حسان الزينإذا كانت مصالح كلٍّ من حزب الله وميشال عون ما زالت متقاطعة، فإن سمتها الأساسية هذه الأيام هي البرودة التي يحكمها الصبر، لا سيما أن المرحلة صعبة ونتائج تفاهمها، معقودةً على نتائج الهدنة الإقليمية، لم تتبلور بعد.
وإذا كانت مصالح كلٍّ من سعد الحريري وسمير جعجع ما زالت متقاطعة، فإن سمتها الأساسية هذه الأيام هي الصبر الذي تحكمه البرودة، لا سيما أن المرحلة صعبة ونتائج تحالفهما، معقودة على نتائج الهدنة الإقليمية، لم تتبلور بعد.
في ظل هذا الوضع يجد نبيه برّي نفسه بلا حلفاء معلنين. حتى وليد جنبلاط، في اللحظة الراهنة، صديق أكثر منه حليفاً، من دون التشكيك أبداً في «مشاعر» أي منهما.
لا يبدو أن نبيه برّي «زهقان»، فهو يتسلى بالبلد عموماً ويأخذ الطاقم السياسي كله إلى البحر ويعيده عطشان. لذا، لا يمكن أبداً التوهّم أنه يبحث عن حليف. هذا آخر همّه، ويمكنه في لحظة أن يقيم جبهة عريضة، من أمين الجميل إلى رشيد الصلح مروراً بميشال المر وإيلي الفرزلي وفيصل الداوود، إلا أنه يدرك أن الموسم لا يطلب هذه الموضة، تماماً كما يدرك الملل الذي يولده هذا الأمر، أي الجلوس مع أيًّ من هؤلاء، فكيف إذا كان الجلوس مع هؤلاء جميعاً ومعهم آخرون من الطرز ذاته. لكن الكشتبان في إصبعه والحياكة والتطريز موهبته.
الموضة اليوم، وهي المسألة بالنسبة إلى نبيه برّي، هي خلط الأوراق المحلية وإعادة توزيعها على اللاعبين حول الطاولة. وهو، قبل أن ينسى أحداً، صاحب امتياز لعبة «س/ س». وقد آن الأوان لحصاد ما بقي سنوات يحرسه.
إذاً، المسألة ليست قصة ملل أو جنرال يتقاعد. نبيه بري ليس كذلك، حتى ولو بقي وحده في حركة أمل وأكل حزب الله الساحة المشتركة كلها، من الجنوب إلى البقاع مروراً بالضاحية الجنوبية. نبيه بري هو «الشريك» الشيعي في النظام والدولة، على اعتبار أن حزب الله هو «الشريك» في «الثورة». ومن يرد أن يكون في الدولة فعنوانُه الشيعي هو نبيه برّي.
لا يكترث نبيه بري، في لحظة ولادة التركيبة المقبلة للنظام السياسي، للكورس ولا للمتولولات في المولد. هو يسعى لولادة معادلة «س/س» محلياً، ويسعى ليكون القابلة وطبيب حديثي الولادة. وبناءً على ما يرسمه لنفسه تراه يخلط الأوراق ويوزعها على اللاعبين، بل يوزع الأدوار. وبالرغم من أن «س/س» لا تمنحه هذا الدور، فإنه، مع وليد جنبلاط، يحاول، وخصوصاً أن لا أحد في طول البلاد وعرضها مؤهل للعب هذا الدور منذ غياب الرئيس رفيق الحريري.
وفي هذا الإطار، يندرج طرحه تأليف اللجنة الوطنيّة لإلغاء الطائفيّة السياسيّة. فإضافة إلى ضمه هذا الطرح إلى السلاح الاستراتيجي، وتالياً، فتح المزاد عليه كلما قيل ببحث قضية السلاح والاستراتيجية الدفاعيين، هو، أي برّي، يريد خلط الأوراق وفرز القوى. إذ يستخف بعقله كلُّ من يعتقد أن بري يطرح بضاعة يعرف أن لا سوق لها. لذا، يمكن منطقياً الاستنتاج أنه يريد استفزاز عون... وإحراجه. وهذه متعة في ذاتها عند بري، ولا يزعجه أن يُستفز جعجع وربما سليمان فرنجية، ومع هؤلاء البطريرك نصر الله صفير.
وبما أن الغاية ما زالت نفسها، أكمل بري طريقه واعتمد السيناريو ذاته، حين عرض مشاركته في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري شرط جعلها وطنية جامعة. الفارق هذه المرّة، أن عنوان رسالة الاستفزاز هو معراب وجعجع ومعه فارس سعيد... وفارس بويز إذا شاء.
نعم، يريد نبيه بري تظهير فارق ما بين سعد الحريري الذي زار سوريا ويترجم معادلة «س/س» و14 آذار وشعاراتها التي ما زال يكررها جعجع والأمانة العامة.
لكن السؤال هل يريد سعد الحريري ذلك؟ الجواب سلبي، بالرغم من أن فكرة وطنية ذكرى اغتيال رفيق الحريري تدغدغ رئيس الحكومة الحالي وهي توافق المرحلة ومن قاموس «س/س». فسعد الحريري لا يجد افتراقاً عن جعجع الذي يتمسّك بشعارات 14 آذار ويبلورها، ويمفهمها ويمثّل ما يمثّله مسيحياً، فهو الطريق إلى بكركي التي يفوق تعبيدها قدرات داوود الصايغ (مستشار الرئيس الحريري) وحتى منصور غانم البون.
عليه، تبدو مهمّة بري صعبة، لا سيما مع غياب المبررات القوية لافتراق الحريري عن جعجع، ومع الضبابيّة التي تلف زيارة وليد جنبلاط إلى دمشق، ومع اتساع الهوّة بينه (بري) وبين عون الغارق في مزايدة شعبوية مع جعجع «دفاعاً عن مصالح المسيحيين»، إلى حد يعكّر صفو تفاهمه مع حزب الله الذي يستخدم هذه الأيام ما أمكنه من الصبر وعينه على الحدود الجنوبية.
ماذا سيفعل بري لتحقيق غايته، وهل يساعده جنبلاط؟ لننتظر 14 شباط.