فلسطينيّون ويهود يجمعون على موت «معسكر السلام»
وهيب معلوف
لم يعد هناك وجود لـ«معسكر سلام» فاعل يؤمن بالتقدم التدريجي نحو دولة فلسطينية مستقلة. من هذه الخلاصة ينطلق المساهمون في هذه المجموعة من المقالات ليركّزوا اهتمامهم على حل الدولة الواحدة للنزاع الإسرائيلي ــ الفلسطيني (أكانت دولة ثنائية القومية أم دولة علمانية ديموقراطية تساوي بين الفلسطينيين واليهود).
يرى محرّر الكتاب جميل هلال أن الأحادية الإسرائيلية، والضم الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية، وجدار الفصل في الضفة الغربية، كلها عوامل تؤدي إلى إقامة نظام «أبارتهايد» (فصل عنصري) ينمّي حالات من «التطهير الإثني». وهذه الحالات مجسّدة في المعدّلات المرتفعة للبطالة والفقر والركود الاقتصادي، والحصار الذي يقيّد حرية تنقّل الأفراد والسلع، وهي كلها حالات تدفع الناس إلى السعي وراء الهجرة.
من هذه الخلفية، يرى هلال أنّ الفلسطينيين يواجهون اليوم مرحلة حاسمة في مواجهتهم للاستيطان الإسرائيلي. فهم لا يمكنهم، بأي حال من الأحوال، القبول بدولة ليست أكثر من «بانتوستان» (نسبة إلى معازل الفصل العنصري وفق نموذج «الأبارتهايد» الجنوب أفريقي) ــ تحت الهيمنة الإسرائيلية الدائمة ـ على ما يقارب 12 في المئة من فلسطين التاريخية، ولا بإلغاء حقّهم في العودة إلى أراضيهم، ولا بغير القدس عاصمة لهم. وبمجرّد القبول بـ«دولة مؤقّتة»، يعني أنّ القضية الفلسطينية قد خسرت وجهها الاستعماري وتحوّلت إلى مجرد نزاع حدودي. من المستبعد أن تقبل إسرائيل بدولة فلسطينية كاملة السيادة كما تصوّرتها منظمة التحرير، ما دام ميزان القوى (المحلي، الإقليمي والدولي) باقياً كما هو عليه. وبالنظر إلى انسداد الأفق في الوضع الحالي، يعتقد هلال أنّه «على الحركة الفلسطينية أن تصوغ طرحاً مفصّلاً لدولة ثنائية القومية، وتبدأ بالترويج لفكرة كهذه بين الفلسطينيين، وبالأخص ضمن الإسرائيليين».
من جهته، يرى المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي أن الوقت لم يحن بعد لتفصيل طبيعة البنية السياسية التي ستحل محل حلّ الدولتين، ونموذجَي الدولة العلمانية والدولة الثنائية القومية اللتين سوف تتنافسان ضمن النقاش النظري بشأن الموضوع. إلّا أنّه يدعو إلى السير قدماً عبر الاستمرار بتوسيع نطاق مفهوم الدولة الواحدة بما هو الحل المنطقي الوحيد الذي يمكنه منح حقوق متساوية للأقلية الفلسطينية في إسرائيل، وضمان حلول عادلة لمسألتي حق العودة والقدس.
وهنا يلفت المؤرخ النظر إلى ضرورة بذل جهد كبير على المستوى النظري، مقترحاً البدء بجهد تأريخي مشترك يسعى إلى إعادة بناء الماضي على نحو «طبقي»، ما يسهم بدوره في «إنتاج مواقف أكثر تأملاً وإنسانوية حيال عذابات أولئك الذين كانوا ضحايا بني الشر» في أرض النزاع الإسرائيلي ــ الفلسطيني. وتبقى مسألة تقويم إمكان الوصول إلى اللحظة التي سوف تتحوّل فيها هذه المقاربات النظرية إلى نماذج متحققة على الأرض، ولو حتماً على نحو غير مكتمل.
الأكثر إلحاحاً، إذاً، هو تفكيك السلطة السياسية الحالية المسيطرة على حياة سكان فلسطين الأصليين والمستقبليين والوافدين الجدد إليها. سلطة تتغذى من نظام دولي تحكمه مُثل ودوافع تسعى إلى ترسيخ الواقع الحالي عوضاً عن تغييره. ويحدّد بابي أربعة عوامل «متشابكة في علاقة جدلية» يمكنها، بمجملها، أن تؤثر في الواقع الحالي في فلسطين:
الأول هو السياسة الإسرائيلية المدعومة من قوى عالمية مثل المجمّع الصناعي ــ العسكري الأميركي، والمسيحيين المتصهينين ومجموعات الضغط المؤيدة للصهيونية.
الثاني هو الغضب المتنامي إزاء الواقع الحالي الفلسطيني في العالمين العربي والإسلامي. الثالث هو تغيّر أساسي في الرأي العام الغربي يتمثل في انخفاص نسبة الذين يظهرون تعاطفاً مع الموقف الإسرائيلي وتفهماً له في أوروبا وأميركا على حدّ سواء.
أمّا الرابع فهو «الظهور الحذر لمساحات من التعايش قائمة على أساس المساواة»، داخل مناطق في إسرائيل حيث يعيش الفلسطينيون واليهود بجوار بعضهم بعضاً، مثل الجليل.
* باحث لبناني


العنوان الأصلي
Where Now
?for Palestine

الكاتب
جميل هلال

الناشر
Zed Books