائية، "(أنّنا) متّفقون بشأن الوضع الدولي المضطرب جدّاً، ولذا نريد التعجيل في انضمامنا إلى تجمّع البريكس لما فيه من فائدة كبيرة لاقتصادنا". وتُوّجت الزيارة بالتوقيع على "إعلان الشراكة الاستراتيجية المعمّقة" بين البلدَين، بالإضافة إلى اتفاقيات ومذكّرات تفاهم عدّة وبرامج عمل بين الحكومتَين الجزائرية والروسية، قبل أن يشارك تبون كضيف شرف في أعمال "المنتدى الاقتصادي الدولي" في مدينة سان بطرسبورغ الروسية.
هذا التقارب بين الجزائر وروسيا، والذي يَجري في ظروف جيواستراتيجية غير مسبوقة على خلفية الحرب الأوكرانية - الروسية وما سبّبته من انقسامات وتجاذبات على مستوى العالم - جعلت الوقوف في موقف "عدم الانحياز" أكثر صعوبة، وخصوصاً في ظلّ تضارب المصالح الدولية التي لم تَعُد تَقبل القِسمة على اثنين -، يطرح سؤالاً عمّا إذا كانت الجزائر قد اختارت بصفة قطعية معسكرها؟ بحسب الخبير الجزائري في العلاقات الدولية والديبلوماسية والاقتصاد، فريد بن يحيى، فإن زيارة تبون لروسيا "تخرج من إطار التعاون الاقتصادي إلى التعاون الاستراتيجي". ويوضح بن يحيى، في حديث إلى "الأخبار"، أن ذلك "يَظهر جلياً من خلال تشديد الرئيس الجزائري على ضرورة الانضمام إلى مجموعة "بريكس"، في إطار التوجّه نحو عالم متعدّد الأقطاب، وهو الأمر الذي صار مسلّماً به حتى في الدول الغربية نفسها"، مضيفاً إن هذه الأخيرة "تعترف بأن التقدم سيكون مستقبلاً في الشرق أكثر منه في الغرب، بسبب ما يعانيه الغرب من نسبة نموّ منخفضة، وعدم قدرة الدول الأوروبية على التصدير خارج أوروبا، والتضخم، والعجز المالي وخاصة في إسبانيا والبرتغال وغيرهما"، فضلاً عن "مشاكل داخلية واجتماعية أخرى متعدّدة تشهدها الدول الأوروبية".
ينفي مراقبون خروج الجزائر من مربّع عدم الانحياز، مبيّنين أن «العالم المتعدّد الأقطاب يعني عالماً جديداً لعدم الانحياز»


كما أن ما يسمّيه بن يحيى "التفكك الغربي" راجع، بحسبه، أيضاً، إلى "كون أميركا أصبحت لا تعتبر أوروبا حليفاً، لكنها تنظر إلى الأوروبي كمواطن من الدرجة الثانية...". ويعرب عن اعتقاده بأن "الغرب يعي بأن نهاية الدولار، كعملة مهيمنة على العالم، هي قضية وقت فقط، وخاصة أن أميركا أخطأت في سياستها بعد الحرب العالمية الثانية، بمحاولتها القيام بدور دركيّ العالم وضرب البلدان الضعيفة، أي دول العالم الثالث والدول العربية"، مذكّراً بأن "كلّ تدخلاتها في أفريقيا مثل الكونغو والزائير، وكذا في آسيا: العراق، اليمن، وأيضاً في أميركا اللاتينية مثل فنزويلا"، تدلّ على أنها "كانت تعمل من أجل نفوذ أصحاب المليارات الأميركيين فقط". ويصف بن يحيى سياسة الولايات المتحدة بـ"الانتحارية"، كونها "تجاوزت كلّ الخطوط الحمر بالنسبة إلى احترام الشعوب واحترام القانون الدولي"، مستنتجاً أنه، بفعل ذلك، صار التوجّه اليوم "نحو عالم متعدّد الأقطاب حتمياً. وحتى في الدول الأوروبية، بات خبراء فرنسيون يدعون إلى إخراج فرنسا من الاتحاد الأوروبي والانضمام إلى "بريكس"".
ومما عجّل في ما يصفه بن يحيى بـ"استيقاظ العالم"، "عوامل عدّة، أهمّها الحرب الأوكرانية، وقبلها كوفيد 19، بما أكد أن الكثير من الشركات تسعى إلى السيطرة على شعوب العالم بما فيها الشعوب الغربية". في المقابل، فإن ما يسمّيه "المعسكر الشرقي"، وعلى رغم أنه يستفيد من العقود التجارية وتسويق منتجاته، إلا أنه "لا يحطّم البلدان داخلياً مثلما يفعل المعسكر الغربي"، كما يقول، مضيفاً إن "هناك فلسفة وفكراً جديدَين ينتشران في العالم". بناءً عليه، يفسّر بن يحيى تصريح تبون بأن "أمن الجزائر بين يدَي روسيا"؛ فهذا "يُعدّ حلفاً استراتيجياً، مثلما هي الحال مع بيلاروسيا، وإيران، وكوريا الشمالية، التي زوّدتها روسيا بأسلحة متطورة جدّاً للدفاع عن نفسها"، متوقعاً إبرام عقود بين الجزائر وروسيا "لتزويد الأولى بأسلحة متطوّرة لمواجهة التهديدات". مع ذلك، ينفي خروج الجزائر من مربّع عدم الانحياز، مبيّناً أن "العالم المتعدّد الأقطاب يعني عالماً جديداً لعدم الانحياز، فالمصطلح الأخير يعني عدم التدخّل في شؤون دول أخرى"، محمّلاً الولايات المتحدة مسؤولية اندلاع الحرب الأوكرانية – الروسية، على خلفية "أطماع التوسّع والتقسيم لديها"، وهذا، ما يعترف به "أميركيون يُضادّون سياسة الولايات المتحدة"، وبالتالي، فإن "هذه التكتلات الجديدة تُجنّب البشرية كارثة".
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي، ناصر سليمان، أن "المتغيّرات العالمية اليومية تفرض بعض المفاهيم، ومنها وجود قطبين يُعدّان امتداداً تاريخياً للمعسكرَين الغربي والشرقي". وعن انضمام الجزائر المحتمل إلى مجموعة "بريكس"، يقول سليمان، لـ"الأخبار"، إن "الجزائر لاقت الترحيب المبدئي، لأن أفريقيا صارت منطقة نفوذ تتصارع عليها كبرى الدول، ويعتبرها الاتحاد الأوروبي ملكية له، فيما الدول المتكتّلة في "بريكس" تعتبر بدورها منطقة شمال أفريقيا جزءاً من هذا الصراع، وانضمام الجزائر إليها يفيدها كثيراً". "صحيح أن الاقتصاد الجزائري لا يزال ضعيفاً، ولا ينافس الاقتصاد الصيني، مثلاً"، كما يُذكّر، إلا أنه يعتقد بأن "المصلحة بين الطرفَين مشتركة، كون أفريقيا منطقة جاذبة للقوى الكبرى، وتتنافس على التوسّع فيها جميع البلدان والأطراف، ومنها الكيان الصهيوني". وعن حظوظ الجزائر في الالتحاق بمجموعة "بريكس" خلال قمة آب المقبل، يصف سليمان هذه الحظوظ بـ"الكبيرة"، "إلا إذا فُرضت شروط قاسية للانضمام، أو ضُمّت بلدان أخرى تنتظر بدورها، مثل مصر، والسعودية، وغيرهما".