وائل عبد الفتاحلم يحدّد المصدر الصحافي نوع الزواج، لكنه قال بالنص: «… ومثل الأزواج فإنّ مصر والاتحاد الأوروبى عليهما مناقشة بعض الأمور المزعجة من وقت إلى آخر، دون أن يعني ذلك رغبة أيّ طرف في النيل من الشراكة العميقة». المصدر أوروبيّ طبعاً. وتصريحاته تفسير لاهتمام سفراء أوروبا في القاهرة بملف خالد سعيد، الشابّ المقتول بعد التعذيب على أيدي عناصر من الشرطة المصرية.
الملف مقلق بالنسبة إلى شركاء نظام مبارك (أو أزواجه) في أوروبا، لأنهم يريدون نظاماً أكثر نصاعةً في مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية. رغبةً منهم في تقوية النظام لا تغييره.
رسالة الاتحاد الأوروبي تبدو في إطار منافسة (ليست متكافئة لكنها مهمّة) مع الشريك أو الحليف الأميركي للنظام، الذي أبدى اهتماماً مكثّفاً بملف خالد سعيد، ولم يكتفِ بإشارة أو إدانة عابرة كما هي العادة.
«الزوج الأميركي» أكثر تأثيراً على المستوى السياسي، أو على مستوى التدخّل في أساسيات الحكم، وهنا يتحدث العالمون بما يحدث في الكواليس عن انتقال في الأداء الأميركي من مرحلة إبداء النصيحة إلى مرحلة المساعدة الفاعلة في «تربيط» النظام خلال مرحلته الانتقالية.
جولات مندوبي الزوج الأميركي استقصت ما يريده المجتمع المدني في ملف خالد سعيد، بماذا ينصحون الأصدقاء في النظام؟ هل يكفي خروج تصريحات من شخصيات كبيرة بإدانة التعذيب؟
الإجابات سارت في اتجاه أنّ النظام غير قادر على وقف التعذيب في أقسام الشرطة. وأنه لا بد من تعهد واعتذار على مستوى رئاسي. وهو ما لن يحدث.
الهدف لم يكن تغيير السياسات أو تعديلها، بل تحسين الصورة، وتهدئة عصبية النظام في المرحلة الانتقالية، وهذا ما يفعله الأوروبيّون بمناقشة بعض الأمور المزعجة على طريقة المتزوّجين، مع الاختلاف في درجة الزواج ونوعه، لكن يبدو واضحاً أنّ القوى الدولية تدعم نظام مبارك في مرحلة الانتقال من مرحلة الملك القوي إلى الملك الجديد.
من هو الملك الجديد؟ المؤشرات تقول إنه جمال مبارك، المحبوب من القوى الدولية، وممثل رجال الأعمال، القوى الساعية إلى شراكة حقيقية في الحكم.
المؤشرات تقول أيضاً إنّ جمال عاد للحركة بعد هدوء عاصفة البرادعي، الذي أصبح تهديده للنظام في مستوى آخر غير مستوى المنافسة على الرئاسة.
البرادعي يقترب الآن من الإخوان المسلمين، أو العكس، اقتراب يشبه الكهرباء، حيث تلتقي الشحنات الداخلية (ورقة الدعم الشعبي للإخوان) مع الشحنات الخارجية (ورقة الدعم الدولي للبرادعي). وهذه كهرباء خارج السيطرة.
النظام لا يقبل إلا سيطرةً كاملة، وهذا سر عصبيّته وانفعاله خلال فترة البرادعي وما بعدها، لكن بعد تخطي الأميركيين والأوروبيين مراحل النصيحة إلى العمل المساعد، بدأت راحة الأعصاب والاطمئنان، وخصوصاً أنّ الطرق القديمة لا تزال فاعلة، فالقدرات المبهرة للنظام على شق صفوف المعارضة، كما فعل حين رسم سيناريو تصعيد حزب الوفد ليكون كبير المعارضة، وتوافد الشخصيات العامة ونجوم المجتمع في كرة القدم والفضائيات، وبرلمانيين على الانضمام إلى الحزب في ثوبه الجديد.
أول أدوار «الوفد» كان الانسحاب من تحالف أحزاب المعارضة، وهو ما يمنع قيام أيّ كتلة قوية (ولو كانت أطرافها هشّة) تشاغب الحزب الوطني الحاكم.
كذلك فإنّ الشحن الغامض للقضاة في أزمتهم مع المحامين، أظهر طريقتهم المتعجرفة والانفعالية دفاعاً عن الذات، وهو ما يكسر خطوط التحالف بينهم وبين المجتمع المدني، الذي يطالب بعودة الإشراف القضائي على الانتخابات.
هكذا يواجه الحزب والنظام، أشلاء مجتمع يحاول الخروج من شرنقة النظام، وبدلاً من الشعور بقوة التحالفات غير المرئية تقطّعت الخيوط واحداً واحداً، بذكاء غريزة القدرة على البقاء، وهي غريزة لا تبدع، لكنها تستفيد من طول الإقامة في السلطة، ومعرفة الخبايا والدهاليز والملفّات والحكايات في السيطرة، ولا شيء غير السيطرة.
الزواج إذاً في مرحلة الدفاع عن الاستمرار لا التغيير. الأوروبيون مهتمون بالشراكة الاقتصادية، والأميركيون بالسياسية، وهناك مهمات أخرى صعبة في مناطق تستعيد فيها الذراع المصرية الطولى دائرة حركتها، في السودان ولبنان، وهذه اليد لا بد أن يحرّكها جسد قادر على التجدّد من داخله.
وهذا ما يفعله الأزواج الصالحون، ولن يسمعوا فيه صرخات الاعتراض التي تطلقها أصوات في نظام مبارك، ترفض التدخل في الشؤون الداخلية. وقد قالها المصدر الأوروبي بوضوح «إنها تقاليد الزواج… الصعبة، لكن الضرورية».
إلّا أنه لم يحدّد نوع الزواج. فعندما قال وزير في حكومة ما قبل الثورة إنّ العلاقة بين مصر وبريطانيا مثل الزواج الكاثوليكي، قُتل، لكن إعلان الزواج لن يثير شهية القتل لدى أحد الآن.