الموحّدون الدروز طائفة مستقلّة أم مذهب إسلامي؟
نبيل مقدم
كتاب الإمام الجعفر الصادق ومذهب الموحّدين الدروز هو محاولة جادّة وجريئة من الشيخ مرسل نصر لتحديد موقع الدروز داخل المجتمع الإسلامي والجماعة الإسلامية. فالموحّدون الذين أطلق عليهم خصومهم لقب «الدروز» نسبةً إلى نشتكين الدرزي، المرتدّ عن الدعوة ِفي أيّام الحاكم بأمر الله، يؤكّد الشيخ نصر، أنّهم مسلمون ينتمون إلى مذهب فقهيّ شأنهم شأن أصحاب سائر المذاهب الإسلامية الأخرى، وهم يؤمنون بالإسلام ديناً، وبالنبيّ محمد رسولاً، ويشهدون أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله ويقرّون بوجوب الصّلاة والصّيام والحجّ والجهاد والولاية التي يرون أنّها ركن إسلامي مهمّ، بل لعلّه أهمّ الأركان التي يقوم عليها الإسلام، بعد الشهادتين، ولذلك هم يقرّون بها حتّى إن البعض يقول أن لا إسلام من دون ولاية.
واللافت هنا أن الشيخ نصر لم يكتفِ بذكر النصوص العامّة، بل دخل بجرأة بتحديد واضح لموقف وممارسات الموحّدين الدروز من كلّ ركن من أركان الإسلام وإلى تبيان معالم الحلال والحرام، استناداً إلى الكتاب والسنّة النبوية الشريفة وروايات أئمة أهل البيت.
فضلاً عن ذلك، يتضمّن هذا الكتاب نبذة عن نشأة الموحّدين وتعريفاً بالإمام الصادق الذي هو حفيد الإمام علي بن الحسين زين العابدين، الذي ولدَ في المدينة المنوّرة في السابع عشر من ربيع الأوّل عام 83 من الهجرة النبويّة وتوفّي في الخامس والعشرين من شوّال عام 148 من الهجرة.
ويتطرّق الكتاب إلى معاناته في العهدين الأمويّ والعبّاسيّ وسلوكه مع الحكاّم في هذين العهدين. ويؤكّد نصر أن الإمام جعفر الصادق إضافةً إلى كونه أبا العلوم الحديثة والمرجع الأكبر لجميع الفقهاء ومعلّم جميع أصحاب المدارس الفكريّة الذين اشتهروا في العصر العباسي، فهو أيضاً الأب للمذاهب الشيعيّة الثلاثة: الاثني العشرية ومن ضمنها العلوية مع موسى الكاظم ابن جعفر الصادق والإسماعيلية والتوحيدية الدرزية مع إسماعيل بن جعفر الصادق.
كما أنّ لأقوال الإمام الصادق الأثر البالغ في نفوس الموحّدين، نظراً لتضمينها في مواعظهم وفي إرشادهم الدينيّ.
كما أن الشيخ نصر في كتابه هذا، يدخل في إطار ما تبيّن من وجود نزعتين تصارعتا داخل الطائفة الدّرزية منذ عقود وقرون، إحداهما ترى أنّ الطائفة الدّرزية طائفة إسلامية مثل الطوائف الأخرى ضمن الدين الإسلاميّ مثل الشيعة الاثنى العشرية، والإسماعيلية وغيرهما من الفرق، وثانيتهما ترى أن الطائفة الدرزية طائفة قائمة بذاتها، أيّ أنها على مسافة من الطّائفتين المسيحية والإسلامية باعتبارها تأثّرت فلسفياً بما هو أوسع من محيطها الإسلاميّ وانفتحت على ثقافات متوسطيّة وهنديّة قديمة. وهو هنا، بعد قراءة متأنّية للفكر التوحيدي، يحسم المسألة لمصلحة الخيار الأول مورداً شواهد وقرائن تاريخية وذلك وفق منهجية واضحة وفي إطار تبيان الجذور التاريخية والدينية للموحّدين الدروز.
خلاصة القول إن هذا الكتاب هو مجموعة عناوين أساسية، تستحقّ أن تكون موادّ مفصلية لحوار إسلاميّ ــ إسلاميّ هادئ بعيداً عن المجاملات والمسايرات، وبعيداً عن الاتهامات القاسية.
كذلك فإنّ طرح هذه العناوين ليس من باب التّرف الفكريّ أوّ الثقافيّ الذي يتغنّى به بعض المثقّفين والمنظّرين، بل يدخل اليوم في سياق صميم معالجة الواقع الدينيّ والثقافيّ المشحون بالتنازعات المذهبيّة الحادّة والخلافات المعقّدة انطلاقاً من الخلفيّات التّاريخيّة، وبفعل بعض التّراكمات السياسيّة والدّينيّة التي أصبحت مادّة دسمة بيد أعداء الأمّة الذين ينفخون الأحقاد ويضخّمون الخلافات الاجتهاديّة، ويصوّرونها كأنّها الخطر الدّاهم للمذهب وللطّائفة، وذلك من أجل تفتيت عُرى الوحدة والتّفاهم بينهم.
الشيخ مرسل نصر في هذا الكتاب، يفتّش عن جوامع مشتركة تساعد على لمّ الشّمل ومقاومة التّصدّع القوميّ والدينيّ في الأمّة، انطلاقاً من أنّ جميع الأديان والمذاهب مظاهر مختلفة لحقيقة واحدة.
* كاتب لبناني


العنوان الأصلي
الإمام الجعفر الصادق ومذهب الموحّدين

الكاتب
الشيخ مرسل نصر

الناشر
دار ومكتبة الإرشاد