إلى السيّد فضل اللّه
بالأمس دنا الموت من أحد الحكماء. أخذ الجسد والهامة والقامة والطلة البهية، وهمس في أعماق الروح شوقاً فهلّل القمر! ولا عجب بأن الملائكة كانت تشعر بالزهو، وأيضاً بالفرح! فحين يرحل الحكيم والشيخ الجليل والمرجع القادر، يبكي البشر، لكونهم ضعفاء خُلقوا من طين، وتزغرد الملائكة المسبحة بحمد ربها، فالموت حق وإلى المولى المصير!
أجل، إن الموت حق، لكن الفراق صعب، فالرحيل يبدو كأنه القصاص لكل محب عرف هذا الرجل، عرف روحه السامية وإنسانيته الطاغية، فهو خير من وقف على المنبر وجاهر بمناصرة الحق إلى أي جهة انتمى. استطاع بعمامته ذات اللون الأسود، مع ما ترمز إليه من خصوصية دينية أن يجذب الجميع إلى كلامه ومواقفه وكبريائه وعزة نفسه.
من الجميل أن يهدينا رجل الدين ويساعدنا على تخطّي الصعاب، لكن الرائع فعلاً هو أن يُمثّل رجل الدين أمة قائمة بحد ذاتها تسعى جاهدة لتقديم صورة أبهى عن الإنسانية، سواء من خلال الاهتمام بالطفولة، الصحة، التربية والتعليم والتفقّه والإرشاد والتوجيه...
ولعل الأسمى من كل هذا، رغم عظمته، هو أن يُجسّد رجل الدين معنى الاعتدال وحب الخير والمساواة بين الجميع، الجميع من بني البشر، أبناء الإنسانية وأحباء الله. فرجل الدين هو من يُقرّبنا بكلامه من الله ويجعلنا نشعر بالخضوع والتضرّع له، وحب الآخرين والتقرّب إليهم والوقوف بجانبهم ومشاركتهم الأتراح والأفراح. هذا هو دور رجل الدين، وهذه هي الروح التي لا تموت والنفس التي لا تفنى، النفس الراضية المرضية، المطمئنة بجوار ربها، الحالمة بخلاصنا من براثن الشيطان اللعين! هذه هي روح السيد فضل الله الذي آمن بالتآخي بين أبناء الوطن الواحد، ودعا إلى المحبة نابذاً التعصب والتمذهب والتقوقع تحت أي شعار. إنه الرافض لكل أشكال التطرف والحاضن لكل مخلص آمن بخلاص لبنان!
بالأمس أخذ الموت هذا الرجل العظيم، فبكت العين حزناً وتأوه القلب حسرة، لكن العقل كان مستسلماً لإرادة الله سبحانه، لأن الروح الطاهرة لا تموت.
الدكتور إلياس
ميشال الشويري
(رئيس الجمعية اللبنانية للسلامة العامة (LAPS))