فايز فارسقلّة الربح عند البعض هي خسارة، وبخاصة لدى المرابين وتجار الهيكل. بينما التقليل من الخسارة هو ربح عند البعض الآخر، وبخاصة لدى المؤمنين بأن القناعة كنز لا يفنى، وهو مبدأ اقتصادي اجتماعي، وبأن الدنيا دولاب، يوم لك ويوم عليك، والصبر مفتاح الفرج.
إنّ مجرد انعقاد القمة العربية بمن حضر، هو انتصار نوعي ومكسب معنوي لا يجب الاستهانة به، نظراً إلى الخلافات المتراكمة منذ عقود، والضغوط الهائلة التي تعرّضت لها كلّ الأنظمة السياسيّة القائمة في دولنا العربية. لذا، سمعنا البعض يقول إنّ ظروف انعقاد هذه القمّة تشبه إلى حدّ بعيد تلك الظروف التي واكبت انعقاد كلّ القمم التي سبقتها منذ 1947 حتى أيامنا السيئة التي نمرّ بها. كما أتحفنا البعض الآخر بقوله إنّها، أي قمّة دمشق، فشلت لأنها لم تجد حلاً مرضياً للأزمة اللبنانية «المفبركة» أساساً.
يبدو أن جامعة الدول العربية منذ تأسيسها، لم تتعدَّ كونها صندوق شكاوى يستعمله أحياناً الضعفاء، وغطاءً لطموحات الأقوياء. إنّ التجربة التاريخية تفيدنا بأنّ الأهداف التي نشأت من أجلها هذه المنظّمة تتلخّص بنقطتين أساسيّتين: النقطة الأولى تقضي بالعمل على فضّ الخلافات والنزاعات القائمة بين دولة عربية وأخرى مجاورة لها في أغلب الأحيان، وصولاً إلى تحقيق الوحدة والإلفة بين شعوب هذه الدول. مع العلم أنّ هذه الخلافات والنزاعات العربية ــ العربية قد نشأت أساساً مع إعلان الولادة السياسيّة لهذه الدول واستمرت إلى يومنا هذا، وذلك بسبب قيام هذه الدول استناداً إلى خريطة التقسيمات التي قرّرتها القوّتان الاستعماريّتان البريطانية والفرنسيّة، وأرستا قواعدها، خلال النصف الأول من القرن الماضي، لا استجابة لتطلّعات وحاجات شعوب المنطقة وطروحات روّاد الوحدة العربية. والنقطة الثانية تقضي بأن تلتزم حكومات كل الدول العربية، التي تتألّف منها الجامعة، سياسات تضامنية وحدوية إقليمياً ودولياً وعلى كل الصعد، الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والجيوسياسيّة، الدفاعية والأمنية.
لكنّ الواقع جاء معاكساً ومغايراً، بحيث رأينا جامعة الدول العربية تُستعمل بشكل فاضح للهيمنة على القرار العربي من جانب الدولة المصرية منذ تأسيسها وحتى زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس، ومن ثم توقيعه معاهدة الصلح مع دولة إسرائيل، وبالتالي خروج مصر من المشهد العربي، ما دفع عندها بمؤسّسة الجامعة إلى الارتماء في أحضان النظام الملكي السعودي الذي كان قد اكتسب القوة المالية الهائلة بعد حرب تشرين الأول 1973 وتأميم النفط العربي، ليجد نفسه في مواجهة «طبيعية» مع نظامين عربيّين يرفعان شعاراً طموحاً ينادي بالوحدة والحرية والاشتراكية، هما سوريا والعراق، مع علمنا بأن الشعب في هاتين الدولتين لم يذق يوماً طعم الوحدة أو الحرية أو الاشتراكية سوى ما سمعه في الخطابات الرنّانة والتظاهرات الطنّانة الداعمة لسلسلة من الانقلابات العسكرية المدّعية.
بناءً عليه، يبقى لبنان، هذه الدولة العربية الأصغر والأضعف، هو الضحية عندما يحتدم الصراع بين الأنظمة العربية المختلفة على كل شيء، وبخاصة في نظرة كل دولة إلى الصراع العربي الفلسطيني ــ الإسرائيلي وكيفيّة إنهائه، وإن تمّ ذلك على حساب شعب لبنان المغدور وتطلّعاته وطموحاته وسعيه إلى الحرية والسيادة والاستقلال التي لا يمكن لأي زعيم عربي تقبّلها كما لم يتقبّل قبلها تطلّعات الإخوة في سوريا والعراق إلى تحقيق الوحدة والحرية والاشتراكية.