وليد نسيب الياس*تدلّ زيارة أوّل رئيس وزراء إسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى أثينا (16-17 آب)، ردّاً على زيارة قام بها لإسرائيل اول رئيس وزراء يوناني يورغوس باباندريو في الشهر الماضي، إلى تغيير استراتيجية السياسة الخارجية للحكومة اليونانية خلال مدة وجيزة. وذلك رغم أن اليونان حليف تقليدي للدول العربية، ولم تُقِم علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل إلّا في 1990.
وقد عبّر باباندريو ونتنياهو عن جدية قرارهما بتطوير مستوى التعاون الثنائي بين كلتا الدولتين. وأعلن باباندريو تنظيم زيارات مشتركة بهدف تدعيم التعاون في قطاع الاستثمارات والسياحة والطاقة والتكنولوجيا. وقال مسؤول ضمن الوفد المرافق لنتنياهو إن المباحثات «استكشفت إمكان إقامة تعاون عسكري أكبر بين الصناعات العسكرية والجيشين في البلدين». وأكد مسؤول يوناني أن التعاون الأمني يشمل تبادل المعلومات الاستخبارية، ولا سيما في مسألة الإرهاب والمنظمات الاسلامية المتطرفة.
يعود التعاون العسكري المشترك الى توقيع اتفاقية ثنائية في 1994 وتجديدها في 1999 و2005، ولكن لم تنفذ الاتفاقية إلا بعدما قرر حلف الناتو في عام 2004 مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي تؤدّي فيه تركيا دوراً طليعياً بتغطية اميركية. وتنفذ الحكومة اليونانية دوراً شبيهاً بالدور التركي المنبثق من استراتيجية حلف الناتو الخاصة بدول البحر الابيض المتوسط الشرقية، ومن المتوقع ان يصدّق عليه في مؤتمر الحلف الاطلسي الذي سيعقد في تشرين الثاني 2010 في لشبونة.
وبناءً على ذلك شاركت القوات الجوية اليونانية والإسرائيلية عام 2008 في مناورات جوية بما يزيد على 100 طائرة إسرائيلية من نوعي إف 15 وإف 16، حتى إن منظومة الدفاع اليونانية المضادة للصواريخ إس 300 استخدمها سلاح الجو الإسرائيلي في تلك المناورات، وهي المنظومة التي تشبه نظيرتها الإيرانية في حال حصول طهران عليها من روسيا بموجب اتفاق وقّع بين الطرفين الإيراني والروسي في 2005.
ثم شاركت اليونان في مناورات عسكرية مشتركة مع الجيش الإسرائيلي في آذار 2009، وشملت تدريبات في الاجواء الدولية لمنطقة البحر الابيض المتوسط الشرقية والممتدة من أجواء أثينا وردوس وكاستولوريزو (جزيرتان يونانيتان) وقبرص وصولاً الى مصر. وتوّج التعاون العسكري اليوناني الإسرائيلي بتنفيذ جزء من مناورات (مينوس 2010) لأن الحكومة اليونانية جمّدت المناورات العسكرية المشتركة مع إسرائيل والتي كانت قد بدأت إبان الهجوم الذي شنّته إسرائيل على أسطول المساعدات الذي كان متوجهاً إلى غزة. وتفيد المعلومات الصحافية أن المناورات العسكرية بين كلا البلدين من المتوقع أن تستأنف في فصل الخريف 2010. وبالتحديد في شهر أكتوبر عام 2010. وتتطلع إسرائيل الآن الى تنفيذ مناورات عسكرية خاصة بمروحيات ch -53 sea sattion في الاجواء اليونانية.

استخدمت إسرائيل في المناورات منظومة الدفاع اليونانية الشبيهة بالإيرانية

عودة الدفء الى العلاقات الاسرائيلية اليونانية مرتبط بالمشروع الاميركي وسعي الحلف الاطلسي الى القيام بدور فاعل في عملية السلام ونشر قواته بين إسرائيل وفلسطين في حال التوصل الى إعلان الدولة الفلسطينية. وبالاضافة الى ذلك، يعيد طرح محور قديم جديد ألا وهو التحالف بين إسرائيل وتركيا واليونان وقبرص وبلغاريا ورومانيا وصربيا. وإسرائيل لا تريد أن تعرقل الدور الاقليمي التركي في منطقة الشرق الاوسط، لا بل تريد المحافظة عليه، وتعلم أن بعدها الاستراتيجي مرتبط بعلاقاتها الاستراتيجية مع تركيا. واليونان لا تستطيع أن تحل مكان الدور التركي، لا بل يكمل هذا الدور، وخير شاهد على ذلك تصريح نتنياهو بأنه يريد إصلاح العلاقات مع تركيا وأن تطوير العلاقات مع اليونان قد يعزز ذلك الهدف.
لكن، هل الحكومة الاشتراكية اليونانية تعي فعلاً ما تفعله عبر تعاونها الوثيق مع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة؟ بالرغم من محاولات تلطيف صورة إسرائيل لدى الرأي العام اليوناني وتجميل نتائج زيارة نتنياهو، وتعبير رئيس الوزراء اليوناني عن رغبته في القيام بدور «الوسيط» في منطقة الشرق الاوسط وحصوله على موافقة مسبقة من الادارة الاميركية وإسرائيل والسلطة الفلسطينية ودول عربية، لن يؤدي دوره الى تحقيق مكاسب دبلوماسية ملموسة لليونان بهدف مواجهة الدور التركي الاقليمي والدولي وقلب موازين القوى في بحر إيجه. واختار باباندريو القول الشائع في العلاقات الدولية: لا يوجد أصدقاء دائمون بل مصالح دائمة، ولكنه لم يحتسب رد فعل الدول العربية، ولم يعكس الرأي العام اليوناني الذي لم يتوانَ عن دعم القضية الفلسطينية والشعب اللبناني.
* كاتب لبناني مقيم في أثينا