«الاجتماع الآلي» يغزو العلوم وتغيب عنه الدراسات الاجتماعيّة
ماجد الشيخ
يخلص د. محمد علي رحومة في كتابه «علم الاجتماع الآلي» في سياق محاولته مقاربة علم الاجتماع العربي والاتصال عبر الحاسوب، إلى اعتبار موضوع الكتاب ذا أهميّة بالغة، إذ يطرح ويناقش ويحلّل هذا العلم الاجتماعي الجديد، من منطلق كونه ملتقى لمباحث علوم إنسانيّة وطبيعيّة متعدّدة، تهتمّ في مجملها بالحركة البشريّة المرقّمة في العالم الافتراضي السايبيري (الإنترنت). إضافةً إلى أن هذا العلم يقدَّم إلى القارئ العربي باسم عربي جديد: «علم الاجتماع الآلي»، متناولاً أسس ومبادئ وأصول العلم الذي يدرس هذه الظاهرة الرقميّة الجديدة في المجتمعات البشريّة. من هنا استدراك المؤلّف في مقدّمته، من أنّ ما يقدّمه في مؤلّفه هذا ليس علماً استُكملت موضوعاته ومباحثه ومناهجه وأدواته، بل هو لم يزل مساحات خصبة متنوّعة للبحث والدرس والتحليل والنقد والتعليل، والكشف والاكتشاف، والمتابعة والتطوير.
لم يزل علمنا الاجتماعي هذا، يخطو، بل يحبو حبواته الأولى في مسيرة نشاطاته العلميّة والتعليميّة الغربيّة على وجه الخصوص، بحيث لم يوجد بعد ما يمكنه أن يعطي منهجاً متكاملاً له؛ يجمع بين أبحاث النشوء والتطوّر والموضوعات والنظريّات والمنهجيّات والأدوات، وما إلى ذلك من مفردات العلوم، سواء في شقّها العلمي التكنولوجي أو شقّها الإنساني الاجتماعي.
في المقابل، لا شكّ في أن المؤلّفات والأبحاث العربيّة الكثيرة المنشورة حول الإنترنت وأنشطتها المختلفة، تسهم بشكل أو بآخر في تعزيز بعض أجزاء تُعدّ من منظور هذا العلم، منبثقاً ومتمثّلاً في رؤيتنا العربيّة لمجتمعاتنا وتوجّهاتنا العلميّة والثقافيّة.
على أنّ ما يستهدفه هذا الكتاب، إنّما هو سعيه إلى تحقيق عدد من الأهداف، أهمّها الهدف الأكاديمي؛ كمبادرة ومقاربة تسهم في تقديم علم اجتماع الحياة الإلكترونيّة على الإنترنت، والفضاء الافتراضي الذي تمثّله، من خلال تفاعل الإنسان «المرقمَن» عبر شبكات الحواسيب. أي بعبارة أخرى، مقدّمة في علم الاجتماع الآلي. كذلك تحديد معالم العلم، وحدوده، وتخليصه ممّا يتجاذبه من كثير من الميادين العلميّة التكنولوجيّة والاجتماعيّة، سواء في الحاسوب والاتصالات والإلكترونيات والهندسة بفروعها، أو في الاجتماع والنفس وعلم الإنسان، والاقتصاد والإدارة والقانون والسياسة والتاريخ والأدب.
كما أنّ هناك هدفاً آخر، لا يقلّ أهميّة، وهو مناقشة أهمّ قضاياه ومسائله ومباحثه، وعرض أهمّ آراء باحثيه والمهتمّين به، وخصوصاً أنّه اقترب من تكوين شكل تخصّصه المستقلّ، بحيث يكون له مختصّون بصورة معمّقة في موضوعاته وحدوده، ويكون هناك علماء الاجتماع الآلي. وأخيراً الهدف الثقافي؛ وهو الإسهام في إثراء المعرفة في عالمنا العربي، وبخاصّة محاولة تأصيل شيء من مفردات ومصطلحات هذا الحقل المعرفي الجديد بأصول اللغة العربيّة.
ولكون مفهوم الثقافة هو المفهوم الأوسع إحاطة بحقيقة المجتمعات البشريّة، ففي فضاء الإنترنت ثمّة فضاء سايبيري، يحوي عالماً رقميّاً من عالم الإنسان، كما ومختلف موارد المعلومات المتاحة من خلال شبكات الحواسيب. وهذه في واقع الأمر، ثقافة رقميّة، بنية حركيّة يخلقها مستخدمو الإنترنت ببرامجهم المتنوّعة. لهذا يلاحَظ أنّ كلّ مجتمع افتراضي يطوّر ثقافته (الافتراضيّة) الخاصّة، بسبب عدّة عوامل، مثل ديموغرافيا المشاركين واهتماماتهم المشترَكة، والطريقة التقنيّة لإعداد أو تهيئة الشبكة المستخدَمة، وكذلك البينيّة البرمجيّة التي يستخدمها أعضاء الشبكة.
إلاّ أن أبرز المشكلات التي يجب حلّها وتجاوزها بحسب الكتاب، هي مسألة النقص الشديد، إن لم يكن غياب المنظور التكنولوجي في الدراسات والأبحاث الاجتماعيّة، وأيضاً المنظور الاجتماعي في الدراسات والأبحاث التكنولوجيّة، أي ضرورة توفير المنظور التكنو ــ اجتماعي في البحث العلمي بمختلف فروعه، وإعداد الباحثين العلميين ــ الاجتماعيين بخاصة، وهو ما يجب إتاحته بإلحاح.
ليس هذا فحسب، بل يمكن أن يستفيد علماء الاجتماع في البحث السايبيري، من بعض النظريّات والتحليلات الاجتماعيّة الطبيعيّة المهمّة التي قد نجد لها ما يشبهها رقميّاً على الإنترنت، كأن تكون لها علاقة ما، بتكوّن المجتمعات وفهم التفاعل الاجتماعي، وخاصة حين تتّفق معطياتها وأفكارها مع نموذج البيئة الإلكترونيّة على الشبكة، على سبيل المثال، النظريّات التي قدّمها كل من دوركايم وغوفمان.
* كاتب فلسطيني


العنوان الأصلي
الديموقراطية والتحركات الراهنة للشارع العربي
الكاتب
مجموعة كتاب
الناشر
مركز دراسات الوحدة العربية