«جمّد الأموال ثمّ اطرح الأسئلة» وإنجيل «المحاربين الماليّين»
بيسان طي
في 28 ــ 11 ــ 2001، قال الرئيس الأميركي جورج بوش «لقد أطلقنا اليوم الضربات ضدّ المؤسسات المالية لشبكة الإرهاب الدولي»، وكان بذلك يعلن انطلاقة الحرب المالية التي لم تخضع لأيّ مراجعة أو مساءلة، رغم أن «معاركها» تدور منذ سبع سنوات، ورغم أنّ الجوانب الأخرى من الحرب الأميركية على الإرهاب لا تزال محلّ انتقاد ونقاش في الولايات المتّحدة نفسها.
في كتابه «بروباغندا إمبريالية وحرب مالية ضدّ الإرهاب»، يستعيد إبراهيم وردة الأساطير التي صنعتها هذه الحرب، ومجريات المعارك و«الهزائم» التي مُنيَت بها، ويتوقّف مطوّلاً عند الظاهرة المقلقة والمتمثّلة بتولّي بيروقراطيين هذا الملف، وغياب النقد الفعلي أو المراجعات لهذه الحرب. ويذكّر بأنّ الإشكاليّة التي طرحتها الإدارة الأميركية خاطئة، آخذاً القارئ في رحلة تمتدّ منذ ما قبل هجمات 11 أيلول، متغلغلاً في قلب العقلية الاقتصادية التي تتحكّم في تفكير المحافظين الجدد، شارحاً بالتفصيل وبالأمثلة أنّ «العمليات الإرهابية» لا تحتاج إلى المال الكثير. والأهمّ أنه «يسطّر» الأفكار الخاطئة والمُحركة للاستراتيجيات الأميركية في حربها المالية على الإرهاب، لافتاً من جهة أخرى إلى أنّ هذه الحرب كانت فرصة لتنمية استثمارات بعض صقور المحافظين الجدد، وأنّها تساعد على التغطية على الفشل السياسي في ميادين أُخرى، أو تسمح بعدم البحث عن قراءات سياسية واجتماعية لظاهرة الإرهاب.
حلفاء الولايات المتحدة انضمّوا إليها في حربها هذه؛ الأمم المتحدة أصدرت القرار 1373 الذي يطالب دول المنظّمة بحماية أنظمتها المالية من الإرهابيّين، كما صدر قانون «USA Patriot» وتمّت تقوية برنامج SWIFT الذي ضم نحو 7800 مصرف ومؤسّسة مالية في العالم، وتولّت إدارته الفعلية وكالة الاستخبارات الأميركية.
من رحم الحرب ضدّ تبييض الأموال، وُلِدَت الحرب المالية على الإرهاب، لكن الأخيرة كانت محكومة أكثر بعُقدتَي الخوف والبحث عن الأمان على الأرض الأميركية وبأسطورة ثروة بن لادن، إذ يسود الاعتقاد بأنها تبلغ 300 مليون دولار، وهو الرقم الذي يجري تداوله دائماً دون تدقيق في صحّته. كما لا يجري التدقيق بمعلومات كثيرة أدلى بها صحافيّون اعترفوا لاحقاً بأنهم كذبوا.
يكرّر وردة في فصول مختلفة من كتابه، أنّ ما سُمّي «الحرب المالية على الإرهاب»، لم يسمح بتحقيق اختراق يُذكر لشبكة تمويل الإرهاب، بل أسهمت الحرب في إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي، وكانت لها آثار «غير مرغوب فيها» على الصعيدين السياسي والاقتصادي. ويذكّر وردة بأن الأسواق المالية صارت أكثر ارتباطاً بعضها ببعض منذ الثمانينيات من القرن الماضي، لكن العولمة والاختراعات العلمية أسهمتا في فتح قنوات كثيرة لمن يريد تضليل التحقيقات في شأن أصول أمواله، بل تجعله قادراً على إدماج هذه الأموال في «الاقتصاد الشرعي» بسرعة هائلة.
يورد وردة عدداً من التصريحات الصادرة عن أركان الإدارة الأميركية المتعلقة بـ «المحاربين الماليّين» كما يسميهم. فبالنسبة إلى بول ولفوفيتز وإليوت أبرامز وغيرهما من صقور الإدارة الأميركيّة، «ليس المطلوب أن يجيد العامل في هذه الحرب اللغة العربية، ولا أن يكون على اطّلاع على الثقافة الإسلامية ولا على الأوضاع السياسية الدولية»، بل إن دوغلاس فايث تحدّث حتّى عن «أهمية اللاكفاءة الثقافية للتوصّل إلى حقيقة أكبر»، وقد اعتنق عدد من «الخبراء» المعادلة التالية: إمكانات مادية + قناعة محفّزة = إرهاب.
البنوك الإسلامية، والحوالة، والدعوة، والمدارس (القرآنية) عبارات لها وقعها الخاص في أدبيات الحرب المالية على الإرهاب. كلّ الخبراء يهمسون بها، والصحافيون أيضاً ولكن دون معرفة حقيقية بمكانتها في الثقافة الإسلاميّة، فثمة صحافيون يكتبون Halawa (حلاوة) معتقدين بأنّها وسيلة لتمويل الإرهاب.
الهلع، ورغبة البيروقراطيّين في إثبات جدارة لا يمتلكونها، أسهمت في تراكم الأخطاء التي ارتُكبت، لدرجة أنّه صار من المستحيل حصرها في كتاب. لكنّ وردة يتوقّف عند عدد من القضايا، منها قضية مؤسّسة «البركة»، وتجميد حسابات أشخاص بسبب تشابه الأسماء. ويقول مثلاً إنّ منطقة نيويورك وحدها، تحوي 85 شخصاً يحملون اسم محمد عطا وقد جرى تجميد أموالهم دون التدقيق في سجلّاتهم وتواريخ ولاداتهم، ووقع الكثير من الأفراد والمؤسّسات ضحايا للحرب المالية على الإرهاب بسبب جهل «المحاربين». بل أكثر من ذلك، يؤكد وردة أنّ هذه الحرب أدّت إلى إضعاف مؤسّسات خيرية عربية وإسلامية «رسمية» تسهل مراقبتها، وولدت في المقابل عشرات «المنظومات» والوسائل التي يستحيل مراقبتها، كما ينشر جدولاً يبيّن فيه انخفاض تكاليف العمليّات الإرهابية. ففيما بلغت تكلفة هجمات 11 أيلول، 304 آلاف دولار، لم تزد تكلفة هجمات لندن على ألف دولار!
يخصّص وردة عشرات الصفحات لتعداد أخطاء وقع فيها جهاز «المحاربين الماليين»، وقد أدّت هذه الأخطاء إلى تجميد أموال وأصول مؤسّسات إسلامية لا تمت إلى «القاعدة» بصلة، لكن مبدأ «جمّد الأموال ثم اطرح الأسئلة» هو المسيطر، وقد تعاظمت التغطية الإعلامية للإجراءات التي تؤول إلى تجميد هذه المؤسّسات، فيما لم تتمكّن المحاكم أو لجنة 11- 9 من إثبات تورط هذه المؤسسات أو إيجاد أدلة على ما أورده «المحاربون الماليون»، لكن الإعلام الأميركي يشير إلى أنّ حجم هذه الأخطاء خجول جدّاً.
ويعود وردة إلى مرحلة «الجهاد الأفغاني»، ولادتها ومموّليها. فيتحدّث عن السنوات التي شهدت التفافات في هذه الحرب، ثم يتحدّث عن العلاقة الأميركية ـــ السعودية، وعن دور السعودية في عدد كبير من معارك الحرب الباردة، ويذكّر بأنّ النظرة الأميركية معادية للسعوديّين «الداعمين للإرهاب» في رأي الشعب الأميركي وصقور إدارته، لكن العلاقة المميزة والمصالح المشتركة بين آل بوش والعائلة الحاكمة في الرياض، حالت دون امتداد الحرب المالية إلى الجبهة السعودية الحاكمة.
أخيراً يلفت وردة إلى أنّ البيروقراطيّين الذين يتولّون ملفّ «تبييض الأموال وتمويل الإرهاب» يبحثون بلا كلل عمّا يبرّر وجودهم، وعمّا يساعدهم على توسيع دائرة نشاطاتهم. ويختم بأن صقور المحافظين الجدد خسروا ساحات كثيرة، ولم يعد لهم ثقل إلّا في «الميدان الاقتصادي» للحرب على الإرهاب.


العنوان الأصلي
PROPAGANDE IMPERIALE & GUERRE FINANCIERE
الكاتب
إبراهيم وردة
الناشر
لو موند
دبلوماتيك ـــ أغون