أسعد أبو خليلفي سردية 14 آذار، لم تكن الحرب حرباً أهلية. حتى وليد جنبلاط الذي أصرّ في لقاء في السفارة الأميركية جمعه مع عون بعد عودته من المنفى أن الحرب في لبنان كانت حرباً أهلية، عاد ليقول إنه اقتنع بنظرية «حروب الآخرين» أو «حروب من أجل الآخرين». لكن هذا وليد جنبلاط.
البعد الداخلي للحرب الأهلية اختفى، ويختفي باستمرار، إلى درجة الاضمحلال الوشيك. كان اللبنانيّون متحابّين في ما بينهم، إلى أن فرّقهم الغريب.
ماذا حدث للتنظيمات اللبنانية أثناء الحرب؟ اختفت من الوجود. لم يكن محمد قباني سيد المجالس المحلية في الحركة الوطنية. لم يكن محمد كشلي يسارياً يوماً ما. غُرّر بهما من الغريب. لم يكن طارق متري وجورج ناصيف أعضاء في فرقة يسارية متحالفة مع الحركة الوطنية. هذا محض افتراء. لم يُخطف شارل رزق في صندوق سيّارة. ولم يدعم ميشال المر حروب بشير الجميل، وترشيحه الإسرائيلي، ليعود ويدعم رستم غزالة. حرب الجبل لم تقع. ربما وقعت في جبل أرارات، وهو بعيد عن لبنان «الأخضر والحلو» في آن. لا نذكرها أبداً، كل تلك الأحداث والوقائع. ثم ألم يزر بطريرك الموارنة الجبل؟ ألا يكفي هذا لتسنيد القول بعدم حصول حرب الجبل أبداً؟ والحركة الوطنية لم تكن في لبنان، ولم تعرض برنامجاً مرحليّاً. ربما حدث ذلك في قبرص أو في سردينا. ثم، لم ينخرط لبنانيون ولبنانيات في صفوف المنظمات الفلسطينية. كان كل أعضاء المنظمات الفلسطينية من الفلسطينيين فقط، بالإضافة إلى الصوماليين والسودانيين (هل من يذكر كيف كان الإعلام الكتائبي الذي استفاد من مشورة إسرائيلية أثناء الحرب، التي لم تقع، يعرض صوراً لفلسطينيين داكني البشرة كدليل قاطع على تورّط مقاتلين من الصومال؟ وهل من يذكر مزاعم الإعلام الإسرائيلي أثناء حرب إسرائيل على لبنان في 2006 عن العثور على جثث لثلاثة إيرانيّين في جنوب لبنان، وردّد الإعلام السعودي والحريري تلك المزاعم من بعده)؟
أمّا القتل على الهوية، فلم يحصل في لبنان. لم يحصل أبداً. كفى افتراءً على شعب لبنان «العظيم». كيف يمكن أن يحصل القتل على الهوية في بلد يتفنّن في الوئام والتحاب (لا في الحرب الأهليّة كما قال المؤرخ بروديل عن فرنسا في كتابه عن تاريخ الهوية الفرنسية)؟ السبت الأسود أسيء فهمه. كل ما في الأمر أن بشير الجميل أمر باعتقال مسلمين في المناطق الشرقية من بيروت، وذلك لاستضافتهم على مذبح من الرحب والسعة، كما استضاف بشير الجميل شارل رزق في صندوق السيارة، ونعم الضيافة اللبنانية. صحيح أن المئات تعرضوا للقتل، وصحيح أن الأعضاء التناسلية كانت تقطع وتوضع في براميل في المرفأ، لكن كل هذا كان من أفعال «عناصر غير منضبطة» أو طابور خامس، لا أكثر. كفى تجنّياً على لبنان وعلى اللبنانيّين.
ثم من قال إن ميليشيات الكتائب والأحرار ارتكبت مجازر طائفية وإثنية بحق مسلمين وفلسطينيين في شرق بيروت؟ كلا لم يحدث هذا على الإطلاق. كل هذا جزء من دعاية خبيثة ضد وطن يمتهن السلم الأهلي (والكبّة النيّئة). ومن يتحدّث عن مجازر طائفية في الدامور والعيشية ضد مسيحيين يختلق قصصاً لم تحدث. وحرق الكنائس واغتصاب الراهبات، لم يحدث أيضاً. اللبنانيون لم يتقاتلوا، شُبِّه لكم أنهم تقاتلوا بينما كانوا يتحابّون ويتعانقون. وما العيب في ذلك؟ لماذا هذا التجنّي دائماً على شعب لبنان العاشق للسلام دوماً وأبداً؟
الحروب في لبنان، كما يُقال لنا في سرديّات جديدة مُستحدثة، وقعت بفعل تدخلات خارجية خبيثة. اسألوا وهبي قاطيشا. هو الخبير العليم. كان هناك. كان ينسّق مع القوات اللبنانية في سنوات خدمته في الجيش. هي الوطنيّة على نسق سعد حداد، والرجل ليس فرداً، بل مدرسة في هذا الوطن الذي ينتج مكتشفين لداء السرطان بمعدل مرة كل أسبوع. قاطيشا هو نفسه تحدث عن دور شرير للمقاومة الفلسطينية ولسوريا وإيران، فقط. إسرائيل لم تجتح لبنان، وفق رواية قاطيشا هذا.
من يلاحظ أن دعاية 14 آذار تتوافق بالتمام والكمال مع دعاية إسرائيل بشأن الدور الإسرائيلي في لبنان؟ لا يختلف كلام جنبلاط عن تاريخ دور إسرائيل في لبنان البتة عن السردية الصهيونية. فقط استفزاز المقاومة الفلسطينية ثم استفزاز حزب الله لإسرائيل هو الذي أدى إلى الحروب التي شنتها إسرائيل على لبنان. عليك هنا أن تنسى تاريخ العدوان الإسرائيلي على لبنان قبل نشوء المقاومة الفلسطينية، لتستقيم الرواية. عليك أن تسلّم، وفق رؤية مبتكرة ومُحبّة للحياة، بالرواية الإسرائيلية الرسمية، وهي على وشك أن تدخل إلى المنهج التربوي المقرّر. قد يُسأل الطالب في لبنان عما قريب عن تعداد المتآمرين على لبنان، وعلى الناجح أن يبدأ بعبد الناصر لينتهي بالمحور السوري ـــ الإيراني، فقط. وسيرسب من يتهم إسرائيل. دخلنا في التقويم الدحلاني ـــ العلاوي.
إنها مرحلة جديدة تتطلب وقائع وأحداثاً جديدة. الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تفاقمت وعجّلت في اندلاع الحرب تبخّرت.
الرواية الجديدة تركّز على البحبوحة وعلى الازدهار. كم ازدهر جنوب لبنان تحت وقع القصف الإسرائيلي المستمر آنذاك. كانت الذروة في الازدهار متركزة في جنوب لبنان، وفي عكاره أيضا. لم يُضرب العمال، ولم يثُر مزارعو التبغ، ولم ينتفضوا في الجنوب على الإقطاع، ولم يغنِّ شوشو لنصرة الجائعين، ولم يُضرَب عمّال معمل غندور، ولم يلهج شباب لبنان بأحاديث الثورة، ولم ينحُ لبنان منحى الحرب الأهلية الإسبانية، وإن كان فرانكو لبنان، أعني بشير الجميل، يعاني تشبّه المسخ بالأصل. لكن ما علينا. فعل أبوه ما استطاع لإحياء نموذج النازية اللبنانية التي جلبها معه من رحلة إعجاب إلى ألمانيا العهد الهتلري. كلا، لم يندفع شباب وشابات لبنان في الانضمام إلى صفوف الثورة الفلسطينية. لم يقاتل مسيحيون ومسلمون (كان هذا قبل أن يفصل عهد الحريري بين السنّة والشيعة) في صفوف منظمات الثورة الفلسطينية.
لكن سردية قاطيشا هذه تتناقض مع الواقع، فلندفن الواقع. طبعاً، نحن نتفهم ضرورات دعاية عصر التحالف السعودي ـــ الإسرائيلي الشامل، لكن نسي قاطيشا عفواً أن سوريا كانت متصارعة مع المقاومة الفلسطينية، لا مُتوافقة. نسي قاطيشا هذا أن اليسار في لبنان شنّ حرب عصابات ضد التدخّل العسكري السوري في لبنان، وأنّ النظام السوري لم يكن يريد أن يسمح للحركة الوطنية بالعمل بعد 1977. من المعلوم أنه كان يفضّل إطار ما سُمّي بـ«الجبهة القومية» التي جمعت تلك المنظمات الموالية لسوريا والتي كانت تفتقر إلى التأييد الشعبي (ينسى وليد جنبلاط في عظاته عن الفكر الشيعي أن موسى الصدر كان، إلى جانب عاصم قانصوه، من أوثق حلفاء النظام السوري). هذا تفصيل، ومن يسجّل، ومن يستحضر التاريخ إزعاجاً، وإن كان معاصراً وحديثاً؟ توقّفوا عن الاستذكار وأحبّوا الحياة كما يحبها سمير جعجع ومحمد علي الجوزو ومفتي صور وجبل صنين، وكما أحبّها من قبلهم سعد حداد في «جمهورية لبنان الحر» التي يريد آل الحريري تعميمها على كل لبنان بتأييد أميركي ـــ إسرائيلي ـــ سعودي. وهل هناك مَن أسهمَ في حبّ الحياة أكثر من جعجع والجوزو ومفتي صور وجبل صنين؟ وهل أُقيم حاجز البربارة إلّا من أجل نشر ثقافة الحياة؟ أمّا القتل بالفؤوس في حرب الجبل، فكان من باب نبذ الرجعية. إذ إن وليد جنبلاط ذكّرنا أخيراً بأن عادة إطلاق الرصاص في الهواء لا تمتّ إلى لبنان بصلة، لأنها من سمات التخلّف والرجعية، على حد قوله. أما القتل بالفؤوس فهو من سمات العصرية والتقدّم، كما أنّ قطع الرؤوس في الساحات العامّة في السعودية ينتمي إلى ثقافة الليبرالية التي ينتهجها مثقّفو الإعلام الرسمي والحريري في لبنان. وهل هناك أبلغ من قول بول شاوول «برافو سنيورة»، والسنيورة مُحبّ للحياة هو أيضاً؟ والقتل بالفؤوس والقتل على الهوية كانا جزءاً من مؤامرة سورية ـــ إيرانية للإيقاع بين اللبنانيين.
وقد يقول قائل إن حروباً أهلية وقعت بين اللبنانيين، أو بين من كان يقطن هذه البقعة الجغرافية المنكوبة التي مثّلت في كينونتها سنداً وظهيراً للكيان الصهيوني منذ إنشائه، في القرن التاسع عشر. لكن ينسى هؤلاء أن تلك الحروب الجبلية كانت من تدبير السلالة القجارية. قل إنها كانت مؤامرة إيرانية مذّاك. ثم، كيف يمكن أن ننسى أن زيارة البطريرك صفير للجبل، وهي تاريخية على ما يقول المؤرخ الموثوق وليد جنبلاط، أنهت كل النزاعات وأسّست لمرحلة نشر الحب. ثم، ألا تذكّر حركة 14 آذار بالحركة الهيبية في أميركا، من حيث حمدها بالسلام ومعارضتها للحروب، وخصوصاً تلك الحروب التي تُخاض دفاعياً بوجه العدوان الإسرائيلي؟ أي إن منظّر حركة الحريري المظفرة هو المغني الشهير جون لينون، مع أن تنظيرات مصطفى علوش وميشال معوض تضفي طابعاً فلسفياً كانتياً على «لجنة المتابعة» في 14 آذار (يتوافق يوم 14 آذار مع يوم وفاة كارل ماركس، يا للشؤم).
صحيح أن حركة 14 آذار تتحمس وتبشر بالحروب الأهلية، لكن هذا تفصيل، وإن حدث، فيكون بوجه تلك الطوائف التي ترفض الانضمام لمشروع الدولة المدنية. يتساءل البعض عن الدولة المدنية ويقول، أو تقول، إن لا دولة مدنية في لبنان وإن الدولة رجعية وطائفية ومبنيّة على المحسوبية وعلى الارتهان لدول موغلة في الرجعية الدينية وفي القمع؟ ويقول قائل إن شعار الانخراط في الدولة الذي يطرحه مفتي صور وجبل صنين، الذي أفتى بدلوه في حزب الله قبل أن يفتي في حركة أمل، وقبل أن يفتي لعائلة الحريري، لا ينطبق على لبنان، لأن الدولة المدنية لم تقم في لبنان قطّ. وهناك من يشير إلى عائلة الحريري وإلى إنشاء رفيق الحريري جهازاً موازياً، لا بل مناقضاً للدولة، على اتساع الأرض اللبنانية. لكن ينسى هؤلاء أن رفيق الحريري كان رفيقاً لجوني عبده وإيلي حبيقة وداوود الصايغ وزاهي البستاني. ألم يسعَ هؤلاء، بالإضافة إلى الحريري نفسه، المعتمر الكوفية والعقال آنذاك، إلى تطبيق اتفاق 17 أيار؟ أي إنهم سبقوا زمانهم لأنّهم سعوا نحو القرار 1559 قبل نحو عشرين سنة من صدوره؟ هم دعاة الدولة المدنية وفق رؤية 17 أيار. وما العيب في ذلك؟
والسيرة المستحدثة للحرب الأهلية تنسى أنه كان هناك إسرائيل واجتياحاتها. لم ترد إسرائيل على لسان قاطيشا. فقط «الفلسطيني» الذي وعد وصفي السنيورة ـــ وهو غير وصفي التل ـــ بإرجاعهم إلى مخيم نهر البارد في القريب العاجل. ومن يلاحظ أن السرد الجديد يطمس ما حدث في المناطق الشرقية من بيروت على يد تلك المليشيات، بالإضافة إلى حروب الميليشيات في المنطقة الغربية من بيروت، بالإضافة إلى حرب المخيمات الوحشية التي لزّمها النظام السوري لحركة أمل؟ يُقال إنّ النظام السوري هو مسؤول عنها، لكنّ الأيادي التي أمعنت قتلاً هي أيادٍ لبنانية. كما أن حروب بشير الجميل، بإيعاز إسرائيلي، لتوحيد القوى الفاشية ـــ النازية في شرق بيروت لم تكن مرسومة من طهران، إلا إذا كانت المؤامرة الإيرانية تمعن تقسيماً وشرذمة في صفوف القوات اللبنانية نفسها، وهذا مرجّح.
لا، لم يتحارب اللبنانيون. تمازحوا وتبادلوا النكات والأنخاب، فوق الجثث أحياناً. اللبنانيون بناة حضارة عريقة تفتّقت عبقريتها عن المزيج المبتكر الذي جمع عنوة بين البطاطا والكزبرة. إذا لم يكن هذا دليلاً قاطعاً على العبقرية اللبنانية، فلا كانت العبقرية ولا كانت الحضارة. لم يتحارب اللبنانيون في ما بينهم، بل الغريب العربي (لأن الغريب الغربي والإسرائيلي بريء وفق رواية 14 آذار، لهذا فإن فصل الاحتلاليْن الأميركييْن للبنان ما عاد يرد في الكتب وفي الروايات. نُسي هذا الفصل في التاريخ اللبناني، وكتب التاريخ لن تذكر شيئاً عن المدمّرة نيو جيرزي.
ثم ألم يعتذر وليد جنبلاط عن أفعاله، معطياً بذلك للولايات المتحدة حق اجتياح لبنان واحتلاله متى شاءت؟ لا بل يمكن القول إنّ الخلاف الوحيد بين الفريق الحاكم والولايات المتحدة لا يكمن في التدخلات والحروب والاجتياحات الأميركية، بل في تمنّع الإدارة الأميركية عن شن مزيد من الحروب كرمى لعيون الابن البار، سعد الحريري، الذي يتولى منصب الزعامة في لبنان، لا وراثة، بل بناءً على مواهب وكفاءة لا تخفى على أحد.
إنها حروب الآخرين. اللبنانيون، على ما يريدنا غسان تويني أن نقول، كانوا أبرياء وبرّاء من الحروب. هم كانوا في الملاجئ يحتسون ما توافر من مشروبات من دون ثلج. تويني عاد وحاول أن يصوّب عبر القول إن الحروب كانت من أجل الآخرين، وكأن في هذا تبرئة للبنانيين، مع أن النظرية هذه تزيد الجرم جرماً. والحروب الأهلية تكون عادة وفق رؤى داخلية متضاربة، وإن تقاطعت أبعاد خارجية مع الأبعاد الداخلية. أما عن تلك الحماسة البادية للعيان عند عدد من التنظيمات اللبنانية نحو العودة إلى الحرب الأهلية، فما هي إلا جزء من إعلام الدولة الصفوية. والشاه إسماعيل والشاه عباس يسيّران أمور الأحزاب المعارضة في لبنان، ولهما كثير الحظوة في أوساط قيادة التيار الوطني الحر. ثم من قال إن آصف شوكت لم يكن ناشطاً في القرن التاسع عشر لإثارة الفتنة في لبنان؟
وزاد عباس زكي، سفير آل الحريري إلى المخيّمات، على أوهام اللبنانيين وعلى تاريخهم المختلق. قدم لهم مجاناً اعتذاراً باسم الضحايا الفسطينيين في لبنان عمّا فعلوه بالبلد المضيف. اعتذر عمّا لحق بالشعب الفلسطيني من مهانة وتشريد وقتل عند دخولهم وإقامتهم في لبنان. اعتذر عن تاريخ التواطؤ بين البطريركية المارونية والحركة الصهيونية التي تجلّت في الاتفاقية الموقّعة بين الطرفين في عام 1946. واعتذر لهم عن تاريخ التحالف بين حزب الكتائب وإسرائيل، وعن الدفع النقدي الذي كان يتلقاه الياس ربابي من إسرائيليين. واعتذر زكي عن الاعتداءات والتحرشات من المكتب الثاني ضد أهل المخيمات قبل أن يشتدّ عود المقاومة الفلسطينيّة. واعتذر زكي عن العون الذي قدمته المقاومة لمختلف الأحزاب اللبنانية عبر السنوات. كان ينقص أن يعتذر زكي بالنيابة عن ضحايا صبرا وشاتيلا لأنهم لوّثوا القتلة بالدم عندما كان مقاتلو القوات اللبنانية يبقرون بطون الحوامل.
والعجب أن تقوم مجموعة صنّفت نفسها طائفياً بـ«المسيحيين» بالاعتذار، جواباً على اعتذار عباس زكي، للشعب الفلسطيني عمّا سمته «أعمالاً غير مبررة». أما الأعمال المبررة فهي... مبرّرة. ولماذا الصفة الطائفية للاعتذار؟ هل هناك فريق أو طائفة في لبنان لم تتورّط في قتل الفلسطينيّين؟ هل يمكن أن ننسى دور ميليشيا أمل (والنظام السوري) في حرب المخيّمات التي لا تُغتفَر، مثلها مثل صبرا وشاتيلا؟ وهل ننسى دور تيار الحريري في حرب تدمير مخيم نهر البارد؟ والأعمال غير المبررة هي إشارة مهذّبة للمجازر والقتل على الهوية والتهجير المتوحش، وردم المخيمات.
كل شيء يتغير في لبنان. الكل يشارك في إعادة رسم التاريخ وإعادة صوغ السير الذاتية. تناقضات، تناقضات. يمنة ويسرى. بلال العلايلي مستقلّ، وإن كان عمل في شركة الحريري، وهو مرشّح لنقابة المهندسين (أي باش مهندس «قد الدنيا» كما يُقال في الأفلام المصرية القديمة). وهو جال على سمير جعجع وعلى حزب الكتائب طالباً البركة. لعلّه لم يقرأ كتاب والده، الشيخ عبد الله العلايلي بعنوان «دستور العرب القومي». والعلايلي هذا بات من دعاة السيادة هو الآخر. نسي كيف جرّ والده وهو عليل إلى القرداحة لتعزية عائلة الأسد. وفي زيارته لحزب الكتائب، هل سألهم عن كيفية تخريب عناصر كتائبية مكتبة والده النفيسة في حي بيضون؟ لكن، إذا كانت الحرب الأهلية لم تقع، فعمَّ اعتذر محسن إبراهيم؟
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا
(موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)