علي شهاب *تتداول مراكز بحثيّة إسرائيلية التغيير الحاصل في العقيدة القتالية للجيش السوري منذ حرب تموز 2006، إن على صعيد التدريب أو التشكيلات ونوعية الأسلحة المستوردة.
هذا التبدّل على الجبهة السورية رسم حركة الجيش الإسرائيلي في الآونة الأخيرة، وخاصة في مناوراته المكثّفة واستعداداته الميدانية. الكاتب الإسرائيلي الخبير في شؤون الشرق الأوسط زئيف ماؤور استعرض «التوجّه الاستراتيجي» الجديد في العقيدة العسكرية السورية في دراسة نشرها موقع «اوميديا»، استهلّها بالقول إنّ المناورات الأخيرة للجيش الإسرائيلي «تحاكي حرباً شاملة، بما في ذلك إنزالات من الجوّ»، مشيراً إلى التدريبات في «ميادين الرماية الواسعة في هضبة الجولان» باعتبارها جرت تحت مرأى الاستخبارات السورية؛ أي أنّ تل أبيب أرادت باختيارها هذا المكان إيصال «رسالة ردع» إلى دمشق.
في خلفية تنفيذ المناورة الإسرائيلية في الجولان، تقديرات بخصوص التغييرات الحاصلة على الجانب السوري للحدود، منذ حرب لبنان الثانية، وأيضاً في الجانب الإيراني، في ما يتعلق بدفاعات طهران إزاء أي هجوم جوي يهدف إلى تدمير منشآتها النووية.
ومنذ الصيف الماضي، يمكن ملاحظة كثافة الحشد في سلاح المدرعات السوري على الحدود مع إسرائيل.
وفي هذا السياق، تنقل شبكة «فوكس نيوز» تقارير تفيد أن السوريين بدأوا بدفع كتيبتين مدرّعتين نوعيتين في شهر آب الماضي إلى الأمام (نحو ستين دبابة من نوع تي ـ 80)، في خطوة يصعب على قادة الجيش الإسرائيلي «تقدير انعاكسات تموضعها بهذا الشكل عند
الحدود».
عملياً يشبه المشهد «عقبة مماثلة واجهتها إسرائيل في التقدير عشية اندلاع حرب يوم الغفران. من الصعب التوقّع إذا ما كانت ستحصل معركة إزاء سوريا، في أعقاب أو أثناء تحريك القوات، لكن بالتأكيد من المنطقي الافتراض، أن أحد أسباب حدوث مناورة الجيش الإسرائيلي خلفية هذا التغير» في الجانب السوري.
على بعد آلاف الكيلومترات، جرت في شهر شباط الماضي أيضاً مناورة استعراضية للحرس الثوري الإيراني.
هذه المناورة «وجّهت بشكل خاص رسالة إلى واشنطن التي تمتلك قواعد عسكرية في الخليج الفارسي. كما تتوجّه المناورات الإيرانية إلى الداخل. من هذا المنطلق، يجب ألّا نستبعد فرضية أن تكون المناورة التي نفّذها الجيش الإسرائيلي موجّهة أيضاً إلى طهران».
دمشق تتسلّح
«يبرز معطى هام جداً على المحور السوري ـ الإيراني؛ من خلال التسلح النوعي للجيش السوري». بحسب صحيفة «هآرتس»، «يخضع الجيش السوري منذ أشهر عديدة لعملية إعادة تأهيل بتمويل إيراني».
هذا التسلّح «لم يأتِ لتجديد منظومة المدرعات القديمة، أو سلاح الجو المضعضع. طبيعة التسلح السوري تشير إلى طابع ميدان المعركة في المستقبل، وإلى طبيعة الحرب المقبلة» بين دمشق وتل أبيب. ويتابع ماؤور أنّ «البحرية السورية راقبت الضرر الكبير الذي تكبّدته السفينة الحربية الإسرائيلية في حرب لبنان، كنتيجة لإطلاق حزب الله الصاروخ الصيني C-802 باتجاهها».
في أعقاب ذلك، تتسلّح البحرية السورية «بالمنظومة نفسها المعدّلة والمصنوعة في إيران». بكلمات أخرى، تتّجه سوريا نحو «تعزيز شاطئها ببطاريات من هذه الصواريخ، وبالتالي الدفاع في مقابل أي هجوم محتمل لإسرائيل من جهة البحر».
إضافةً إلى ذلك، «يجدّد الجيش السوري ترسانته المضادة للدروع. هنا أيضاً، من الممكن ملاحظة مماثلة تجربة حزب الله الناجحة في حرب لبنان. صواريخ كورنيت وميلان الروسية، سببت للجيش الإسرائيلي أضراراً كبيرة، سواء للمدرعات أو لسلاح المشاة. لذلك، يتسلّح السوريين بمئات الصواريخ من إنتاج مشابه».
الإطار الثالث في المشهد السوري هو الصواريخ الباليستية. «هذا الإطار يطوّره السوريين ذاتياً منذ عدة سنوات، في موازاة إيران، وليس بالضرورة بمساعدتها. فمن المعروف أنّ لدى السوريين ترسانة صواريخ كبيرة جداً، جُدِّدَت وحُسِّنت عقب حرب لبنان الثانية».
الصاروخ الأساسي في الترسانة السورية المعروف لدى الاستخبارات الإسرائيلية هو «أوراغن» (أي الإعصار باللغة الروسية)، وباسمه التقني «بي أم 220». هو نفسه الصاروخ «الذي خبرته المدن الإسرائيلية إبان حرب تموز، برأسه المتفجر الذي يحوي مئات الكرات الحديدية الصغيرة والقاتلة».
إلى ذلك، «كشفت حرب تموز عن وجود صاروخ إضافي لم يكن معروفاً لدى الاستخبارات الإسرائيلية، هو صاروخ عيار 305 ميلليمتر، أطلقه حزب الله مرة واحدة خلال الحرب باتجاه العفّولة». يضاف إلى ذلك، أن السوريين في الطليعة بكل ما يتعلق بالأسلحة الكيميائية.
ترك القتال التقليدي
«من يدرس الأطر التي تتسلح فيها سوريا، يلاحظ إهمال أغلب الأطر المتعلقة بالقتال التقليدي»؛ بهذه العبارة يستهل الكاتب الإسرائيلي الفقرة الثانية، مشيراً إلى أنّ دمشق «اختارت عدم صرف الأموال الإيرانية في تحديث آلاف الدبابات والمركبات القتالية والمروحيات والمقاتلات التي تسلَّمتها قبل سقوط الاتحاد السوفياتي».
بحسب الدراسة، فإنّ «ما تشتريه سوريا الآن، يمكن أن ننسبه كلّه إلى حرب غير تقليدية». بشكل أدق، الحديث
الآن «ليس عن أسلحة عادية أو بيولوجية أو كيميائية».
يوزع ماؤور التسلّح السوري على مستويات ثلاثة:
ـــ القتال التقليدي.
ـــ قتال أقلّ من تقليدي.
ـــ قتال أكثر من تقليدي.
المستوى الأخير هو «الذي يشمل الحرب بالأسلحة الذرية والبيولوجية والكيميائية والباليستية». أما القتال الأقل من تقليدي، فهو كناية عن «حرب عصابات نوعية». هذا بالتحديد هو خيار سوريا في مواجهة القدرات التقليدية للجيش الإسرائيلي.
على صعيد آخر، «تُرجمت إحدى عِبَر العالم العربي من حرب يوم الغفران بالمساعي إلى تطوير الصواريخ الباليستية. لهذا النوع من الوسائل القتالية تفوّق جوهري، إزاء القتال التقليدي».
في هذا السياق، يقلّل «الإطلاق من بعيد بشكل هام الاحتكاك بين الجيوش، ليصبح تفوّق الجيش الغربي بدون قيمة، عندما لا يكون في مواجهته عدوّ واضح».
عندما تطلق الصواريخ من نقاط مختلفة، «يصعب كثيراً ضربها. التعبير عن هذه الصعوبات كان في المساعي الضخمة التي بذلها الأميركيّون في اصطياد منصّات صواريخ سكود في حرب الخليج الأولى، لكن من دون نجاحات كثيرة. نجاح أكبر حقّقه سلاح الجوّ الإسرائيلي في الحرب الأخيرة على حزب الله أثناء محاولاته تحديد منصات إطلاق الصواريخ، لكنه فشل أيضاً في منع الإطلاق اليومي للصواريخ نحو أراضي إسرائيل».
العنصر الثالث الذي تحقّقه الحرب بالصواريخ «استراتيجي سياسي، ويتعلق أيضاً بالإطار النفسي للعبة الحرب. عندما تطلق دولة صاروخاً من أراضيها، فإنها تستدعي القيام بردٍّ شديد بالقدر نفسه على الأقل. هذا الوضع، يخلق عدم وضوح بخصوص مسألة، مَن مِن الصقور بدأ الحرب.
فعلى سبيل المثال، هناك من يقول إن إسرائيل هي من بدأت حرب لبنان الثانية، لأنها هي من غزت لبنان. في المقابل لم يغزُ حزب الله إسرائيل كقوة عسكرية، ولذلك لم يتحمل مسؤولية البدء بالحرب. إن عدم وضوح الصورة في الهجوم بالصواريخ (الباليستية)، يزيد من فُرص أن تتحوّل تفسيرات كهذه إلى أمر مقبول. وضع كهذا من المحتمل أن يزيد الإنجازات السياسية للدولة المهاجمة». بتعبير آخر، تملك سوريا تفوّقاً في هذا المجال.
جيش عصابات
«التسلّح المكثّف بالصواريخ المضادة للدبابات، ليس إلا استخلاصاً ناجعاً لعبر حرب لبنان الثانية. إزاء ذلك، نقطة ضعف الجيش الإسرائيلي كجيش نظامي لدولة، وعملياً لكلّ جيوش الغرب المتطوّرة، هي القتال غير المتكافئ».
وفقاً للدراسة، «يبدو أن سوريا تنوي إزالة أولويات الاستثمار في وحدات الجيش التقليدية عن الجدول، وبدلاً من ذلك تأهيل وحدات لحرب العصابات تكمن لقوات الجيش الإسرائيلي مع أسلحة ضدّ الدروع»؛ وهي بالمناسبة أسلحة تثبت فعّاليتها ضدّ قوات المشاة.
في هذا الخصوص، يجب التمييز «أنها المرة الأولى التي تُظهر فيها دولة سيادية (سوريا) علامات على اتّباع استراتيجية كهذه. حتى الآن، استخدمت جيوش الدول السيادية حرب العصابات فقط في مهمات خاصة».
وفي مقابل جيوش عادية، قاتلت وحدات عادية من الجيش. حتى الآن، المواجهة بواسطة حرب العصابات ضد جيش نظامي كانت من خصائص قتال المنظمات الإرهابية، التي تبتعد عن الوجود المسيطر الذي يقوم به الجيش الكلاسيكي».
ويختم ماؤور بالخلاصة التالية «إذا ما نفّذت سوريا بالفعل ما عُبِّر عنه بالزيادة الجديدة لترسانتها، فستكون هذه المرةَ الأولى التي تختار فيها دولة سيادية تأهيل جيشها باستراتيجية تشغيل قوات في حرب عصابات ضد جيش نظامي. هذا تهديد يجب على إسرائيل التأهّب إزاءه».
في الجيش السوري 400 ألف مقاتل. إذا كانت الحكومة السورية بالفعل تنوي تسليح جزء مهمّ منهم بصواريخ مضادة للدروع الروسية، فهذا لا يمثّل فقط تهديداً عادياً لإسرائيل. إذا ما ترافقت العملية بتبني استراتيجية ميليشيات المنظمات الإرهابية (أي بالاندماج بالسكان المدنيين)، فإنّ الأمر يتعلق بتغيير عميق في النظرية القتالية العالمية، وفي منطقتنا بشكل خاص».
توصية أخيرة لقيادة إسرائيل: «لنأمل، أنه في الغرف السرية لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وشُعَب التخطيط يجري العمل من أجل إيجاد ردّ على التغيّرات التي تنتشر أمام أعيننا في الجبهة السورية. من الأجدر، أن يكونوا في المؤسسة السياسية أيضاً يقظين لها وأن يعملوا على كبح التطورات السلبية في أعقابها».
* صحافي لبناني