تونس | تخوض «هيئة الدفاع» عن المعتقلين السياسيين في قضية «التآمر على أمن الدولة الخارجي والداخلي» تحركات على عدة أصعدة، مستغلةً الساعات الأخيرة قبل انتهاء آجال الإيقاف القانونية، وآملةً الإفراج عنهم بعد انتهاء التحقيقات. وكان قاضي التحقيق قد قرر ختم الأبحاث في القضية، وفق ما أعلنت عنه الناطقة الرسمية باسم «القطب القضائي لمكافحة الإرهاب»، حنان قدّاس، التي دافعت بأن جميع أعمال القضاة المكلفين بالملف كانت وفق القانون والإجراءات والعرف القضائي، نافية بذلك اتهامات «هيئة الدفاع» التي اعتبرت أن المحكمة عمدت إلى «تعقيد الإجراءات وخرقتها في مناسبات عدة». وجاء القرار بعد ما يناهز السنة والشهرين من أعمال التحقيق، والتي بقي أغلب المتهمين في خلالها في السجون، فيما رُفضت جميع مطالب الإفراج عنهم، حتى مع الضمانات المقدمة بالتزامهم بالمثول أمام القضاء متى تمّت دعوتهم. لكنّ اللافت في الإجراءات الأخيرة هو استماتة «النيابة العمومية» في القيام بإجراءات تحول بأيّ شكل دون الإفراج عن المتهمين؛ إذ فيما ينتهي الاحتفاظ قانوناً بالمعتقلين بحلول اليوم، قامت النيابة بنقل القضية إلى «دائرة الاتهام»، لتعيق بذلك بتّ «محكمة التعقيب» (النقض) في مطالب الإفراج عن المعتقلين. وبالسرعة نفسها التي نقل بها الملف إلى «دائرة الاتهام»، قضت هذه الأخيرة، أمس، بإرجاء النظر إلى مطلع شهر أيار، ما يعني وجوباً وبنص قانوني واضح، وجوب إطلاق سراح جميع المتهمين، انطلاقاً من فجر اليوم. واستباقاً لأيّ إجراء يحرم هؤلاء من الحرية، حذّرت «تنسيقية عائلات المعتقلين» من أن المماطلة في تطبيق نص القانون بعد يوم الجمعة «تعدّ اختطافاً من قبل أجهزة الدولة». واعتبرت «هيئة الدفاع»، بدورها، في تصريحات لأعضائها، أن «إجراءات النيابة العمومية تعدّ سابقة قضائية تضرّ بحقوق المتقاضين»، مضيفة أن «الطابع السياسي للملف دفع النيابة العمومية إلى الإصرار على تنفيذ أوامر السلطة السياسية بالاحتفاظ بالمعتقلين وحرمانهم من حرياتهم إرضاءً لها، وإن كان ذلك على حساب خرق الإجراءات». في المقابل، نفت الناطقة الرسمية باسم المحكمة ذلك، لافتة إلى أنه «لا وجود لخروقات»، متابعة أن ما تروّجه بعض الأطراف يستهدف «التشويش على سير التحقيقات والتأثير في الرأي العام».
يبني كثيرون أملاً على أن تتيح عودة المتهمين في القضية، إلى الساحة السياسية، هامشاً من الفعل ضد الرئيس ومنظومته


هكذا، يبدو أن الرئيس قيس سعيّد نجح، من خلال دعايته في مناسبات عدة، آخرها انعقاد «مجلس الأمن القومي الاثنين الماضي، إقناع الكثيرين بأن الأشخاص المتهمين مدانون وستتم محاسبتهم على تآمرهم مع جهات أجنبية، حتى قبل صدور أي قرار قضائي باتّ بالإدانة. وأسهم ذلك في تجريد المعتقلين بشكل شبه كامل من أي دعم شعبي يدفع نحو إنصافهم أو الإفراج عنهم، وهو ما يتبيّن من خلال ضعف المشاركة الشعبية في جميع التحركات التي نظّمتها «هيئة الدفاع» عن المعتقلين أو أحزابهم وعائلاتهم السياسية، فيما صار الاهتمام بالقضية منحصراً بمجموعة ضيقة من المحامين والمنظمات الحقوقية والصحافيين، وجميعها فئات لم تسلم من خطاب التخوين. وبرغم إصدار قاضي التحقيق، في وقت سابق، قراراً باتاً يقضي بمنع التداول بالقضية إعلامياً، وإكسائها طابع السرية المطلقة، تم تسريب محضر ختم البحث، بهدف إثبات ضعف الأدلة والبراهين التي بني عليها الملف، استرجاع شيء من الدعم الشعبي على أمل المناصرة، ولكن «دار لقمان بقيت على حالها»، إذ لم تلقَ الوثائق المسرّبة رواجاً سوى بين المتضامنين أساساً دون غيرهم.
بالنتيجة، يبني كثيرون أملاً على أن تتيح عودة المتهمين في القضية إلى الساحة السياسية، هامشاً من الفعل ضد الرئيس ومنظومته. وفي حال إطلاق سراح الأمين العام لـ«الحزب الجمهوري» عصام الشابي، والأمين العام لـ«التيار الديموقراطي» غازي الشواشي، وقيادات «مواطنون ضد الانقلاب»، من مثل رضا بلحاج وجوهر مبارك وأحمد نجيب الشابي، فإن هؤلاء سيستأنفون حتماً نشاطهم المعارض، ولا سيما قبيل عقد الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها نهاية هذا العام. في المقابل، يتنبأ كثر بأن زمن الحرية للشخصيات المذكورة غير مضمون ومحدود، وخصوصاً أن بينهم مرشحين جديّين للرئاسة لن ترضى السلطة القائمة بخوضهم الانتخابات بحرية، علماً أن بإمكان المنظومة السياسية أن تعمد إلى تعديل شروط الترشح، بما يمنع هؤلاء منه، طالما تتعلق بهم قضايا تهم التآمر على أمن الدولة. وهو ما لمّح إليه سعيد في خطاب بمناسبة ذكرى وفاة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، إذ قال إن «من ارتموا في أحضان الخارج لا مكان لهم بين المترشحين»، الأمر الذي يعني إمكانية تعديل شروط الترشح نحو إقصاء ذوي الجنسيات المزدوجة أو المتعلقة بهم «قضايا تآمر».