هلا الخطيبهي الشوارع ذاتها والأزقّة ذاتها. هو البحر ذاته بملامح حزينة. هي بيروت ذاتها بوجه شاحب. أعرفها عند ساعات الفجر الأولى. أعرف بحرها متثائباً، وبيوتها المستيقظة على عجل. أعرف زحمتها الخانقة عندما تسمع فيروز من السيارة المجاورة «يا قلبي لا تتعب قلبك»... أعرفها في ساعات المطر عندما تغتسل أرصفتها ويمشي عشّاقها تحت زخّات الجنون غير عابئين بالمظلّات. أعرفها عند المغيب ترمي بشمسها في عبّ البحر لتتزيّن وتستعد لليلها الصاخب. ترتدي بيروت كل ألوانها بانتظار القمر على مرأى من كل الناس غير مهتمة بأحكامهم... فهي بكل بساطة تعشق الاثنين ولا تخفي... لشمسها تحيا بيروت حدّ التطرف ولقمرها تسهر بيروت حدّ الثمالة... وأنا مسكونة ببيروت، مصابة ببيروت، بكلّ تفاصيل الحياة فيها بكلّ ألغازها وأسرارها المتوارية في طيّات كراسي المقاهي العتيقة. بحذائها الرياضي الذي تنتعله صباحاً لتركض أمام الزمن ويلحق بها من دون أن يبلغها بحذائها الليلي ذي الكعب العالي الذي تطرق فيه على مركز جاذبية الأرض وتوقظها لترقص معها على إيقاع العتم المضيء... بيروت اللكنات الكثيرة واللغات الغريبة. بيروت شباب الإيقاع السريع والمسنّون المثقفون ومختلسو النظر من خلف الجرائد في مقاهي الرصيف. بيروت باعة الورود والحياة في الأزقة والمتسوّلون الغريبو الأطوار الذين يشحذون منك البسمة ويحاورونك في أوضاع العالم... سكتت البارحة بيروت. نسيت أن تستيقظ... ضاعت بوصلة الزمن لديها في أيام رمادية الوقع!
صوت يلعلع وتصمت بيروت. رصاص اقتلعته من ذاكرتها يعود ويُشهر ذاته على قلبها.
هم؟ أنتم؟ نحن؟ ضمائر منفصلة جداً، متنافرة، متقاتلة...
ضمائر منفصلة عن الضمير الحيّ!