الجزائر | يصل الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، اليوم، إلى الصين، في زيارة رسمية تستمر 5 أيام بدعوة من نظيره الصيني، شي جين بينغ. وأكد بيان للرئاسة الجزائرية أنّ الزيارة «تدخل في إطار تعزيز العلاقات المتينة والمتجذرة وتقوية التعاون الاقتصادي بين الشعبين الصديقين الجزائري والصيني». وحضّرت الرئاسة الجزائرية للزيارة منذ بداية العام الجاري، من خلال عقد لقاءات ثنائية بين خبراء وتقنيين من البلدين، بحثت أهم الملفات التي ينتظر طرحها خلال المباحثات، وخاصة أن هذه الخطوة هي الأولى لرئيس جزائري منذ 2008. وقبل الإعلان عن الزيارة، سُجِّل انتعاش كبير في العلاقات بين الجزائر، الساعية إلى تعاون مُربِح في المشاريع وإنجاز البنى التحتية، والصين التي تريد التوسع في أفريقيا بشكل أكبر، بما يمنحها وجوداً مربحاً وأسواقاً مثمرة.وفي هذا الإطار، أوضح الخبير الاقتصادي الجزائري، سليمان ناصر، أن «الصين تعدّ أكبر شريك اقتصادي للجزائر، وهو ما تبيّنه الأرقام، إذ تحتل الصين المركز الأول في قائمة الدول التي تستورد منها الجزائر بإجمالي وصل إلى 6 مليارات دولار بعدما كان بحدود 8 مليارات دولار قبل أن تكبح الحكومة فاتورة الاستيراد، فيما لا تزال الصادرات في مستويات دنيا، باستثناء المحروقات». وبيّن ناصر، في حديث إلى «الأخبار»، أن «حجم التبادل التجاري بين البلدين يتراوح بين 9 و10 مليارات دولار"، مشيراً إلى معطيات أخرى، للدلالة على صلابة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، كـ«اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين الجزائر والصين، والذي يشمل عدة مجالات». ومن بين المشاريع التي وصفها ناصر بـ«العملاقة»، ميناء الحمدانية، وغار جبيلات، وحتى قطار تندوف – مستتغانم، وغيرها من المشاريع المنجزة أو التي هي قيد الدراسة والإنجاز، و«التي ستعزّز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، كونها مشاريع عملاقة، تقدّر صفقاتها بملايين الدولارات".
وعليه، فإن زيارة تبون من شأنها «تقوية العلاقات الاقتصادية أكثر، وخصوصاً أنه سيجري التوقيع على عدد من الاتفافيات في مختلف المجالات بين البلدين»، بحسب ناصر. ومن بين المشاريع المعوَّل عليها من طرف الجزائر، والصين طرف فيها، مشروع استغلال منجم الحديد في غار جبيلات، جنوب الجزائر، ومشروع الفوسفات المدمج في بلاد الهدبة في تبسة قرب الحدود بين الجزائر وتونس، إضافة إلى مشروع تطوير حقل نفطي جنوب الجزائر ومحطات للطاقة الشمسية، واستغلال منجم الزنك والرصاص في واد أميزور في ولاية بجاية. على أن الأمر الأهم في الزيارة بالنسبة إلى الجزائر، هو مسابقة الزمن من طرف الرئيس الجزائري، لإقناع أعضاء تكتل «البريكس» بضم بلاده إلى المجموعة قبل انعقاد قمتها الشهر المقبل، وخاصة أن الصين تعدّ أهم دول المنظمة إلى جانب روسيا التي استقبلت تبون قبل أسابيع. وفي هذا المجال، يرى الخبير الاقتصادي، سليمان ناصر، أن «تقوية علاقات الجزائر الاقتصادية مع الصين، سواء كان ذلك في إطار الدخول في تكتل البريكس أو غيره، يبقى مفيداً للجزائر، من الجانب الاقتصادي، وخاصة أن للصين ميزة لا تتوفر في باقي القوى والتكتلات، ولا سيما الغربية، منها أن الاستثمارات الصينية لا تكون مرفقة بضغوط من طرف بكين، وخاصة سياسية، عكس صندوق النقد الدولي، الذي يفرض شروطاً تمسّ بالسياسات الاقتصادية للمُقترض».
أما بالنسبة إلى الصين، فيلفت الخبير الاقتصادي إلى أنها تعتمد على نظام: «البناء، التشغيل والتحويل، إذ إنها قد لا تمنح قروضاً، لكنها تقوم باستغلال استثماراتها لمدة زمنية معينة لاسترجاع رؤوس أموالها وفوائدها، وهو ما يجنّب البلد المُستضيف لتلك المشاريع، الاستدانة.
من هنا، فإن توجّه الجزائر نحو تقوية علاقاتها الاقتصادية مع الصين توجّه سليم، وخاصة أن الأمر يتعلق بالقوة الاقتصادية الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة. يضاف إلى ذلك الرغبة في الخروج من الهيمنة الغربية التي عاناها العالم، وبالتالي فإن التوجّه شرقاً نحو الصين وروسيا، له فوائده». وعن آثار هذا التوجه العلني للجزائر، في محاولتها الخروج من تبعية الدولار، يقول ناصر إن «الجزائر اختارت منذ استقلالها التوجه الاشتراكي حتى نهاية الثمانينيّات وبداية تسعينيات القرن الماضي. وعليه، فبقايا النظام الاشتراكي ليست قطباً غريباً عنها، وهو القطب الذي يحنّ إلى إحياء دور الاتحاد السوفياتي، لمواجهة السبعة الكبار وعلى رأسهم الولايات المتحدة واليابان، من خلال توحيد العملة لمواجهة الدولار، وإنشاء بنك البريكس لمواجهة البنك العالمي». وانطلاقاً من ذلك، يرى ناصر أن «توجه الجزائر طبيعي، فضلاً عن وجود دول رأسمالية ذات توجه غربي، ومع ذلك هي تطلب الانضمام إلى البريكس، على غرار الإمارات والسعودية».
من الجانب الصيني، وصفت وزارة الخارجية الصينية زيارة الرئيس الجزائري بأنها «مساهمة أكبر في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب كونها فرصة لتحقيق تطور أكبر لعلاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الجزائر والصين». وأكد المتحدث الثاني باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين، خلال رده على سؤال متعلق بالزيارة، أنّ «الجانب الصيني يتطلّع إلى بذل جهود مشتركة بين الصين والجزائر، لتحقيق تطور أكبر لعلاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، من خلال تعميق الثقة المتبادلة وتوسيع التعاون وتعزيز الصداقة بين الطرفين». وربط المتحدث الزيارة بـ«مساهمة أكبر في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتعزيز الوحدة والتعاون بين الدول النامية»، وخاصّة أن «الجزائر تعدّ أول دولة عربية تقيم معها الصين علاقات شراكة استراتيجية في عام 2014. كما أن الطرفين أقاما التعاون العملي المثمر في إطار مشروع الحزام والطريق».