تونس | حقّق الرئيس التونسي، قيس سعيد، «انتصاراً» رمزياً، بعدما جاءه الأوروبيون طلباً للعون في قضية الهجرة غير الشرعية. وحضرت كلّ من رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، ورئيسة الحكومة الإيطالية، جورجيا ميلوني، ورئيس الحكومة الهولندية، مارك روته، إلى العاصمة التونسية، لتوقيع مذكّرة «الشراكة الشاملة»، تحت شعار لطالما ردّده سعيد: «تونس لن تكون أرض توطين»، بل «حارسة» فقط لحدودها. والأهمّ بالنسبة إلى الرئيس التونسي أن الاتفاق حيّد جانباً فكرة كونه معزولاً دولياً، كما يقول معارضوه ومنتقدوه. وفي حين أن المكاسب المحقّقة لا تزال مبهمة، يبدو أن تونس قدّمت، في المقابل، تنازلات لا يستهان بها. ولذا، يصف الدكتور حسين الرحيلي، المتخصّص في التنمية والتصرّف في الموارد، المذكّرة بأنها «اتفاق لا متكافئ»، في إشارة إلى العودة إلى «اتفاق التبادل الحرّ الشامل والمعمّق» الذي أسقطه المجتمع المدني والنقابات في عام 2019، مجبِراً الحكومة آنذاك على التراجع عن توقيعه.وشملت «الشراكة الشاملة» عدداً من النقاط المتعلّقة بالمجالَين الاقتصادي والتجاري والطاقة المتجدّدة والزراعة والتقارب بين الشعوب ومسألة الهجرة. ونُظر إلى بعضٍ من تلك البنود بوصفها إيجابية لتونس التي يعاني اقتصادها وضعاً صعباً ومعقّداً، إذ تحتاج إلى دعم مالي عاجل ستتكفّل أوروبا بتسهيله. غير أن عدداً من المتابعين يرَون أن المبالغ التي ستُصرف لا تزيد على الدعم الذي كانت أوروبا تقدّمه لتونس، والذي تمّ تجميده خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وفق ما كشف الوزير الأسبق لحقوق الإنسان، كمال الجندوبي. وفي هذا الإطار، يقول الرحيلي، في تصريح إلى «الأخبار»، إنه «وفق ما ورد في المذكّرة، فإن الاتحاد الأوروبي تعهّد بصرف دعمه المالي لتونس، المقرَّر لسنة 2023، دفعة واحدة بعد توقيع الاتفاق»، في ما يمثّل متنفّساً مالياً لموازنة الدولة، فيما يُتوقّع أن يساعد توقيع هذه المُذكّرة في اتّجاه التوصّل إلى اتفاق مع «صندوق النقد الدولي»، بعدما تعهّد التكتّل بمساعدة تونس. ولعلّ تلك هي النقطة الوحيدة التي يمكن أن تكون لها نتائج في المدى القريب، في حين أن غالبية النقاط في المجال التنموي والاقتصادي، تستوجب تخطيطاً على المدَيين المتوسّط والبعيد، وستكون مشروطة بجملة من الإصلاحات التي يفترض أن تنفّذها الدولة التونسية، مع التذكير هنا بأنّه لم تُنفّذ إلى الآن كل بنود «اتفاقية برشلونة» لعام 1995، على رغم مضيّ نحو ثلاثة عقود على توقيعها.
لا يمكن التنبّؤ بآجال تنفيذ أغلب ما ورد في المذكّرة، في المجال الاقتصادي


واحتلّ ملفّ الهجرة حيّزاً مهمّاً من المذكّرة، بعدما دفعت زيارة ميلوني الأخيرة لتونس، والثالثة لها في غضون أسابيع قليلة، الموقف الإيطالي صعوداً بالنسبة إلى ضرورة دعم تونس، ومساعدتها على توقيع اتفاق نهائي مع «النقد الدولي»، من أجل وقف الهجرة غير النظامية التي تنطلق من الساحل الجنوبي للمتوسط، وخاصة من جهة تونس، التي تُعدّ سواحلها الأكثر تصديراً للمهاجرين غير النظاميين، إلى أوروبا. وفي المقابل، سيكسب سعيد قوّة إضافية لتثبيت نظام حكمه، بعدما ربح مؤقّتاً معركته ضدّ حلفاء أوروبا في الداخل، والذين كان طالب بعضهم بوقف الدعم الأوروبي للنظام «الفاشي» في تونس. وبعد صدور قرار الاتحاد الأوروبي، في الـ16 من آذار الماضي، والذي دان سياسة تونس في مجال حقوق الإنسان والحرّيات، كانت المواقف الأوروبية تتحدّث عن الوضع الاقتصادي ومسألة الهجرة والمسار غير الديموقراطي الذي تسلكه البلاد. وتدريجياً، حيّدت المواقف الأوروبية مسألة الحقوق والحريات، لتقتصر التصريحات على العناوين المتبقية، وذلك على رغم استمرار اعتقال معارضين للنظام.
والواقع أن ما التزمت به الدولة التونسية بخصوص الهجرة، كانت بدأت تنفيذه قبل مدة، من خلال تشديد سياساتها وإجراءاتها تجاه المهاجرين من جنوب الصحراء، ورعاية خطاب الكراهية ضدّهم، والذي صدر حتى عن الرئيس وغيره من المسؤولين الرسميين، وأعقبته حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تحوّلت، في مدينة صفاقس خاصّة، إلى أعمال عنف ضدّهم. وقبل أيام، عمدت القوات الأمنية إلى إبعاد أعداد من المهاجرين إلى الحدود الليبية - التونسية، في إجراء وُصف بـ«غير المقبول» حقوقياً وإنسانياً. كذلك، أجرى وزير الداخلية التونسي، كمال الفقيه، محادثات في روما مع نظيره الإيطالي، ماتيو بيانتدوزي، تناولت الجهود المشتركة المبذولة في إطار التصدّي للهجرة غير النظامية. ولا تخصّ مذكّرة التفاهم الأوروبية - التونسية المهاجرين غير النظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء فقط، بل تهمّ التونسيين في أوروبا الذين بات يمكن ترحيلهم بموجب الاتفاق الجديد. وفي هذا السياق، يوضح الرحيلي أنه «جرى التنصيص، ولأول مرّة وبشكل واضح، على قبول الدولة التونسية ترحيل رعاياها الذين يعتبرهم الاتحاد الأوروبي مهاجرين غير نظاميين. كما جرى التنصيص على تعهد الدولة التونسية بترحيل المهاجرين غير النظاميين من دول جنوب الصحراء إلى بلدانهم»، مضيفاً أن هذا يعني أن تونس ستكون شبه معسكر للمهاجرين من دول جنوب الصحراء. وستكون مهمّة الاتحاد الأوروبي توفير الدعم المادي واللوجستي لها، وهو الموضوع الأخطر في مذكّرة الاتفاق الأخيرة والتي وضع فيها الاتحاد الأوروبي وخاصة إيطاليا، ثقلهما الأكبر في تاريخ المفاوضات مع تونس».
على مستوى ردود الفعل، نظّمت فعاليات مدنية تونسية مسيرة احتجاجية على ما اعتبرته مضيّ النظام في سياسته المعادية للمهاجرين، والمتواطئة مع أوروبا وخياراتها. كما أعلنت منظّمات وطنية أنّها ستناضل ضدّ هذا الاتفاق وانعكاساته السلبية على المهاجرين من جنوب الصحراء والمهاجرين التونسيين غير النظاميين. وفي انتظار موقف «الاتحاد العام التونسي للشغل»، باعتباره القوّة الاجتماعية الكبرى، أكّد قيادي في المنظمة، لـ«الأخبار»، أن «الاتحاد في صدد إعداد الموقف من هذه المذكّرة»، معتبراً أنه تمّ تمرير «اتفاق التبادل الحر والشامل» بشكل من الأشكال، لأنه أمكن «استغفال» الجانب التونسي.