strong> مارك شميت* النقاش الرئيسي داخل أوساط تحالف يسار الوسط في السياسة الأميركية لعشرين عاماً كان بين ما هو «صغير» و«كبير». ليس الأمر مواجهة بين ليبرالي ومعتدل، أو بين الشعب والقوة. على العكس من ذلك، الموضوع هو، من جهة، بين تقدّمية كبيرة، برامج لافتة للنظر، ومطالبات شجاعة بالسلطة. ومن الجهة الثانية، تسويات صغيرة، تكتيكية، ومعاملات لا تخيف، لكنّها تسترعي انتباه الأمّة أو قسم منها في اتجاه أفضل.
بطريقة أو بأُخرى، وفي معظم الأوقات، يربح التواضع الصغير. وليلة خطاب حال الاتحاد، رغم أنّ باراك أوباما كان قوياً في نواحٍ عدّة في النبرة والمضمون، وقّع اتفاق عدم اعتداء مع الصغير والمتواضع.
لقد وجدت نفسي في العادة إلى جانب القويّ. عندما عملت في حملة بيل برادلي الرئاسية عام 2000، كانت حجتنا ونقدنا التقدمي الأساسي لحملة بيل كلينتون أنّ التفكير كان صغيراً.
بعد كوارث 1993 و1994، خفض كلينتون وغور من طموحاتهما، وعملا على المبادرات الصغرى بناءً على نصيحة مارك بين، وفوّتا فرصاً لتغيير البلاد جذريّاً. منذ سنة، استضافت هذه المجلة مؤتمراً مع الإدارة الجديدة والكونغرس «للتفكير بطريقة كبيرة». لم يكن الموضوع فقط عن السياسة. «الكبيرة» كانت أيضاً استراتيجية بشأن كيفية الحكم، عبر تقديم رؤية بديلة غير تسووية تحمل ما يكفي للعمل ولتخويف الخصوم وإعادة تكييف السياسات. وكانت الصراعات حول قانون الرعاية الصحية وتعيين مستوى عال للتفاوض، كما كانت هناك خلافات إيديولوجية.
سيطر الضعف على السياسة عند الديموقراطيين منذ انتخابات 2004. ابتكرت السياسات المحلية أحياناً من عشرات الإعفاءات الضريبية، وكان الرد على المبادرات الجمهورية دفاعياً وجزئياً.
منذ عام، وبعد العودة الديموقراطية الكبيرة والتقدمية، وصعود أوباما، بدا كلّ شيء موافقاً للبدء بالتفكير بطريقة ضخمة للوصول إلى الأهداف. كانت المشاكل كبيرة جداً، والفرص السياسية غير مسبوقة. فقد انتُخب ديموقراطي بأغلبية كبيرة من الأصوات، وجرت السيطرة على مجلسَي الكونغرس، إضافةً إلى وجود قاعدة سياسية ناشطة. برهنت سنوات حكم بوش أنّ بإمكان تحدي الجمود الطبيعي للسياسة أن ينجح. وحدّد أوباما النبرة في خطاب تنصيبه: «حان الوقت لوضع الأمور الطفولية
جانباً».
لكن في أول خطاب له عن حال الاتحاد، اضطر أوباما إلى إلقاء نظرة إلى الوراء على سنته الأولى والقول «دعونا نجرّب التفكير السليم». قدّم ما يمكن اعتباره جدول أعمال مشوّشاً يتكوّن من نزوات متناقضة (عشرات من الإعفاءات الضريبية الجديدة، تجميد في الإنفاق، موازنة تعتمد على الدفع الفوري، وخلق وظائف).
في جدول الأعمال هذا بعض الأفكار الجيّدة مثل الحديث عن خطة لجعل القروض الطلابية ترد وفقاً للمدخول، وهي أوّل مرّة يتحدّث فيها رئيس في خطابه عنها، كما كان هناك تشجيع خفيف في القضايا الكبيرة (الرعاية الصحية والطاقة). كان هناك كلام قاسٍ عن إعاقة الجمهوريين للعمل التشريعي، تركة بوش، الخجل الديموقراطي (الناس يتوقعون منا أن نحل بعض المشاكل)، الإعلام، وحتى المحكمة العليا.
لكنّ كلّ ذلك كان كلاماً، أمّا فكرة أن تستطيع رؤية كبيرة للتغيير إطاحة كل هذه القوى، فكانت ضائعة.
أميل إلى أن أغفر لأوباما مسؤوليته عن الإخفاقات المنهجية والممأسسة. هناك الكثير في النظام مما يجعل من المستحيل أن يكون أوباما فرانكلين روزفلت. كما تعزّز صغر أفق البعض في الكونغرس بوجود جمهور يغضب بسرعة، وتتعبه فكرة التغيير، وخصوصاً إنْ تضمّن كلمة «الصحّة». لكن في طرق كثيرة، كان أوباما رسولاً ذا عيوب في مقاربة «التفكير بطريقة كبيرة». كما يقول ريك بيرلستاين، لا تحتاج فقط إلى برنامج عمل طموح، لكن إلى رئيس مستعد ليكون مواجهاً ومقداماً. إلى حدّ ما، نجح بوش في برامج العمل الكبيرة، أي نصف الوقت الذي قضاه في البيت الأبيض، ولم يلجأ إلى تسوية إلّا في مرات قليلة. أي رئيس يريد أن تكون الأمور أصعب من الإعفاءات الضريبية والحروب لا يستطيع التصرف هكذا، ولو أُجبر على ذلك، فسيفشل.

هناك الكثير من العوائق التي تجعل من المستحيل أن يكون أوباما فرانكلين روزفلت

ما انتهى إليه أوباما، وخصوصاً مع إصلاح برنامج الرعاية الصحية، كان موقفاً سيّئاً. إذ ظهر فيه مشروع كبير كأنّه في خطر، وكأنه صغير وغير شرعي بسبب ضعف واشنطن.
إذا كان الكل في ماساشوستس، كما تدّعي كارين تومولتي، واعين للصفقة التي عُقدت مع السيناتور بين نيلسون من نبراسكا، ليساند الديموقراطيين في المجلس، نجد أنفسنا في مفارقة. هذه المفارقة هي أنّ ديموقراطياً محافظاً ظاهرياً خلق الظروف التي جعلت الناس يرون أنّ تشريعاً ما يبدو ليبرالياً جداً. هذه هي شروط السياسات الصغيرة، ولا يمكن تخطّيها بسهولة إلا عند تقديم برنامج عمل من إجراءات ورموز تناسبها تماماً.
وهكذا، إذا كان الديموقراطيون بحاجة إلى أن يسمعوا عن خفض العجز، فأعطهم شيئاً بلا معنى عن خفض العجز. فهم ليسوا جادّين بشأنه، لأن عدداً كبيراً منهم يفضّل إلغاءً دائماً للضريبة العقارية، ما يمثّل كارثة بالنسبة إلى العجز، لكنك لا تستطيع أن تجعلهم يتخلّون عن الأمور الطفولية.
أذكر خطابات بيل كلينتون عن حال الاتحاد التي كرهت أكثريتها، فهي تبدو مثل قوائم الغسيل غير الرسمية، التي أُلصق بعضها ببعض وبكلمات كبيرة. لكن يجب أن أعترف بأنّ كلينتون كان سيد الشكل، وكان الرئيس الوحيد في الفترة الأخيرة الذي زادت شعبيته بسبب خطابات حال الاتحاد.
تذكّروا أنّ آخر فترة خصبة للتشريعات التقدمية كانت 1997 ـــــ 1998 حين خلقت الدولة برنامج الرعاية الصحية للأطفال. انتقادنا للكلينتونية في آخر أيامها لم يكن صحيحاً تماماً، فمن الممكن خلق أمور عظيمة من تلك الصغيرة، وفن خطابات كلينتون كان يتمحور حول أخذ اللحظة التي يكون فيها الجمهور منصتاً لتقسيم السياسات إلى أقسام يمكن معالجتها. أشك في أنّ العديد من الأميركيين، ممّن هم قلقون من إصلاح الرعاية الصحية لعشرات الأسباب، لم يسمعوا في حياتهم تفسيراً وافياً عنه. إذا كانت هناك فرصة للمضيّ قدماً في إصلاح الرعاية الصحية، فسيكون ذلك ممكناً بفضل إعادة تأكيد القضية بمصطلحاتها المتواضعة غير المخيفة.
أصبح أوباما الشخصية المسيطرة في السياسة الأميركية منذ عامين. من الصعب إدامة الشغف السياسي والالتزام. لم تعد هناك عودة إلى جدول أعمال بأفكار كبيرة، ليس في القريب العاجل على كل حال. سيكون جدول الأعمال هذا موجوداً في مكان ما، مثل الماركسية الكاملة التي لم تطبّق قط، أو حلم المحافظين برئيس مع حكومات صغيرة، وهو الذي لم يحظَوا به قط. السياسة المربحة التي نخلق في داخلها تغييراً جدياً من قطع صغيرة، بعضها غير كامل، يمكنها أن تعمل أحياناً وتصبح مناسبة أكثر لوقت أوباما ومهاراته.
*عن «ذا أميركان بروسبكت»:
مجلة شهرية ليبرالية،
أنشئت لمناهضة الفكر المحافظ.