أنا اليتيمة التي آويتَها
أعود بالسنين إلى 1984 يومَ أدخلتني أمي إلى مبرّة الإمام الخوئي. حينها كان عمري قرابة ثلاث سنوات ونصف. كنت طفلة يتيمة لم أجرّب كلمة أبي. كنت أنظر لتلك الغرف المليئة بالألعاب ولباقي الأطفال من عمري. واجهت اليتم بالغربة... الغربة عن منزلي وعن حضن أمي الدافئ. لم ولن أنسى بكائي حين تركتني أمي هناك بين أناس لا أعرفهم. ترعرعت بين تلك الجدران التي أشعر إليها بالحنين الآن رغم قسوتها لأنها فصلت بيني وبين حضن أمي. كنت أشعر بالظلم والقهر جراء بعض الهفوات التي كانت تحدث. لكن رويداً رويداً بتّ أرى صورتك أمامي، وشخصك يمثل في كل مناسبة تحدّثنا وتأتي لزيارتنا. كنا نسمع توجيهاتك بأن ضرب اليتيم ممنوع. هذه الكلمات كنّا نتقوى بها على البعض في السلك التعليمي. كيف لا وأنت المسؤول عنّا والمحامي. كلما اعترضتنا مشكلة التجأ الأهل إليك لحلها.
الآن وبعد مضيّ تلك السنين، أشعر بحرقة في القلب على فقدك. ليس لأنك المرجع الديني لي، فأنا لست من مقلديك، أو حتى الزعيم السياسي أو المرشد أو المفكر، بل على شيء لمسته فيك حين وضعتني في حجرك. كنت يومها لا أتجاوز الخمس سنوات حين زرتنا في المبرة، ورفضت أن تنزلني حين أتى أحد المعلمين لينزلني عن حجرك. أبقيتني ومسحت على رأسي مراراً.
وبعد مضي هذه السنين، يا سيد، دعني أقل، بعيداً عما إذا كنت أوافق بعضاً من آرائك وأفكارك، إنني أشعر بحرقة على الإنسان الذي احتوى كل الحب والحنان والعطاء. فأنت صاحب الفضل في التزامنا الديني وترسيخ قيم الإسلام المحمدي الأصيل في جيل كان محكوماً عليه بالضياع جراء ما مر على وطننا الحبيب لبنان. أنت صاحب الفضل في انتمائنا السياسي. كيف لا وأنت من زرع فينا حب الخط والنهج الذي نفتديه بكل ما نملك؛ نعم أنت من غرس في كل جيلي الذي أنتمي إليه حب الخميني العظيم وعشق ثورته. أنت من زرع بذرة الكره لإسرائيل في داخلنا وعلّمتنا كيف تكون حرية التعبير في أن نقول الموت لأميركا، الموت لإسرائيل في وجه الطائرات الحربية الإسرائيلية! أنت صاحب الفضل في بقاء هويتنا الدينية. ما زلت أذكر تلك الليالي السوداء التي كان فيها العدو ينهش وطننا، كيف كنت تأتي ملتحفاً الليل لتمسح على رؤوسنا، لتهدئ من روعنا. آه لتلك الأيام العصيبة كيف تحمّلها قلبك وأنت ترى جمعاً من الأيتام، وبكاء الخوف مسيطر عليهم من أصوات الصواريخ والطائرات الاسرائيلية. لن انسى كيف أتيت حافي القدمين عندما تعرّضنا للتسمم... أنت الأب الرحيم حقاً والمدافع الأول عن أيتام محمد وعلي في وطني الصغير.
علا أديب المرتضى