وائل عبد الفتاحمصر تنتظر في الظلام تغيير جلدها. كل شيء منفلت باتجاه شيء غامض. أمل؟ كارثة؟ الحرب التلفزيونية بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين غير مضمونة العواقب. لا منتصر فيها. وحرب الشوارع على صور جمال مبارك تفقد النظام سره المقدس المتعالي على ما يحدث خارج كواليس القصور. الحل في استمرار الرئيس مبارك لتهدئة تلك الفورات الغامضة. الرئيس يعرف في الكهرباء والمياه والقمح وزهرة الخشخاش. متيقظ. متابع. يملك المفاتيح، وإن بدا على وجهه الإرهاق.
استمرار مبارك الأب سيتحول إلى مطلب شعبي بعد قليل من الحروب في الظلام، رغم أن دراسة أميركية أكدت أن مبارك طمأن البيت الأبيض إلى ترتيبات خلافته. الدراسة كتبها صحافي أميركي سمع بنفسه منظرين في الحزب الوطني الحاكم يتحدثون عن انتظارهم لحظة حماسة ليصبح جمال مبارك هو «أوباما مصري».
الدراسة كشفت للمرة الأولى عن أن جمال مبارك أصبح له عباءة، تعمل تحتها ١٠٠ عائلة تسيطر على الاقتصاد المصري، الذي شهد دفعة حسب التصور الأميركي، وحقق معدل نمو بلغ ٧ في المئة وضاعف الناتج القومي من ٨٧ مليار دولار عام ٢٠٠٤ إلى ١٦٢ مليار دولار عام ٢٠٠٨.
لكن «أوباما» المصري والعباءة، وكل هذه الحزمة الملونة، لم تمنع من العودة إلى عصور الظلام، والتسول الجماعي أمام مقارّ رجال الأعمال المقيمين تحت العباءة.
الأب أكثر رحمة من الابن وعباءته، هكذا يقول الخبراء المنحازون إلى دولة الرعاية الشاملة، وأتباع «الأوباما» يردون بقروض للفقراء الذين وقّعوا على بيان تأييد جمال مبارك.
والجماعة؟ سؤال عن دورها في حرب الخلافة، وفاعلية حربها الدفاعية في صناعة أمل التخلص من النظام؟
الأستاذ مهدي عاكف، المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين، حكى عن لقاء بقيادات من جهاز أمن الدولة قبل انتخابات ٢٠٠٥. الحكاية معروفة في الأوساط السياسية باسم «الصفقة».
تنكر الجماعة بكل مستوياتها القيادية «الصفقة»، لكن حكاية المرشد تنقل تحليل علاقة «الجماعة» بـ«الجهاز» خطوة جديدة. يمكن فهم رغبة الجماعة في مد خطوط مع الجهاز، الذي يمثل اليد العليا الخفية المسيطرة على الحياة السياسية.
الجهاز يفكر في السياسة أمنياً، والجماعة تريد بالخيوط توسيع هامشها الذي حصلت عليه أولاً عندما أراد الرئيس المصري السابق أنور السادات ضرب اليسار في السبعينيات، وثانياً عندما أراد حسني مبارك حسم معركته مع الجماعات الإرهابية. ومنذ ١٩٩٥ انتقلت الجماعة إلى موقع جديد، بين الشرعية والحظر.
هل تم الانتقال برعاية الجهاز أم أنه قرار سياسي أعلى؟ الجماعة انتقلت إلى هامش أوسع، انتهت مرحلة «العمل في المساجد»، وبدأ العمل في النقابات والأحزاب ومجلس الشعب. وهي مرحلة جرت في ظل الخيوط بين الجماعة والجهاز.
كيف يتفاوض جهاز أمن الدولة مع زعيم جماعة محظورة؟ هذه مفارقة سياسية كبرى يستفيد منها الطرفان. الجماعة تستفيد من سحر الجماعة الممنوعة والمضطهدة وجاذبيتها. وفي الوقت نفسه تتمتع بالأرض الجديدة.
والجهاز يختار معارضة يمكنه السيطرة عليها، لأنها ليست لها حقوق الحزب الشرعي، وقرار إغلاقها ومطاردة عضويتها، موجود في الأدراج ويخرج وقتما يراد الجهاز.
يمكن السيطرة على الجماعة إذاً. هذه السيطرة تمنحها الجاذبية، التي منحها لها استبداد الجنرالات. صناع الدولة الحديثة في مصر.
الشيخ استفاد من فشل الجنرال الذي وضع المجتمع كله في زنزانة كبيرة. أدارها بمنطق الثكنات العسكرية. كان الجنرال يخطب في شعبه من الشرفات. ينظر إليه من أعلى، بينما كان الشيخ بجوارهم في الجامع لحظة الصلاة والمساواة بين الجميع. هزيمة الجنرال انتصار للشيخ. وهما متشابهان في طلب السمع والطاعة. الجنرال يطلبها في الشارع، والشيخ في المسجد. والهزيمة أخرجت الشيخ ليكون امتداداً للجامع. استمرار حسن البنا هو ابن هزيمة الدولة الحديثة التي نافق فيها كل الجنرالات الحس الديني للشعب.
والآن الحرب على الأخلاق، لم تنتصر فيها الجماعة انتصاراً حاسماً، كما أن عباءة أوباما المصري لم تحكم سيطرتها وتعيد النور إلى الشوارع. حروب غير محسومة، ونظام وجماعة يتفقان على الاستمرار إلى ما لا نهاية، أي أمل ينتظر مصر؟ أي تراجيديا؟