خالد صاغيةإذا كان للانتخابات النيابية الأخيرة من معنى، فهو سقوط مشروع أحادية الزعامة داخل الطائفة المسيحيّة. ارتفع عدد نوّاب تكتّل التغيير والإصلاح، لكن ليس بالقدر الكافي لاحتكار التمثيل المسيحي. وانخفضت نسبة التأييد الشعبي للتيّار الوطني الحرّ، لكن ليس بالقدر الكافي لتهميشه.
وإذا كانت 8 آذار قد خسرت الانتخابات، فإنّ خسارتها ترافقت مع تحوّلات جعلت من 14 آذار حركةً سياسيّةً «مع وقف التنفيذ». ثمّة من التقط اللحظة وغادر المركب.
بات، إذاً، بإمكان المصالحات المسيحيّة المؤجَّلة أن تنطلق، تلك التي كانت لتصبح من دون معنى لو فرض ميشال عون نفسه زعيماً أوحد للمسيحيّين، أو لو تمكّن منافسوه من هزيمته في جبل لبنان.
قبل ذلك، كان المسيحيّون قد انخرطوا بحماسة في لعبة تخويف بعضهم بعضاً من سائر المواطنين. فعلى عكس ما بدا، لم يحلّ الانقسام السنّي ـــــ الشيعي مكان الانقسام المسيحي ـــــ المسلم، وإنّما أتاح الأوّل للثاني أن يتّخذ أشكالاً أخرى.
فقد رفع قسم من المسيحيّين فزّاعة السلفيّة والاستئثار بالسلطة، محاولاً إقناع أبناء الطوائف المسيحيّة بأنّ ثمّة عدوّاً يتربّص بهم في الداخل: إنّهم السنّة بقيادة سعد الدين. صادروا صلاحيّات رئيس الجمهوريّة، يريدون توطين الفلسطينيّين لإغراقنا ديموغرافياً، كما بنوا قلاعاً أصوليّة يستدعونها عند الحاجة.
وفي المقابل، رفع قسم ثانٍ فزّاعة السلاح والتشادور، محاولاً هو الآخر إقناع أبناء الطوائف المسيحيّة بأنّ ثمّة عدوّاً يتربّص بهم في الداخل: إنّهم الشيعة بقيادة نصر اللّه. يدّعون محاربة إسرائيل، لكنّهم في لحظة ما سيوجّهون بندقيّتهم إلينا. وعلى أيّ حال، يبقى سلاحهم أقلّ خطراً من تخلّفهم. انظروا إليهم ماذا يفعلون بنسائهم. «التشادور» سيلغي تعدّدية لبنان ورسالته.
تلخّصت بطولة السياسيّين المسيحيّين بقدرتهم على إقناع أتباعهم بخطورة تصديق لعبة المواطنة. كأنّ لسان حالهم يقول «ما دمنا لم نتمكّن من تأديب المسلمين خلال الحرب الأهليّة، فلنستخدم نصفهم في تأديب النصف الآخر»!
البيان المشترك الذي صدر أمس بعد لقاء سليمان فرنجية وأمين الجميّل يشكّل بداية مرحلة جديدة. اكتشف الزعماء المسيحيّون مرّة أخرى خيبة رهاناتهم السابقة. يدعون اليوم إلى نبذ خلافاتهم لـ«تأسيس حالة مسيحيّة تتخطّى الاصطفافات الحالية». حالة قد تحتاج إلى إعادة استحضار الخارج، أعداءً وحلفاء. فلا بأس من إعادة اكتشاف عدوّ قديم جديد: الفلسطينيّون مثلاً. فليركّز البيان إذاً على منع التوطين وتملّك الأجانب. ولا بأس من إعادة اكتشاف حليف قديم جديد. فلنستمع إذاً إلى وليد المعلّم وهو يعلن أنّ سوريا قلبها كبير.