الجزائر | شكّل رفض عضوية الجزائر في مجموعة "بريكس"، خيبةً سياسية، خصوصاً بعدما بذل الرئيس عبد المجيد تبون، منذ تشرين الثاني من العام الماضي، جهوده في هذا الاتّجاه، علماً أن مختصّين وخبراء اعترفوا بأن مؤهّلات هذا البلد ليست كافية، ليضمن مقعداً له ضمن التكتّل، على الأقلّ راهناً. وكانت قمّة دول المجموعة (الصين، روسيا، الهند، البرازيل وجنوب أفريقيا)، والتي عُقدت في جوهانسبورغ، انتهت بالموافقة على انضمام كلّ من: مصر، السعودية، الإمارات، إثيوبيا، الأرجنتين وإيران، واستثناء دول أخرى طلبت العضوية، من بينها الجزائر. وعلى رغم أنّ معايير الاختيار ظلّت "غير دقيقة"، بسبب التفاوتات السياسية والاقتصادية بين البلدان الأعضاء، إلّا أن استبعاد الجزائر كان متوقّعاً إلى حدٍّ كبير، بحسب تقييم عدد من الخبراء والمختصّين الذين أجمعوا على أن هذا البلد "ليس مؤهّلاً على المستويَين الاقتصادي والمالي"، فيما كان يُعوّل على نقاط قوّة أخرى، أهمّها الجيوسياسية.وكان الرئيس الجزائري كثّف من مساعيه لطلب الانضمام إلى "بريكس"، إلى درجة كادت تخلّ بـ"عقيدة" الجزائر المبنيّة، منذ عقود، على عدم الانحياز، كما زار أخيراً روسيا والصين، وتحدّث عن ضرورة "الدخول إلى عالم جديد يتفاعل اقتصاديّاً خارج هيمنة الدولار". وجاءت التعليقات الرسمية على استبعاد الجزائر من عضوية "بريكس" شحيحة، اختُصرت في تصريح لوزير المالية، عبد العزيز فايد، قال فيه إن بلاده "أخذت علماً بالقرار الذي أَعلن عنه قادة بريكس، والقاضي بدعوة 6 دول جديدة لعضوية المجموعة، وفتح المجال في المستقبل القريب أمام دول أخرى".
وفي هذا الإطار، علّق رئيس حزب "جيل جديد"، جيلالي سفيان، قائلاً إن "اجتماع جوهانسبورغ ترك مكاناً للشعور بالخيبة وسيبقى طعمه مرّاً، كون الجزائريين تطلّعوا إلى أن يكونوا جزءاً من الدول التي تبني عالماً متعدّد الأقطاب"، داعياً إلى التركيز على إزالة العوامل التي حالت دون انضمام الجزائر إلى التكتُّل، ومنها "المزايا الاقتصادية التي لا تمتلكها"، في مقابل "مقوّمات جيوسياسية... والاستثمار الدبلوماسي والسياسي والإعلامي الذي قامت به الجزائر ورئيسها لدخول بريكس، كلّ ذلك لم يشفع في تعويض نقاط ضعفها الهيكليّة". كذلك، دعا إلى ضرورة "البحث عن مسؤوليات الإخفاق، لكن من دون العمل على جلد الذات، فخيبة الأمل يجب أن تفتح أعيننا على الواقع ومراجعة أنفسنا لا أن تجعلنا نحمّل الآخرين أسباب مشاكلنا". من جهته، ذكر الرئيس السابق لحركة "مجتمع السلم" (حمس)، عبد الرزاق مقري، أن "بريكس منظّمة اقتصادية دولية لاقتصادات صاعدة وصناعية ومنتجة لها أرقام ومؤشرات عالية في الناتج الإجمالي وغيره (من المعايير الاقتصادية والمالية، والسكانية، ووضعية المؤسّسات وبيئة الاستثمار...)، تريد أن تواجه مجتمعةً الهيمنة الاقتصادية الأميركية، بتشجيع التبادل في ما بين دولها لتقوية بعضها بعضاً ولإنهاء تسلُّط الدولار الأميركي على التبادلات المالية العالمية". وانطلاقاً من ذلك، قال ممثّل التيّار الإسلامي الأقوى في الجزائر حالياً: "لقد كرّرت عدّة مرّات أن الجزائر لا تستطيع أن تكون عضواً في بريكس، بسبب ضعف مؤشّراتها الاقتصادية، خاصّة الناتج الإجمالي، والقدرات التكنولوجية والإنتاجية الصناعية، فهي تستطيع أن تكون قريبة من بريكس ولكن لا تستطيع أن تنال العضوية قبل أن تصبح قوّة اقتصادية صاعدة فعليّاً، وليس بالادّعاء الذي يقنع السُّذّج في بلادنا".
استبعاد الجزائر كان متوقّعاً إلى حدٍّ كبير، بحسب تقييم عدد من الخبراء والمختصّين


بدوره، رأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة "البليدة"، عبد القادر سوفي، في تصريح إلى "الأخبار"، أن الجزائر تأخّرت كثيراً في تقديم طلب العضوية (قُدِّم في 22 أيار 2023)، وهو أحد أسباب عدم قبولها ضمن قائمة الأعضاء الجدد (بداية كانون الثاني 2024)". ووفق سوفي، فإن معايير انتقاء الأعضاء الجدد توصف بـ"الظرفية والإستراتيجية والجيوسياسية"، مستدلّاً على ذلك بأن "دولاً قوية لم تُدمج في هذه الدورة (مثل: إندونيسيا، تركيا، نيجيريا، فنزويلا...) وهي سياسيّاً جدّ قريبة من الصين وروسيا". وعن الخيارات المطروحة الآن أمام الجزائر، سياسياً واقتصادياً، قال سوفي إنه لا بديل من "مواصلة تنويع الاقتصاد وتدعيم وتطوير البنية التحتية، وتكريس الجهود في تطوير شراكاتها مع دول بريكس وغيرها"، علماً أن "الجزائر تمتلك علاقات مميّزة واستراتيجية مع دول بريكس، ويُتوقّع انضمامها لاحقاً". كما أوضح أنه "لن يكون للقرار أيّ تأثير على العلاقة المميّزة مع الحلفاء".
وإذ تسبّب رفض انضمام الجزائر إلى مجموعة"بريكس" بخيبة على المستوى الشعبي، في ظلّ عدم وضوح "المعايير المعتمدة في انتقاء بعض البلدان، خاصّة منها تلك التي تواجه صعوبات ومديونية مالية، على غرار مصر والأرجنتين"، فقد عمّق تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، من أن "الانتقاء تمّ على أساس وزن وهيبة الدولة ومواقفها في الساحة الدولية"، من هذا الشعور لدى الجزائريين، الذين أجمعوا على أنه "لا بدّ من العمل كثيراً على تدارك النقائص في المنظومة الاقتصادية الجزائرية".