محمد مكيللكلمة قدسيتها ولا يقدّس الكلمة إلاّ معناها ومرماها والناطق بها. ولا يزيدها قداسة إلاّ الحق الذي تعبّر عنه. لكن يختلف معيار إعطائها هذه الصفة بين شخص وآخر، فتراها وضيعة منحطّة عند هذا، ومتألّقة غنية عند ذاك، وهي لم تتغيّر، بل تغيّر مكان إطلاقها وشكل مطلقها وبيئته، لتتحوّل من مصدر توحّدٍ وتآلفٍ وتآخٍ وسموٍّ إلى مصدر فتنةٍ وتمايزٍ وانقسامٍ وانحطاط.
يؤسفني اليوم أن أجد نفسي في مجتمع تحوّلت فيه الكلمات المكتوبة أو المقالات إلى كلمات تستخدم لإطلاق الشتائم والتهجّم الرخيص، في محاولات لفضّ نزاعات شخصية في مختلف ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والدينية والعلمية، كأنّما أمسى المتكلّمون في سباقٍ لحشد العديد وإعلاء الهتاف والتصفيق. ويؤسفني أكثر، بل يزيدني حرقة صمت المتكلمين بالحق وغيابهم وتغييبهم في محاولة دنيئة لتغيير مفهوم الحق وطمس عظمة صوته.
وخير دليل على ما تأسّفتُ عليه، هو نوع الكلمات في خطابات الخطباء ومقالات الكتّاب التي تسعى إلى التفرقة وإثارة الانقسام ونشر التعصب الأعمى، من خلال لفت السامعين والقرّاء إلى نوعٍ جديدٍ من الخطابات والمقالات التي تستخدم الضمائر، وخاصة الـ«نحن» والـ«هم»، ناسفةً بذلك صوت الحق الذي يتخطّى الـ«نحن» والـ«هم» والـ«أنتم»، ويقدّس حروف الكلمات، ثم يخاطب الضمير والعقل قبل العاطفة والعصبية. فاحذروا يا مَن تدّعون الزعامة والمكانة والعلم، وقلّلوا من الشتيمة ولغة التهويل، كي لا تمسوا تُشتَمون، واعلموا أن لهذه الكلمة التي تطلقونها حقّاً عليكم وأنتم أمامها مسؤولون.