طرابلس | أحال المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبدالله باتيلي، الأزمة الليبية إلى «مجلس الأمن»، بإعلانه الاستقالة من منصبه، في اجتماع للمجلس حول ليبيا التي تشهد نزاعاً أهلياً منذ عام 2011، معتبراً أنه «في هذه الظروف، ليست لدى الأمم المتحدة أي وسيلة للتحرك بنجاح»، دعماً للعملية السياسية، في مواجهة قادة يضعون «مصالحهم الشخصية فوق حاجات البلاد»، على حدّ قوله، مطالباً بتدخل دولي للوصول إلى حل سياسي. ويجيء ذلك على الرغم من محاولات احتواء التصعيد العسكري في الأيام الماضية داخل الأراضي الليبية، من قبل القائمين على السلطة في الشرق والغرب، وفق تسويات باتت معتادة مع الفصائل المسلحة المختلفة، جرت بموجبها تهدئة الأوضاع الأمنية في طرابلس وبعض المناطق المحيطة. وعلى الرغم من إخفاق محاولات باتيلي المتكررة لحلحلة الأزمة، ظل باتيلي يرفض الاستقالة من منصبه لتجنب إفشال المسارات التي بدأها، إلا أنه أرجع استقالته هذه إلى «توقعات غير منطقية ولامبالاة بمصالح الشعب الليبي» من المسؤولين، مؤكداً في الوقت نفسه أن الانقسام في المشهد الإقليمي يؤدي إلى «إدامة الوضع الراهن الذي قد يعرّض ليبيا والمنطقة لمزيد من عدم الاستقرار وانعدام الأمن». وجاء تصعيد باتيلي ضد بعض الأطراف في ليبيا أعلى من المتوقّع، إذ حدّد مسؤولية إعاقة كل طرف للتوصل إلى رؤية سياسية تفضي إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، مؤكداً غياب أي بادرة تظهر حسن نواياهم، خلافاً لما يبدو من نية لإيجاد حل للنزاع. وأشار إلى أنه في الوقت الذي يشترط فيه رئيس «حكومة الوحدة الوطنية» عبد الحميد الدبيبة (حكومة طرابلس المعترف بها من قبل الأمم المتحدة)، ورئيس «المجلس الأعلى للدولة» محمد تكالة، اعتماد دستور جديد كشرط للانتخابات، يضع رئيس «مجلس النواب» عقيلة صالح أولويته في تشكيل حكومة جديدة من قبل المجلس النيابي، متذرّعاً بأن الأخير هو الجسم التشريعي الرئيسي الذي يتمتع بأقصى قدر من الشرعية، على عكس المؤسسات الليبية الأخرى. ويضع القائد العسكري خليفة حفتر، من جهته، شرطاً لمشاركته في الانتخابات؛ إما بدعوة الحكومة المدعومة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، أو إلغاء دعوة الدبيبة، أي استبعاد الحكومتين، فيما لا يمكن اعتبار مجلس النواب سلطة شرعية في ظل انتهاء فترة ولايته لكون الانتخابات جرت عام 2014.
بات واضحاً أن المبعوث الأممي ينتظر تحركاً دولياً يدعم وجهة نظره ومساراته من أجل التعامل مع الوضع الحالي


أيضاً، أقرّ باتيلي بشكل واضح بالتفوق العسكري لحفتر ورفاقه، والذين يمثلون من دون منازع سلطة اتخاذ القرار في الأمور السياسية والعسكرية والأمنية في شرق وجنوب ليبيا، فيما تمثّل حكومة حماد جناحهم التنفيذي. وفي المقابل، تواجه حكومة الدبيبة تحديات متزايدة من قبل القوى المتنافسة المتنامية، في حين كان يرفض باتيلي توسيع دورها إلى ما هو أبعد من إجراء الانتخابات الموعودة، على اعتبار أن هذا الأمر يدفع معارضيها إلى التشكيك في شرعيتها. ومع ذلك، تبقى هي الحكومة المعترف بها دولياً في المرحلة الانتقالية الحالية.
ورغم تأكيد باتيلي عدم وجود ما يقلق بشأن استمرار وقف إطلاق النار، إلا أنه حذّر من حالة الانسداد السياسي وغياب الاستقرار في دول الجوار جنوب ليبيا، والتي ينحدر منها العديد من المقاتلين الأجانب والمرتزقة، بما يعيق التقدم المحرز في تنفيذ أحكام وقف النار، ولا سيما تلك المتعلقة بانسحاب المقاتلين والقوات الأجنبية والمرتزقة. وفيما بات واضحاً أن المبعوث الأممي ينتظر تحركاً دولياً يدعم وجهة نظره ومساراته من أجل التعامل مع الوضع الحالي وبدء حلحلته، يعوّل مراقبون على مناقشة إفادة باتيلي وممارسة ضغوط على المسؤولين الليبيين، لتحقيق الحلحلة المنشودة.