علي شهاب *مثّل النقص في الجانب الإسرائيلي في المعطيات الاستخبارية بشأن حزب الله إحدى الثغرات الرئيسية التي رسمت نتيجة حرب تموز 2006.
وقد استندت النظرية الأمنية الإسرائيلية طوال ستين عاماً، إلى ثلاث مداميك أساسية:
ـــ الردع: أي إنّ المصلحة الإسرائيلية هي في الحفاظ على الوضع الراهن. ويكون تحقيقه، إلى حدّ كبير، نتيجة الشكل الردعي الإسرائيلي، أي الشكل الذي يرى فيه الخصم قدرة إسرائيل على تنفيذ تهديدها العسكري وعزمها على القيام بذلك.
ـــ الإنذار الاستخباري الاستراتيجي: ويفعّل إذا فشل الردع. يُمهّد لهذا المستوى باستدعاء الاحتياط.
ـــ الحسم: أي العمل بالقوة العسكرية من أجل القضاء على الخصم ومعاقبته بواسطة احتلال الأرض، وتكبيده خسائر فادحة، بهدف إنهاء الحرب بسرعة، أو إعادة «شحن بطاريات» الردع التي فرغت.
البروفسور أوري بار جوزف، المحاضر في العلوم السياسية في جامعة حيفا، تناول عناصر «النظرية الأمنية الإسرائيلية» المذكورة في تقرير بحثي استهلّه بالقول إنّ «كل عنصر من عناصر النظرية الأمنية الإسرائيلية يهدف إلى التغطية على إخفاق العنصر الآخر».
لذلك، في كلّ حرب من حروب إسرائيل، من الممكن الإشارة إلى انتصار كامل أو جزئي، لعنصر واحد أو اثنين، إضافة إلى فشل بقية العناصر. فعلى سبيل المثال، عشية حرب الأيام الستة، فشل الردع جزئياً لأنّ (الرئيس المصري الراحل) جمال عبد الناصر تجاوز كل الخطوط الحمراء الإسرائيلية، على الرغم من أنّه امتنع عن المبادرة إلى الحرب. كما أنّ الاستخبارات فشلت جزئياً لأنها إلى حين دخول الجيش المصري إلى سيناء، لم تشرْ إلى وجود مبادرة مصرية لخلق أزمة شديدة. وقبل ساعات على إغلاق مصر للقناة، كانت الاستخبارات الإسرائيلية لا تزال تصر على أنّ عبد الناصر لن يغلقها. ومع كل ذلك، فقد حدّدت شعبة الاستخبارات أيضاً، في مرحلة لاحقة من الأزمة، أنّه يجب التعاطي مع الخطوات المصرية كما لو أنها خطوات حرب. وفي عام 1967 غطّى الحسم بشكل كامل كل إخفاقات الردع والإنذار».
في المقابل، واجه عنصر الردع الإسرائيلي اختباراً من نوع آخر في لبنان في عام 1982، ذلك أنه «طوال عام جرى تحذير منظمة التحرير أن أي استفزاز على الحدود سيؤدي إلى رد إسرائيلي. الإنذار الاستراتيجي كان غير ذي صلة، لأنّ إسرائيل هي من بادر إلى الحرب، والحسم فشل إلى حدّ كبير لأنّ تصفية القوة العسكرية الفلسطينية لم تضع حدّاً للمشكلات الأمنية على الحدود الشمالية، وأدى إلى نشوء تهديد حزب الله».
أمّا حرب تموز 2006، فكانت «فريدة بمفهوم معين؛ لأنّ مقياس الربح والفشل لكلّ واحد من العناصر الثلاثة الأساسية في النظرية الأمنية، لم يبرز بشكل واضح، لذلك يمكن أن نحدّد أن سياسات الردع فشلت، لكن لم تتحطّم بالمطلَق، كما يمكن وصف نهاية الحرب بأنها انتصار إسرائيلي بالنقاط».
ويوضح التقرير أنّه، «صحيح أن الاستخبارات قدّمت إنذاراً استراتيجياً عن توجه حزب اللّه الذي أدّى إلى اندلاع المواجهات، وزُودت بمعلومات نوعية مكّنت من القيام بعمليات ضرب ناجحة لمنظومات حزب الله الصاروخية الثقيلة، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً في اختبار تزويد المعلومات التنفيذية، بشكل خاص للوحدات البرية».
الردع
«فشل الردع الإسرائيلي في تموز 2006 ليس ناتجاً من نقص في المعلومات عن نوايا حزب الله للقيام بعملية خطف جنود من الجيش الإسرائيلي، إذ إن هذه النوايا كانت معروفة جيداً». وبحسب البروفسور الإسرائيلي، فإنّ «محاولة فاشلة لخطف جنود إسرائيليين جرت في شهر تشرين الثاني 2005 في قرية الغجر، تبعتها محاولة أخرى في أيار 2006 في المكان نفسه الذي نُصب فيه كمين الثاني عشر من شهر تموز»، غير أنّ العملية لم تنفَّذ «بسبب إنذار استخباري رفع في أعقابه الجيش الإسرائيلي حالة الاستنفار في المكان».
حاول حزب الله أسر جنود إسرائيليين 5 مرات في تسعة أشهر: «المسألة كانت واضحة قبل وقت طويل» بأن الحزب قد اتخذ قراراً بتنفيذ العملية.
انطلاقاً من هذه النقطة، يطرح الكاتب الإسرائيلي السؤال التالي: «على فرض أنّ إسرائيل لم تنوِ شن حرب في صيف عام 2006، وأنّ متّخذي القرارات على المستوى المدني والعسكري لم يستطيعوا ضمان فشل كل محاولة خطف من جانب حزب اللّه، فلماذا لم يعملوا بشكل حازم للتوضيح لحزب الله أنّ أيّ عملية ناجحة من جانبه تُحطّم القيود وتؤدّي إلى مواجهة واسعة النطاق»، مع إقراره بأنّ الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله و«حلفاءه الكبار» في سوريا وإيران «لم يريدوا هذه الحرب»، لكن إخفاق الردع الإسرائيلي في التجربة مع حزب الله ناجم من «الوضع الذي نشأ على طول الحدود» بعد الانسحاب من جنوب لبنان في أيار 2000، علماً بأنه «حتى مطالبة الحزب باسترجاع مزارع شبعا لا تبرر الحرب».
حقيقة أنّ إسرائيل امتنعت عن التحديد بشكل جلي أن الاستفزازات الواضحة من جانب حزب الله التي «ستمثّل ذريعة للاستخدام المكثف للقوة ليست صدفة وليست ناتجة من عدم التفكير بالموضوع. وهو أمر غير ناجم عن كون حزب الله يرى نفسه لاعباً، لا دولة، وبالتالي من الصعب ردعه. العكس هو الصحيح، التقدير كان أنّ حزب الله، بخلاف المنظّمات الفلسطينية، هو منظّمة لديها صلاحيات ومسؤوليات، ولذلك تصرفاتها عقلانية ويمكن توقعها بشكل معقول».
أمّا الأسباب التي من أجلها امتنعت إسرائيل عن تهديد حزب الله بالقيام برد شديد فيمكن حصرها بأمرين:
ـــ مفهوم «الخطوط الحمراء» التي، عبر تعريفها الواضح، نجحت إسرائيل في تثبيت استقرار الوضع في العقد الواقع بين 1957 و 1967، إلى أن تآكلت هذه الخطوط «بعد حرب الأيام الستة، إلى حد اختفت نهائياً في السنوات العشرين الأخيرة».
ـــ إنّ متخذي القرارات في إسرائيل «لم يرغبوا في تكبيل أيديهم بتهديدات علنية كانوا سيضطرون إلى تنفيذها إذا جرى تجاوز الخطوط الحمراء، وهو أمر كان يضرّ في ازدهار الجليل الذي نما منذ صيف 2000»، عقب الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب.
وفقاً لذلك، الوضع الذي تكوّن بعد أيار عام 2000 «كان مريحاً نسبياً لحزب الله ولإسرائيل. وحقيقة أنّ الحرب اندلعت مع كلّ ذلك في وضع كهذا، وهي تشير إلى أن كل طرف فشل في رسم قواعد لعبته بشكل واضح بما يكفي للطرف الآخر الخصم. بهذا المعنى، وقعت الحرب من دون قصد. لكن كون إسرائيل هي الجانب المتفوق على المستوى العسكري، وبالتالي تملك قرار البدء بالحرب، فإن الفشل يُلقى على عاتقها».
في خلاصة هذه الفقرة، إنّ إسرائيل، بامتناعها عن الرد على محاولات الأسر التي نفذها حزب الله، خلقت الظروف التي بدا فيها لـ(السيد حسن) نصر الله والمحيطين به أنها ستمتنع عن ردّ كهذا حتى على عملية خطف. خطأ نصر الله كان أنّه لم يدرك أن القيادة المدنية العديمة الخبرة من المحتمل أن تردّ بشكل أشدّ من القيادة المتمرسة في الشؤون العسكرية.

الاستخبارات

من اللحظة التي بدأت فيها التصدّعات الأولى بالظهور في إدارة حرب تموز، «بدأت تصدر ادعاءات تتحدّث عن أن مصدر الإهمال هو الاستخبارات. كلما زاد عدم الارتياح من الأسلوب الذي أديرت فيه الحرب، زادت أيضاً الانتقادات على الاستخبارات. وبذلك ظهرت أيضاً المقارنة الحتمية لإهمال الاستخبارات في عام 1973. والمؤرخون الذين يبلورون الرأي العام في إسرائيل أسرعوا إلى الإعلان أن إهمال الاستخبارات في هذه الحرب يتجاوز الإهمال في تلك الحرب. هذا بالطبع هراء تام».
في هذا السياق، يوضح بار جوزف أنه «بسبب طابع العمل السري للاستخبارات، فإن جزءاً بارزاً من مساهمتها في بلورة وجه الحرب سيبقى مغلقاً أمام الجمهور لفترة طويلة. ومع ذلك، يمكن الآن تحديد ميزان الإنجازات والإخفاقات، الذي يشير إلى أنّه بخلاف الصورة التي تكوّنت لدى الجمهور بعد الحرب، فإنّ الميزان ليس بالضرورة سلبي».
في هذه النقطة، يسجّل بار جوزف لمصلحة شعبة الاستخبارات العسكرية «حقيقة إنذارها بشكل واضح بأن حزب الله يخطط لعملية خطف على الحدود الشمالية، على شاكلة عمليات الخطف التي فشلت في الأشهر التي سبقت الحرب. بهذا المفهوم، شعبة الاستخبارات نجحت في اختبار الإنذار الواقعي».
الاختبار الثاني الذي نجحت فيه شعبة الاستخبارات كان «الوصف الدقيق لشكل حرب حزب الله إذا اندلعت مواجهة واسعة. شعبة الاستخبارات تابعت بشكل منهجي بناء مخازن الصواريخ التابعة لحزب الله، وأشارت إلى الكميات التي تتجمع وأنواع الصواريخ، وقدّرت أنه، من دون عملية برية واسعة، يستطيع حزب الله أن يحافظ على أساس قدرته ضمن إطار إطلاق الصواريخ القصيرة المدى إلى أن ينتهي هذا المخزون أو حتى نهاية الحرب».
لكنّ «النجاحات» المزعومة لشعبة الاستخبارات العسكرية «لم تنعكس ميدانياً» لأسباب عديدة:
ـــ أولاً: كما ظهر من شهادات المقاتلين، من رتبة جندي حتى قادة الألوية والفرق، فإنه لم يكن لديهم أي فكرة إلى أين يدخلون وبأي اتجاه هم ذاهبون عندما بدأوا مواجهة المنظومة البرية المؤثرة التي بناها حزب الله.
ـــ ثانياً: مثّلت الصواريخ المضادّة للدروع التي استخدمها حزب الله أهمّ عائق أمام العملية البرية المعقَّدة. وقد تبين أن أغلب الإصابات البشرية وفي الآليات ناجمة من هذه الصواريخ.
ـــ ثالثاً: فشلت شعبة الاستخبارات في نقل المعلومات إلى القوات المقاتلة. هذا الفشل ناتج، إلى حدّ كبير، عن السرية العالية التي أُعطيت للوثائق المستخلصة في إطار البنية التحتية لحزب الله.
فعلى سبيل المثال، حددت وثيقة من 130 صفحة أصدرتها شعبة الاستخبارات، وصدرت في كانون الثاني 2006، بالصور والمخططات، منظومات التحصينات والكاتيوشا التابعة لحزب الله. لكن لأن الوثيقة صُنّفت ضمن «الدائرة المقلصة» (بسبب حساسية المصادر التي جاءت منها)، ولأن هذا التصنيف عال إلى حد أن القادة في الجيش الإسرائيلي غير مخوّلين الاطلاع عليه، لم يكن من الممكن على القوات المقاتلة استخدامه. يمكن الافتراض أنّه لو أبعدت شعبة الاستخبارات المصادر الحساسة جداً من هذه الوثائق لكانت تستطيع أن تصدر مواد أقل تصنيفاً للقوات المقاتلة».
ـــ رابعاً: فشلت شعبة الاستخبارات العسكرية أيضاً في دمج المعلومات التي تمتلكها مع القوات المقاتلة. صحيح أنها أعدّت منظومات استخبارية مرتبة كان ينبغي أن تبدأ العمل في الحرب، لكن كان يجب على التجربة أن تشير إلى أنه ليست لمنظومات كهذه، تتطلب الفطنة والمناورة والاستيعاب، قيمة فعلية مع بدء إطلاق النار. فعلى سبيل المثال، لو أنشأت شعبة الاستخبارات طواقم خاصة قبل الحرب، تفيد القوات المقاتلة بآخر المعلومات بشكل مستمر (سواء النظامية أو الاحتياطية) عن تركيبة المنظومة البرية التي أنشأها حزب الله، لكانت سَمِعت ادعاءات أقلّ ضدّها خلال الحرب وبعدها.
وفي النهاية، ملفات المعلومات التي أعدتها شعبة الاستخبارات لعملية برية كانت عملياً غير مستحدثة. وكما هو معروف، فإن الصور الجوية التي استخدمتها القوات البرية عمرها ثلاث سنوات، وذلك في جيش كان في ذروة التحوّل إلى آليات العمل الرقمية بهدف ضخ المعلومات في الوقت المناسب إلى جميع القيادات على الأرض.
ـــ خامساً: المستوى الخفيض الذي أظهرته القوات المقاتلة ساهم في تعزيز الفشل. طواقم الدبابات لم تعرف مواجهة الصواريخ المضادة للدبابات، مع أن حزب الله كان يستخدمها بوفرة، علماً بأن الجيش قد تدرب في مناوراته على هذا السيناريو. كما أن المستويات القيادية المختلفة لم تعرف إدارة المعارك كما ينبغي، حتى عندما كانت في حوزتها معلومات استخبارية جيدة
نسبياً.
في الخلاصة، أدّى الفشل في العناصر أعلاه إلى قصور في عمل شعبة الاستخبارات: «لم تُضف لبنك الأهداف، الذي كان قد امتلأ في الساعات الأولى للحرب، أهداف مهمة، لذلك هاجم سلاح الجو مرّة تلو الأخرى الأهداف نفسها أو أهدافاً أخرى تبين أن لا قيمة لها. والعملية البرية، التي كانت تهدف إلى حسم الحرب، لم تنجح بسبب الفشل المتواصل بوضع المعلومات الموجودة بحوزة من يحتاج إليها حقيقة؛ أي المقاتلين في الميدان».

الحسم

هناك مفاهيم مختلفة لمصطلح الحسم. في معرض النزاع العربي الإسرائيلي، كان مفهوم الحسم يعني «الإبقاء على الخصم من دون خيار عسكري فعلي».
تُظهر التجربة أنّه منذ عام 1967 «عانت إسرائيل فشلاً متواصلاً للحسم إزاء خصومها بشكل واضح. حرب الاستنزاف انتهت عندما كان الطرفان مستنزفين، حرب يوم الغفران انتهت بانتصار بالنقاط على الجبهة السورية وخيار الحسم على الجبهة المصرية. حرب لبنان انتهت بانسحاب إسرائيلي من لبنان من دون أن تحقّق جميع أهداف الحرب بكاملها، والانتفاضتان الفلسطينيتان انتهتا باستنزاف متبادل، حيث يعكس استمرار إطلاق صواريخ القسّام من قطاع غزة عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على ضمان وقف هذا الإطلاق المزعج».
بالنسبة للجبهة مع حزب الله، فإن الحسم، أي إبقاء الحزب من دون خيار عسكري فعلي، «يوجب القضاء الكامل على منظومة الصواريخ التي بناها. المؤسسة العسكرية الإسرائيلية كانت تعلم جيداًَ أنّه لا يمكن تحقيق هذا الهدف بالوسائل الجوية فقط، وأنّ تحقيقه بالوسائل البرية يستلزم استخدام حشود كبيرة من القوات، بما فيها تجنيد كثيف للاحتياط».
وكما صار معروفاً، أوضحت المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية هذه المسألة للقيادة السياسية: «من المفترض أن يؤدّي تحقيق الحسم إلى تنفيذ الأهداف السياسية. المستوى السياسي لم يوضح لنفسه، عندما بدأ المواجهة، ما هي أهداف الحرب. الكلام العمومي، مثل تحطيم حزب الله أو تغيير الوقائع في لبنان أو تحسين قدرة ردع إسرائيل، ليس أهداف حرب بحدّ ذاته؛ بل تعبير عن تطلّعات ليست بالضرورة نتيجة مباشرة لتحقيق الحسم في المواجهة».
كذلك الأمر بالنسبة للجنديين الأسيرين، إذا «لم تستطع إسرائيل ضمان أنها ستنجح بتحقيق هذا الهدف، على أية حال، فإن دولة لا تخرج لحرب يمكن أن يقتل فيها مئات الجنود والمدنيين من أجل إعادة جنديين إلى الوطن. أمّا تجريد حزب الله من سلاحه فهو هدف من الصعب جداً تحقيقه. فقط الحسم القاطع، باحتلال أرض كبيرة من لبنان، وربما أيضاً مواجهات مع سوريا، كانت من الممكن ربما أن تحقق هذا الهدف».

المواجهة المقبلة

بناءً على كل ما تقدم، يظهر أن هدف الحرب الوحيد الذي يمكن أن يواجه إسرائيل هو «إزالة الوحدات القتالية التابعة لحزب الله من منطقة جنوب لبنان، قبل كل شيء من المنطقة الواقعة بين الليطاني والحدود الدولية، وسيطرة الجيش اللبناني على هذه الأرض».
على ضوء حقيقة أن جزءاً مهمّاً من منظومة صواريخ حزب الله منتشرة في المنطقة التي سعت إسرائيل إلى نزعها من السلاح، فقد «تمثّل تَناسباً مُعيّناً بين تحقيق الحسم في الحرب وتحقيق هدفها الأساسي، لكن مسألة كيفية تحقيق هذا الهدف تحوّلت إلى حجر العثرة الأساسي في خوضها. بالإضافة إلى الضربات الجوية لأهداف حزب الله، واجهت إسرائيل خيارين محتملين:
ـــ ضرب أهداف البنية التحتية في لبنان بهدف خلق ضغط على حكومة فؤاد السنيورة والمجتمع الدولي، وطلب وقف الحرب والاستجابة الإسرائيلية لهذا الطلب، في مقابل انتزاع حزب الله من الجنوب ونشر الجيش اللبناني في المنطقة.
ـــ احتلال الأرض بين الحدود والليطاني، وربما أيضاً أكثر من ذلك، وإخلاؤها، في مقابل التزام الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي بعدم السماح بالنشاطات العسكرية لحزب الله في هذه المنطقة.
أمام هذين الخيارين، وجدت إسرائيل نفسها أمام «معضلة استراتيجية: لا يمكن، من جهة، لاستخدام الضغط على لبنان أن يضمن إبعاد حزب الله عن جنوب لبنان. كما أن توجيه ضربات قاسية إلى البنية التحتية اللبنانية يُحتمل أن يخلق ضغطاً عربياً ودولياً لوقف النار من دون إبعاد حزب الله من الجنوب.
من جهة أخرى، يمثّل احتلال جنوب لبنان عبر القيام بعملية برية واسعة النطاق تحدّياً عسكرياً من الصعب تحقيقه، ذلك أنّ حزب الله استعد له لسنوات، ولأن الجيش النظامي والفرق الاحتياطية لم يكونا جاهزين كما يجب.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن توقع عملية كهذه الكثير من الخسائر. في معظم الأحيان، طوال الحرب، تحرّكت إسرائيل بين هذين المحورين. وعندما اقتربت نهايتها، فإنّ إعطاء الإذن بعملية برية واسعة كان مبهماً، لأنّ العملية نفسها أُديرت ونُفِّذَت بشكل رديء وغير مهني».
النتيجة النهائية كانت أنّ إسرائيل «فشلت مرة أخرى، مثل كل الحروب التي خاضتها منذ عام 1967، في تحقيق الحسم في المعركة. التعبير الواضح جداً عن ذلك كان في الـ250 صاروخاً التي أطلقها حزب الله على شمال إسرائيل في اليوم الأخير على الحرب.
يمكن الادعاء أن القرار الدولي رقم 1701 يعكس إنجازاً إسرائيلياً في الحرب، لكن عملياً الأمر ليس كذلك: القرار في جوهره نتاج التقاء مصالح بين إسرائيل والجهات المعارضة لحزب الله داخل لبنان وفي الشرق الأوسط والمجتمع الدولي».
إحدى العبر الأساسية التي ينبغي على إسرائيل أخذها من حرب تموز 2006، هي أنه «في المحيط الاستراتيجي المتكون الموجودة فيه، فإن استخدام الوسائل الدبلوماسية يمكن أن يعطي نتائج استراتيجية أفضل بكثير من استخدام القوة العسكرية وتحقيق الحسم العسكري».
* صحافي لبناني