زيد الزبيدي *ردّاً على مقالة الكاتب الأردني ناهض حتّر التي نشرتها «الأخبار» في عدد الثلاثاء ٨ / 4/ ٢٠٠٨، جاءنا الردّ الآتي:
عندما راهن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على إنزال الهزيمة بالتيار الصدري في البصرة، لم يكن جادّاً في ذلك، لأنّه يعلم أنّ القوات التي أرسلها منذ سنة لم تستطع فعل الكثير. وعندما قال إن البصرة لم تكن فيها حكومة، وإنّ الميليشيات هي التي تحكم، اقترب إلى حدّ ما من الحقيقة، لأنّ الحكومة المحلية في البصرة تم تجريدها من الصلاحيات الأمنية، التي أُوكلت إلى قيادات عيّنها المالكي قبل ما يقارب السنة. بمعنى أنّ «عملية البصرة» جاءت مفتعلة، قبيل تقديم تقرير كروكر ـــ بيترايوس، لإقناع الكونغرس بأنّ حكومة المالكي «ليست طائفية»، وأنّها تحقّق «إنجازات» على الأرض، وهي في الوقت نفسه ليست قوية بالشكل الذي يسمح بتقليص القوات الأجنبية الموجودة في العراق، أو تقليص مخصّصاتها المالية.
وإذا قلنا إنّ المالكي نفّذ «أجندة» أميركية محدَّدة، فلا ينبغي التسرّع وإطلاق الأحكام بأنّ التيار الصدري ألحق هزيمة بالقوات الحكومية، أو أنّه يمثّل «التيار العروبي» في وجه التغلغل الإيراني المتمثّل بآل الحكيم وحكومة المالكي، لأنّ السيد الصدر ، عندما طُلب منه حلّ «جيش المهدي»، لم يأخذ رأي أيّة قوى عراقية أو عربية، بل طلب قراراً بذلك من مرجعية النجف ومرجعية قم الإيرانية، وليس كما «تمنّى» الزميل ناهض حتر أن يطلبها من آية الله فاضل المالكي، المرجع العراقي العربي.
ما يقود إلى هذا الكلام، هو التصوّر الذي بناه حتّر عن «انتفاضة شعبية عروبية تعمّ الجنوب العراقي»، تتمثّل بشكل أساس في التيار الصدري، الذي يرفع شعارات وطنية وقومية، هي أبعد ما تكون عن واقع الحال، وعن كل سلوكيات أنصار هذا التيار، الذي لا يخلو من عناصر وطنية طبعاً، ولكنها مخدوعة ببريق الشعارات ليس إلاّ.
وإذ لا نريد أن ننبش الماضي، ونتحدّث عن الامتيازات التي كان يحظى بها السيّد علي السيستاني أو مقتدى في عهد صدام حسين، فعلينا النظر إلى الحاضر، و«الأجندة» التي يمثّلها كل من الطرفين، اللذين يكمل أحدهما الآخر، في الولاء المزدوج، كشريكين في العملية السياسية الحالية، وفي بلورة النزعة الطائفية، التي تمثّلت بأسوأ صورها في «جيش المهدي» «لصاحبه فيلق بدر»، إلى جانب «القوات الخاصة الأميركيّة» من العراقيّين والعرب، المجنّدين في تلك القوات.
ومعروف لدينا كعراقيين، أنّ الكثيرين ممّن انضمّوا إلى صفوف «جيش المهدي»، هم من عدّوا المؤسّسات العامة، بعد سقوط النظام السابق، «غنائم حرب»، بما فيها «المساجد»، وهم من شاركوا أيضاً بأجور، في التظاهرات التي كانت تنظّمها الأحزاب المختلفة بعد سقوط النظام، للإعلان عن نفسها وجماهيريتها، ثمّ اصطفّوا ـــ جراء فقدان الأمن والأمان، أو لتحقيق مكاسب ـــ إلى القوة الطائفية الأقرب إليهم، التي تستطيع حمايتهم إزاء كل ما يفعلونه.
إلا أنّنا يجب أن لا نبخّس التيار الصدري حقّه بالتقليل من جماهيريته الواسعة التي أغرت «الحليف الإيراني» بالتوغّل فيه، «كما توغّل في تنظيم القاعدة» بحجّة محاربة العدو المشترك الأميركي»، إلى الحد الذي أصبحت «الفرق الذهبية» التي تنفذ «أجندات» القتل، تديرها الأجهزة المخابراتية الإيرانية مباشرة، أو ضباط «فيلق بدر» التابع للمجلس الأعلى الإسلامي.
وقد شاهد العالم عبر شاشات التلفزيون، ضبّاط الحكومة يقفون إلى جانب «جيش المهدي» في تنفيذ مجزرة حيّ الجهاد ببغداد، وكانت القوات الحكومية معهم في تنفيذ المجازر التي أعقبت تفجير سامراء في شباط 2006، وكان ضبّاط مغاوير الداخلية على بعد بضعة أمتار منهم عندما فجّروا جامع إبراهيم الخليل في السيدية، قبل خمسة أشهر، وخلال خطة «فرض القانون».
وفي معرض الرد الذي يقتضيه الضمير المنصف، على مقال حتّر، لا بدّ من التأكيد أنّ «جيوش المهدي» لا «جيش المهدي»، مخترقة حتى النخاع من أجهزة مخابرات أجنبية عدة، في مقدمتها المخابرات الإيرانية، وفي مقدمتها أيضاً وزارة الداخلية التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي «الإيراني».
وإذا كانت مجموعة من فرق «جيش المهدي»، اشتهرت كمحترفة للقتل الطائفي، فإن الكثير من التصفيات «النوعية»، كانت من تنفيذ ضباط «ميليشيات فيلق بدر» التابعة للمخابرات الإيرانية والمتنفّذة في وزارة الداخلية، أو من قبل المخابرات الإيرانية مباشرة، أو غيرها من الأجهزة المخابراتية العاملة على الساحة العراقية. وكل هذه الجرائم تُنسب إلى «جيش المهدي»، بسبب «سمعته الحسنة في القتل»، ولكنها تُسجَّل رسمياً ضدّ «مجهول»، ما استدعى الشكّ والريبة في سبب عدم الكشف عن قتلة عشرات وربما مئات الأشخاص يومياً، والجهة التي تقف وراء ذلك، ولماذا تتستّر الحكومة عليها؟
وفي الخلاصة، فإنّ النهضة الشعبية والعروبية، ليست ترسانة الأسلحة الإيرانية التي يمتلكها «جيش المهدي»، بل هي ردّة الفعل على ما ارتكبه ويرتكبه هذا «الجيش»، الذي تسبّب بالويلات لشعب العراق، في عمليات القتل الطائفي التي طالت خيرة الكفاءات وخيرة العناصر الوطنية والتقدمية «حسب الهوية».
أما الادّعاء بأن «جيش المهدي» يتسلّح «من إيران» بالأسلحة الثقيلة لمقاتلة المحتلّ، فذلك لا أساس له في الواقع، فكيف يرتضي أن يكون من يقاتل المحتلّ، أداةً لتنفيذ المخطّط الطائفي الدموي الأميركي ـــ الإيراني؟ ومن ثمّ توجيه اللوم إلى المالكي لأنه يتخاصم الآن مع من حماه وغيره من «القاعدة»، ويقصد بذلك المقاومة عموماً، والعرب السنّة عموماً أيضاً. وإلى ذلك، كيف يمكن تفسير الاستياء الإيراني من قصف «المنطقة الخضراء» التي تُعَدّ الوكر الأساس للاحتلال وأعوانه؟
وعلى كلّ حال، إذا كانت طروحات التيار الصدري ـــ حسب الزميل حتّر ـــ وطنية وعروبية، فإنّ عليه أولاً، قبل كل شيء، البحث عن الخيوط التي تربطه بمناهضي الاحتلال، من كل الأطياف، وإعادة ما تمّ وضع اليد عليه من «غنائم الطائفية» إلى أصحابه، والاعتذار إلى الشعب العراقي عن الكوارث التي سبّبها له، إن كان هناك من يقبل اعتذار هؤلاء.
وبالتالي، فإنّ إيران ليس لها «صديق»، وشأنها شأن جميع الدول الكبرى الفاعلة في السياسة الدولية، وهي سرعان ما تتخلّى عن أقرب حلفائها، عندما تتطلب مصلحتها ذلك. فهل يعي الصدريون الدرس؟ وهل يبقى حتّر عاقداً الأمل على أن يكون لهؤلاء دور مهمّ، عندما تنتفي حاجة الإيرانيّين والأميركيين إليها؟
* كاتب عراقي