دياب أبو جهجهكان بإمكانكم استقبال ساركوزي مع ما وجب من بروتوكول ولكن من دون هذه الهمروجة المهينة وهذه «الهرقة» السخيفة. إلا أنّ اللبناني غربي الهوى وكولونيالي الطموح وما علينا إلا أن نرى كيف تتعامل الجاليات اللبنانية في الخارج مع دولها المضيفة من خلال عقدة دونية تجاه الأوروبي وفوقية تجاه العربي الآخر وغاية في العنصرية تجاه الأفريقي لكي نفهم بأن اللا وعي اللبناني يجعله يطمح الى أن يشغل مكانة الذراع اليمنى للرجل الأبيض وأن يساعده على حمله التاريخي مقابل بعض كلمات يمنّ بها عليه من طراز «الشعب اللبناني شاطر»، و«التبولة لذيذة» و«المناخ عندكم رائع» وهي كافية لكي يطير اللبناني من الفرح امتناناً لهذه اللفتة الكريمة من السيد. أما في الغرب، فتصوّت الجاليات اللبنانية لأحزاب اليمين واليمين المتطرف لأنها تعاني مع سيدها الأوروبي «الحثالة» القادمة من عالم الفقر والعوز، التي تعكّر مطالبتها بحقوقها صفو الحياة في جنة الرجل الأبيض وتصعب على اللبناني عمله الريادي في التقاط فتات الخبز من تحت مائدة السيد.
هذا اللبناني صاحب ثقافة الحياة الفريدة من نوعها التي شاهدنا أهم تجلياتها في مجزرة حلبا مؤخراً وقبلها في حرب الجبل وصبرا وشاتيلا و«السبت الأسود» وحرب المخيمات إلى ما هنالك من مفارق تاريخية مشرّفة تصل إلى عام 1860 على الأقل، يشارك الرجل الأبيض المبدع أيضاً والمحب للحياة أيضاً باستثناء حياة أكثر من 40 مليون هندي أحمر و20 مليون كونغولي ومليون ونصف مليون جزائري واللائحة الاستثنائية تطول وتطول، يشاركه امتعاضه من سوء أخلاق المهمّشين والفقراء والمسحوقين في هذا العالم. اللبناني المنزعج من وجود الفلسطيني في بلده بينما يعتبر نفسه مضيافاً جداً لجميع أنواع السياحة «الأخلاقية» دائماً و«الثقافية» حتماً يحقّ له احتذاء مثل الأوروبي الذي ينزعج من وجود أبناء المستعمرات التي نهبها واستنزفها في بلاده فهو طامح إلى الارتقاء الحضاري إلى المستوى الأوروبي، وهو المستوى الذي يتطلّب بضع إبادات جماعية واستعمار بلدين على الأقل ونهب ثرواتهما.
عندما تلفّظ ساركوزي بكلمته الشهيرة «سوف نخلّصكم من هذه الحثالة» فتح طريقه إلى رئاسة الجمهورية وكسب قلب فرنسا العنصري الكبير. أما في لبنان، تلميذ فرنسا النجيب، فطريق الرئاسات أيضاً تمرّ من خلال التفنّن قي قمع وقتل و«الحثالة» والتمثيل بهم.

* كاتب لبناني