ألبير فرحات *في القسم من تقريره المتعلق بصلاحية المجلس العدلي، رأى وزير العدل إبراهيم نجار أن ذلك المرجع القضائي غير ذي صلاحية للنظر في جريمة شهود الزور، وأن اختصاصه محصور في حدود ما تنص عليه المواد 270 إلى 366 من قانون العقوبات، أي تلك الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي (المؤامرة لارتكاب جرائم/ الفتنة/ النيل من الوحدة الوطنية/ والجرائم الماسّة بالقانون الدولي) وغيرها من الجرائم التي لن نذكرها هنا لكونها خارجة عن موضوعنا.
ولقد غاب عن وزير العدل كون الفعل الجرمي يحتمل أوصافاً عدة بحيث يكون هناك اجتماع جرائم معنوي، فلم يأخذ بالوصف الذي يمكن إعطاؤه لفعل أولئك الشهود، والذي يصح فيه القول إنه اختلاق جرائم وافتراء، المنصوص عليها في المواد 402 – 404 من قانون العقوبات.
إلا أن الأهم من كل ذلك هو أن هؤلاء الشهود متدخلون في تلك الجنايات التي ألمح إليها الوزير والتي عدّها من صلاحية المجلس العدلي. وبيان ذلك كما يلي:
قال الشيخ سعد الحريري حرفياً لصحيفة «الشرق الأوسط» السعودية إن «هناك أشخاصاً ضلّلوا التحقيق، وهؤلاء ألحقوا الأذى بسوريا ولبنان، وألحقوا الأذى بنا نحن عائلة الرئيس الشهيد لأننا لا نطلب سوى الحقيقة والعدالة. وشهود الزور هؤلاء خربوا العلاقة بين البلدين وسيّسوا الاغتيال (نقول باتجاه معيّن)، ونحن في لبنان نتعامل مع الأمر قضائياً».
معنى ذلك أن شهود الزور هؤلاء قد تدخلوا في مؤامرة كان القصد منها الإساءة للعلاقات مع بلد شقيق مما ينطبق على ما نصت عليه المادة /270/ عقوبات القائلة: «يدعى مؤامرة كل اتفاق تمّ بين شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية بوسائل معيّنة»، بحيث إنه وفقاً للمادة /271/، فإنه: «يتم الاعتداء على أمن الدولة سواء كان الفعل المؤلِّف للجريمة تامّاً أو ناقصاً أو في طور المحاولة».
وينطبق على تلك المؤامرة الوصف الذي جاء في المادة /295/ من أن: «مَن قام في لبنان زمن الحرب أو عند توقّع نشوبها (ونحن في حال حرب مع إسرائيل ما زالت قائمة برغم اتفاقية الهدنة التي لا تلغي حالة الحرب) بدعاية ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية عوقب بالاعتقال الموقت».
ثم تأتي المادة 296 لتنص على أنه: «يستحق العقوبة نفسها مَن نقل في لبنان في الأحوال عينها أنباء يعرف أنها كاذبة أو بالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمة. وإذا كان الفاعل يحسب هذه الأنباء صحيحة فعقوبته الحبس ثلاثة أشهر على الأقل».
أما المادة /308/ التي جاءت تحت عنوان «الفتنة»، فإنها تعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة مرتكب الاعتداء على أمن الدولة الذي يستهدف إمّا إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي.
وينطبق أيضاً على ذلك، الوصف الذي جاء في المادة /313/ التي تعاقب بالأشغال الشاقة الموقتة على المؤامرة بقصد ارتكاب إحدى الجرائم المشار إليها في المادة السابقة (حتى ولو لم تؤدّ تلك المؤامرة إلى نتيجة).
كذلك ينطبق على ذلك أيضاً وصف الأعمال الإرهابية المنصوص عليها في المادة /314/ وكذلك مجرد المؤامرة التي يقصد منها ارتكاب عمل أو أعمال إرهاب.
وأخيراً، نصل إلى الجرائم الماسّة بالقانون الدولي المنصوص عليها في المادة /288/ التي جاء في فقرتها الثانية ما يلي: «مَن أقدم على أعمال أو كتابات أو خُطَب لم تُجِزها الحكومة فعرّض لبنان لخطر أعمال عدائية أو عكّر صلاته بدولة أجنبية أو عرّض اللبنانيين لأعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم» وكذلك المؤامرة التي ترمي إلى إحدى الجنايات السابقة سنداً للفقرة الثانية من المادة /289/ عقوبات.
بعد هذا العرض، لنرَ كيف تصرفت جماعة تيار المستقبل وبقايا 14 آذار في هذه المسألة؟
في البدء خلطوا بين اليمين الكاذبة وشهادة الزور حاسبين أن الأولى لا تحصل إلا إذا حلف شخص اليمين أمام قاض أو مرجع آخر مكلّف بالتحقيق. وهذا غير صحيح لأن عدم حلف اليمين يؤدي فقط إلى خفض عقوبة شاهد الزور. ثم عادوا ليقولوا إن ملاحقة شهادة الزور لا يمكن أن تكون إلا بعد صدور قرار ظني، وزايد بعضهم ليقول إن ذلك لا يحصل إلا بعد صدور حكم المحكمة النهائي. ثم أثيرت مسألة المرجع هل هو القضاء اللبناني أم لجنة التحقيق الدولية أم المحكمة الخاصة بلبنان؟ كلما أغلق أمامهم باب فتحوا باباً جديداً بهدف التضليل وإضاعة السلم الأهلي والعدالة والحقيقة معاً. ذلك لأنه ليس صحيحاً أن هناك مَن يريد الحفاظ على السلم الأهلي على حساب العدالة أو العكس. فإننا نحن المطالبون بالعدالة والحقيقة ودرء الفتنة معاً.
وبتنا بانتظار غودو، إلى أن جاء تقرير وزير العدل الذي استغرق وضعه وإعلانه زهاء شهر ونصف، وجاء على قاعدة «6 و6 مكرر» و«ضربة على الحافر وضربة على المسمار».
فالتقرير لم يلحظ أن ما أقدم عليه شهود الزور هو أيضاً جرم الافتراء واختلاق الجرائم، وأن كل ذلك يمثّل محاولة الفتنة والاعتداء على أمن الدولة الداخلي وجريمة من جرائم القانون الدولي تدخل كلها في اختصاص المجلس العدلي (بصرف النظر عن موقفنا المبدئي من المحاكم الاستثنائية).
غير أن هناك وجهاً خطيراً أيضاً من المسألة لم تتطرّق إليه بعد قوى 8 آذار. هو ذلك الذي يتعلّق بالمسؤولية عن خرق الدستور الناتج من إقدام الرئيس السنيورة على الحلول محل رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء والمجلس النيابي خلافاً لنص المادة /52/ من الدستور، مما ينطبق عليه وصف الجريمة المنصوص عليها في المادتين /304/ عقوبات حول الاعتداء الذي يقصد منه منع السلطات القائمة من ممارسة وظائفها المستمدّة من الدستور وعلى مجرد المؤامرة الهادفة إلى ذلك عملاً بالمادة /305/ وكذلك جريمة اغتصاب سلطة إحدى السلطات الدستورية، وهو الجرم المنصوص عليه في المادة /306/.
لذلك، فإن الوصول إلى الحقيقة، وتحقيق العدالة، ودرء الفتنة و«الدخول إلى الدولة»، تستدعي كلها إحالة رئيس مجلس الوزراء الذي وقّع ووقّع ووقّع عن غيره – إحالته على المجلس الأعلى المنصوص عنه في المادة /80/ من الدستور الذي يتولّى محاكمة الرؤساء والوزراء.
بدون كل ذلك سوف نبقى ندور في تلك الحلقة المفرغة التي أوجدها قَتَلَة الرئيس الشهيد رفيق الحريري: المحرّضون، والمنفّذون، والمتدخّلون.
* محام لبناني