فايز فارسيفترض البعض أنّ المنضوين في حزب الله هم هواة حروب وقتل وترويع وترهيب وتسلّط و«شمولية»، بينما البعض الآخر يعتقد أنهم جماعة مؤمنة بقضية عادلة تتطلب منهم التضحية بالغالي، أي حياتهم، والرخيص، أي مالهم، من أجل تحقيق أهداف وغايات هذه القضية المحقّة العادلة.
كذلك يفترض البعض أنّ قيادات حزب الله تستغلّ معاناة «طائفة» من اللبنانيين وطاقاتها وقدراتها من أجل الوصول إلى تسلّم السلطة والاستئثار بمقاليد الحكم في لبنان. بينما يعتقد البعض الآخر أنّ قيادة حزب الله قد انخرطت في العمل السياسي وسعت إلى الفوز بمقاعد في مجلس النوّاب وحقائب في مجلس الوزراء تأكيداً لحقّها في المشاركة في وضع السياسات العامّة للحكومة وتطبيقها، وذلك بهدف المحافظة على ما حقّقته جماهير حزب اللّه من إنجازات لا يستهان بها وتضحيات لا يمكن أبداً التفريط بها. كذلك يعتقد البعض أنّ وجود سلاح حزب الله يتناقض مع سلاح مؤسّسات الشرعية اللبنانية من جيش وأجهزة أمن داخلي، بينما يعتقد البعض الآخر أنّ سلاح هذ الحزب النظامي هو سلاح توأم لسلاح الجيش اللبناني ومكمّل له، وخاصة أن هذا الجيش الوطني يفتقر، كما هو معروف، إلى تجهيزات وعتاد حربي لا يليق بأصغر جيوش العالم الحرّ ولا يمكّنه من تلبية النداء وأداء الدور المنوط به.
إنّ تقاعس الدولة اللبنانية، حتى لا نقول قلّة اهتمامها، عن حماية شعبها والذود عن حدودها وإهمالها الفاضح لإدارة شؤونها الداخلية وتركها المواطن اللبناني في حالة من الضعف والضياع في مواجهته لتحديّات العصر، أدّى بطبيعة الحال إلى ولادة تيارات فكرية ثورية ونشوء أحزاب عقائدية أخذت على عاتقها إيجاد الحلول البديلة والبحث عن الوسائل الكفيلة القادرة على التغيير والإصلاح، حتى لا نقول قلب الطاولة على رؤوس الجالسين حولها، خلال هذه العقود الماضية، هي لم تأتِ من العدم.
فلا عجب أن نرى اللبنانيّين موزّعين اليوم إلى فئتين تكادان تكونان متساويتين: الأولى ترى أنّها دفعت الأثمان الغالية لتجد نفسها في حالة دفاع عن كرامتها ووجودها، بينما الفئة الثانية لم تذق طعم الذلّ والهوان على يد معتدٍ غاصب ناهب منتهك لكل الحرمات، فاختارت التفرج و«الوقوف على الحياد» تطبيقاً لمبدأ جحا: لست قلقاً ما دمت أنا بخير. ولا عجب أيضاً أن نرى اللاعبين الكبار يحيط بهم جيش من المستفيدين يمعنون في استغلال هذا الانقسام الشعبي الحاد من أجل المحافظة على مواقعهم ومكاسبهم وامتيازاتهم وديمومة سلطتهم السياسيّة وغير السياسيّة.
إنّ لجوء الحكومة اللبنانية أخيراً إلى مؤسّسة الجيش وتكليفها بمهمة الاضطلاع بملف المواصلات السلكية الخاصة بحزب اللّه وإبداء الرأي واقتراح الحلّ المناسب، لهو أفضل دليل عملي على كفاءة هذه المؤسسة الوطنية الصامدة وصوابية دورها في حماية الوطن وصون وحدته. فلماذا لا تقوم هذه الحكومة العتيدة بتكليف قيادة الجيش اللبناني باستمرار، متابعة كل المسائل العالقة بين «الدولة» وحزب الله، فتضع تصوّرها لسياسة وطنية دفاعية شاملة تمنع كل التعديّات على المصالح العامة، وتحافظ على القدرات والطاقات التي توفّرها كل الجماعات المقاومة للعدو الإسرائيلي، وعلى رأسها مقاتلو حزب الله وسلاحهم؟