أفاد تقرير «هدر الإنسانية» الذي أعدّه المركز السوري لبحوث السياسات بالتعاون مع الأمم المتحدة في عام 2014، أن معدّل الالتحاق بالتعليم الأساسي تراجع نتيجة النزاع المسلح وانهيار الأوضاع الاقتصادية من المرتبة 21 من بين 136 بلداً عام 2010 إلى المرتبة 135 من بين 136 بلداً في عام 2013. ويشدد التقرير على أن «تدهور التعليم من شأنه أن يترك أثراً سلبياً كبيراً على جودة رأس المال البشري الذي يشكل بدوره أحد المصادر الرئيسة للتنمية البشرية والنمو الاقتصادي».
ووفق تقديرات الأمم المتحدة فإن الحرب أخرجت أكثر من خمسة آلاف مدرسة عن الخدمة، وتسببت بتشريد مليوني طفل، وإخراجهم من مقاعد الدراسة». ووفق تقرير أصدرته «يونيسف» فإن 2.4 مليون طفل سوري خارج المدارس. أما الأرقام الصادرة عن وزارة التربية فإنها تؤكد تراجع عدد الطلاب الملتحقين بالتعليم بنحو 300 ألف طالب، مقارنة بعام 2014 الذي التحق فيه نحو 4.3 مليون طفل. من جانب آخر أقامت «جبهة النصرة» و«داعش» في مناطق سيطرتهما أعداداً كبيراً من الصفوف التعليمية التي تدرَّس فيها «تعاليم دينية متشددة»، إضافة إلى دعم نشاط المساجد والشيوخ لتلقين الأطفال التعاليم الدينية وإلحاق أعداد منهم بمعسكرات تدريبية تشرف عليها الفصائل المتشددة وتموِّلها جمعيات خليجية. ولا تختلف ممارسات باقي الفصائل الجهادية الإسلامية عن ممارسات «داعش» و«جبهة النصرة».

الحرب في سوريا أدت إلى
ارتفاع معدل البطالة إلى 54.3%،
أي إلى 3.39 ملايين شخص


ويفيد التقرير ذاته، بأن «سوريا أصبحت بلداً من الفقراء، إذ أصبح ثلاثة أشخاص من كل أربعة فقراء مع نهاية عام 2013، كما أن 20 في المئة من إجمالي السكان لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية، ويزداد الوضع سوءاً في المناطق المحاصرة والساخنة». وبحسب التقرير الذي أُعدّ بالتعاون مع «الأونروا»، فإن الحرب في سوريا، أدت لارتفاع معدل البطالة إلى 54.3%، أي أن 3.39 مليون شخص هم عاطلون من العمل، منهم 2.67 مليون فقدوا عملهم خلال الأزمة، الأمر الذي أدّى إلى فقدان المصدر الرئيس لدخل 11.03 مليون شخص يتوزعون بنسب متفاوتة بين المحافظات. من جانب آخر صرّح رئيس مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك السيد عدنان دخاخني أن الأسرة المكونة من خمسة أشخاص، تحتاج إلى تأمين الحد أدنى من معيشتها اليومية إلى 175 ألف ليرة، ويرى أن «الفترة الحالية شهدت ارتفاع أسعار الدواء، والكهرباء، والبنزين، والمازوت، إضافة إلى ارتفاع سعر الصرف، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الكثير من المنتجات».
إن مقارنة متوسط دخل الأسرة السورية الذي يقدَّره بعض الخبراء بحوالى 30 ألف ليرة سورية مع الحد الأدنى لحاجة الأسرة المكونة من خمسة أشخاص والذي قدّره السيد عدنان دخاخني بـ 175 ألف ليرة سورية يتضح أن أكثر من 93% من السوريين لا يمكنهم تأمين الحد الأدنى من حاجاتهم الأساسية. وهذا يعني أن الأسرة أصبحت تفتقد إلى الأمن الغذائي الذي أطاح به الصراع والسياسات الحكومية الجائرة، ويتزامن ذلك مع تزايد أعداد مجموعات الناهبين والقتلة الذين يتحكمون بأرواح السوريين وأرزاقهم.
في السياق ذاته يشكّل شهر أيلول من كل عام مصدر رعب، إذ يضطر السوريون إلى توفير مبالغ كبيرة لتغطية تكاليف احتياجاتهم الضرورية التي تبدأ من تحضير أطفالهم للمدارس. فالأسرة تحتاج وسطياً في بداية العام الدراسي إلى حوالى خمسة وعشرين ألف ليرة لكل طالب. أي أن الأسرة المكونة من خمسة أشخاص ولديها ثلاث طلاب، تحتاج تقريباً إلى 75 ألف ليرة سورية، أما تكاليف حاجتها من مازوت التدفئة فإنه يقدَّر وسطياً بـ 80 ألف ليرة سورية. ناهيك عن تكاليف مؤن الشتاء التي تتجاوز قيمتها 150 ألف ليرة سورية. وهذا يعني أنها تحتاج إلى ما يقارب دخل عامل في مؤسسات الدولة لمدة عام تقريباً. ولكون الأسرة عاجزة عن تأمين ذلك فإنها ستعاني من الجوع والبرد والمرض والجهل. ويزيد من أزمة المواطن السوري السياسات المالية والاقتصادية التحريرية التي خرجت عن كل السياقات العقلانية والإنسانية، كونها أصبحت تُعبّر بشكل صريح عن مصالح التجَّار والمتنفذين، وتتقلص أعداد هؤلاء بشكل مطَّرد مع ازدياد حدة الاحتكار وتمركز الثروة. فأسعار المواد الأساسية ومنها الغذائية ارتفعت بمعدل 10 أضعاف عن عام 2011. بالنسبة لسعر ليتر المازوت الرسمي فإنه يوزع للمستهلك بـ 135 ليرة، أما سعره في السوق السوداء حالياً في المناطق المستقرة بحدود 200 ليرة، ومن المعلوم أنه تجاوز في الشتاء الماضي 300 ليرة، ولن يكون سعره في الشتاء المقبل أقل من ذلك نتيجة انخفاض الإنتاج النفطي وخروج معظم حقول النفط عن سيطرة الحكومة وتزايد أعداد تجار الأزمة. أما سعر ليتر البنزين الرسمي فيقدَّر بـ 165 ليرة، في وقت يصل سعره نتيجة تلاعب أصحاب محطات الوقود إلى حوالى 200 ليرة. أما سعره في السوق السوداء فإنه يتراوح بين الـ 300 ـ 400 ليرة. بالنسبة إلى أسطوانة الغاز المنزلي فإن مؤسسة «سادكوب» حددت سعرها بـ1750 ليرة، ويتضاعف سعرها في السوق السوداء نتيجة فساد اللجان المشرفة على التوزيع، وانخفاض الكميات التي توزعها المؤسسة نتيجة خروج عدد من حقول الغاز عن سيطرة الحكومة. أما في ما يخص ارتفاع عدد ساعات تقنين الكهرباء ورفع سعر الكيلو واط التجاري، وتعديل سعر شرائح الاستهلاك المنزلي، فإنه يتعلق بشكل مباشر بعدم توفّر حوامل الطاقة اللازمة لمحطات التوليد، ويرتبط مع ذلك بشكل مباشر بمعدل ضخ المياه، إذ ان سكان عدد كبير من المناطق التي ما زالت في كنف الحكومة لا تصلها مياه الشرب سوى مرتين في الشهر، ما يضطرهم إلى شراء المياه، ويتراوح سعر المتر المكعب الواحد بين 700 و1000 ليرة سورية.
وفي ما يتعلق بسعر الأدوية فقد تم رفعه بنسبة 57 في المئة. ويتزامن ما عرضناه مع ثبات الأجور. وساهم ذلك في فقدان المواطن السوري مقومات الحياة الطبيعة، ووضعه أمام مخاطر تهدد بشكل مباشر استمرار حياته. وكان لذلك دور كبير في ازدياد أعداد المهاجرين إضافة إلى الحرب التي ساهمت في ازدياد أعداد المجموعات المسلحة وانتشار التطرف والعنف والنهب.
في السياق، فإنَّ هجرة الكوادر العلمية، ستُفضي إلى تفريغ المجتمع السوري من طاقاته الشبابية، ووفقاً لمصادر إعلامية غربية فإن 78% من أعداد المهاجرين، يحملون شهادات أكاديمية، وستكون لذلك انعكاسات كارثية على مستقبل التنمية البشرية والاقتصادية. ويستفيد من هذه الأوضاع حكومات دول غربية تشتغل على توظيف المهاجرين لتأمين يد عاملة رخيصة، ولتغطية حاجتها من الكوادر المؤهلة علمياً، وأيضاً لمعالجة أزمة الشيخوخة نتيجة ارتفاع متوسط العمر، وانخفاض نسبة الولادات، وللتعويض عن المسنين المحالين إلى التقاعد. وتتوقع مؤسسة «بروغنوس» أن القطاعات الاقتصادية الألمانية تعاني نقصاً في اليد العاملة يُقَدّر بـ 1,8 مليون شخص في عام 2020، و3,9 مليون اعتباراً من عام 2040. هذا في وقت اعتبر حاكم البنك المركزي الفرنسي، في اجتماع مجموعة العشرين الأخير، أن «موجة اللجوء ستنعكس إيجابياً على الثقة والمناخ الاقتصادي، وربما على الماليات العامة في المدى المباشر، وأيضاً يمكن أن تشكل على الأمد المتوسط عامل تعزيز لإمكانيات النمو». وهذا يجعلنا نؤكد أن ترحيب حكومات غربية بالمهاجرين يشكّل استجابة صريحة لفائض الرساميل الباحثة عن آليات جديدة لتوسيع دوائر الاستثمار لتحقيق أعلى معدل من الربح، وذلك يحتاج بدوره إلى عمّال لا يمتلكون سوى خيار بيع قوة عملهم بأبخس الأجور... وهذا يحققه تدفق اللاجئين إلى أسواق العمل الأوروبية.
* كاتب وباحث سوري