strong>انتهى عصر الأحادية القطبية الأميركية، وستحدّد اللاقطبية العلاقات الدولية في القرن الواحد والعشرين. وسوف تتوزع القوة بدلاً من أن تتركّز، ويتراجع تأثير الدول ـــ الأمم مع تزايد تأثير الفاعلين في العلاقات الدولية من غير الدول. ولكن هذا ليس خبر سوء بالنسبة إلى الولايات المتحدة؛ فلا تزال واشنطن قادرة على إدارة الانتقال وجعل العالم مكاناً أكثر أماناً
ريتشارد هاس
يتّضح أنّ الميزة الرئيسة للعلاقات الدولية في القرن الواحد والعشرين هي اللاقطبية: عالم لا تهيمن عليه دولة أو اثنتان أو عدة دول حتى، بل عشرات الفاعلين الذين يمتلكون أنواعاً مختلفة من القوة ويمارسونها. ويمثّل ذلك تحوّلاً بالغ التأثير بالنسبة إلى الماضي. تميزت بداية القرن العشرين بتعددية قطبية. لكن بعد حوالى 50 سنة وحربَين عالميتَين والعديد من النزاعات الأصغر منهما، برز نظام اتّصف بثنائية قطبية. ثمّ، مع نهاية الحرب الباردة وزوال الاتحاد السوفياتي، حلت محل الثنائية القطبية أحادية قطبية ـــــ أي نظام دولي تهيمن عليه قوة واحدة، هي الولايات المتحدة في هذه الحالة. ولكن القوة موزّعة، وتثير بداية عصر اللاقطبية عدداً من الأسئلة المهمة. فكيف تختلف اللاقطبية عن أشكال النظام العالمي الأخرى؟ لماذا وكيف أصبحت واقعاً؟ وما هي نتائجها المحتملة؟ وكيف يجب أن يكون ردّ فعل الولايات المتحدة؟
نظام عالمي أجدّ
على عكس التعددية القطبية، التي تتضمن عدة أقطاب أو تركّزات مختلفةً للقوة، يتميز النظام اللاقطبي الدولي بوجود مراكز عديدة تتمتع بقوة كبيرة. ما من قوة مهيمنة في النظام المتعدد الأقطاب، إلّا وتحوّلت إلى نظام أحادي القطبية. ولا تتمحور تركّزات القوة حول موقعَين، وإلّا أضحى النظام ثنائي القطبية. يمكن أن تكون الأنظمة المتعددة الأقطاب متعاونة، ويُفترض بها حتى أن تتخذ شكل اتحاد قوى يعمل فيه عدد صغير من القوى الكبرى، بعضه مع بعضه الآخر، لتحديد قواعد اللعبة وتأديب من يخرقها. وقد تكون أكثر تنافسية فتتمحور حول توازن للقوة، أو متنازعة عندما يختلّ التوازن.
للوهلة الأولى، قد يبدو عالم اليوم متعدد الأقطاب. فالقوى الكبرى ـــــ الصين والاتحاد الأوروبي والهند واليابان وروسيا والولايات المتحدة ـــــ تضم أكثر بقليل من نصف عدد سكان العالم، وتعدّ 75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و80 في المئة من الإنفاق الدفاعي العالمي. غير أنّ المظاهر قد تكون مخادعة. فعالم اليوم يختلف جوهرياً عن عالم التعددية القطبية التقليدية: فثمة مراكز قوة أكثر بكثير، وعدد من هذه الأقطاب ليس دولاً ـــــ أمماً. وتتمثل أبرز ميزات النظام الدولي المعاصر طبعاً بأنّ الدول ـــــ الأمم فقدت احتكارها للقوة وتفوّقها في بعض المجالات أيضاً. فالدول تواجه تحديات من أعلى تمثّلها المنظمات الإقليمية والعالمية؛ ومن أسفل مصدرها الميليشيات؛ ومن الجانب تطلقها منظمات غير حكومية وشركات. فقد صارت القوة اليوم في قبضة أيادٍ عديدة في أمكنة عديدة.
إضافةً إلى القوى العالمية الكبرى الست، ثمة قوى إقليمية عديدة: البرازيل، ودول أخرى قد يكون اعتبارها من هذه القوى الإقليمية مسألة قابلة للنقاش، وهي الأرجنتين والتشيلي والمكسيك وفنزويلا في أميركا اللاتينية؛ نيجيريا وأفريقيا الجنوبية في أفريقيا؛ مصر وإيران وإسرائيل والمملكة العربية السعودية في الشرق الأوسط؛ الباكستان في جنوب آسيا؛ أوستراليا وإندونيسيا وكوريا الجنوبية في شرق آسيا وأوقيانيا. وتضم لائحة مراكز القوة عدداً لا يُستهان به من المنظمات، بما فيها العالمية (صندوق النقد الدولي، والأمم المتحدة والبنك الدولي)، والإقليمية (الاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، ورابطة شعوب جنوب شرق آسيا، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة الدول الأميركية ورابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي)، وتلك المحدّدة المهمة (وكالة الطاقة الدولية، والأوبيك، ومنظمة شانغهاي للتعاون ومنظمة الصحة العالمية). وتشمل كذلك ولايات ضمن الدول ـــــ الأمم مثل كاليفورنيا وأتار راديش، ومدناً مثل نيويورك وساو باولو وشانغهاي. ثم هناك الشركات العالمية الكبيرة، بما فيها تلك التي تسيطر على عوالم الطاقة والمال والصناعة. أما المؤسسات الأخرى التي تستحق أن تُدرج هنا، فهي وسائل الإعلام العالمية (الجزيرة، وهيئة الإذاعة البريطانية ومحطة السي أن أن)، والميليشيات (حماس، وحزب الله، وجيش المهدي وحركة طالبان)، والأحزاب السياسية، والمؤسسات، والحركات الدينية، والمنظمات الإرهابية (القاعدة)، واتحاد تجار المخدرات، ومنظمات غير حكومية من نوع أقل خطورة (مؤسسة بيل وميليندا غايتس، وأطباء بلا حدود، ومنظمة السلام الأخضر). فعالم اليوم يصبح بشكل متزايد عالماً تتوزّع فيه القوة بدلاً من أن تتركّز في موقع واحد.
تمثّل الولايات المتحدة أكبر تجمّع منفرد للقوة في هذا العالم، وستبقى كذلك حتى أمد بعيد. فهي تنفق أكثر من 500 مليار دولار سنوياً على قواتها العسكرية ـــــ وأكثر من 700 مليار إذا ضُمّت إليها العمليات في أفغانستان والعراق ـــــ وتمتلك قوات برية وجوية وبحرية هي الأقدر في العالم. أما اقتصادها، الذي يبلغ ناتجه المحلي الإجمالي 14 تريليون دولار، فهو الأكبر في العالم. كما تمثّل الولايات المتحدة مصدراً رئيساً للثقافة (عبر الأفلام والتلفزيون) والإعلام والابتكار. لكن حقيقة القوة الأميركية يجب ألّا تحجب التراجع النسبي لموقع الولايات المتحدة في العالم ـــــ ومع هذا التراجع النسبي للقوة تراجع مطلق في التأثير والاستقلالية. فقد انخفضت حصة الولايات المتحدة من الواردات العالمية بنسبة 15 في المئة حتى الآن. وعلى الرغم من أنّ ناتجها المحلي الإجمالي يمثّل أكثر من 25 في المئة من مجمل الناتج العالمي، فمن المؤكد أنّ هذه النسبة ستنخفض مع الوقت نظراً إلى الفارق الحالي والمتوقع بين معدل نموّ الولايات المتحدة ومعدلات نمو الدول العملاقة الآسيوية والعديد من الدول الأخرى، علماً أنّ عدداً كبيراً منها ينمو بمعدل يبلغ ضعفَي أو ثلاثة أضعاف معدل نمو الولايات المتحدة.
لا يكاد الناتج المحلي الإجمالي يكون الدليل الوحيد على زوال الهيمنة الاقتصادية الأميركية. فنشوء صناديق الثروة السيادية ـــــ في دول مثل الصين والكويت وروسيا والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارت المتحدة ــــــ هو دليل آخر. فقد أصبحت القيمة الإجمالية لخزانات الثروة هذه الخاضعة لسيطرة الحكومة تبلغ اليوم 3 تريليون دولار، علماً أنّ معظمها تأتّى عن عمليات تصدير النفط والغاز. وهي تنمو بمعدل متسارع يبلغ تريليون سنوياً، وتمثّل مصدر سيولة متزايد الأهمية بالنسبة إلى الشركات الأميركية. فأسعار الطاقة المرتفعة، التي يغذيها بشكل رئيس ارتفاعُ الطلب الصيني والهندي المفاجئ، ستبقى لبعض الوقت، ما يعني أن حجم هذه الصناديق وأهميتها سيستمران في التنامي. وتبرز بورصات بديلة تتقدم على شركات من البورصات الأميركية، حتى إنها تطلق عروضاً أولية للاكتتاب العام. لندن خصوصاً تنافس نيويورك على تبوأ المركز المالي العالمي، وقد سبقتها من زاوية عدد الاكتتابات التي سُجّلت فيها. وضعف الدولار أمام اليورو والجنيه الاسترليني، ومن المرجح أن تتراجع قيمته بالنسبة إلى العملات الآسيوية أيضاً. وصارت معظم ممتلكات العالم بالعملات الأجنبية اليوم، بعملات غير الدولار. أما الخطوة الهادفة إلى تعيين اليورو أو مجموعة عملات أجنبية كعملات للمتاجرة بالنفط، فهي واردة، ومن شأنها أن تزيد من ضعف الاقتصاد الأميركي أمام التضخم وأزمات العملة أيضاً.
يواجه التفوق الأميركي أيضاً تحديات في مجالات أخرى، مثل الفعّاليّة العسكرية والدبلوماسية. فإجراءات الإنفاق العسكري ليست كإجراءات القدرة العسكرية. وقد أظهر 11 أيلول/سبتمبر كيف أنّ توظيف مبلغ ضئيل من المال يقوم به إرهابيون قادر على التسبّب بمستويات رهيبة من الأضرار البشرية والمادية. والعديد من القطع الأغلى ثمناً بين الأسلحة الحديثة ليس مفيداً جداً في النزاعات الحديثة حيث تحل محل ساحات المعارك التقليدية مناطق قتالية مدينية. ففي مثل هذه البيئات، يمكن أن تُثبت أعداد كبيرة من الجنود المدججين بأسلحة خفيفة أنها فعّالة أكثر من أعداد أصغر من الجنود الأميركيين الذين تلقّوا مستوى عالياً من التدريب ويحملون أسلحة أفضل.
يتضاءل الارتباط بين القوة والنفوذ في عصر اللاقطبية. وسوف تميل دعوات الولايات المتحدة إلى الآخرين ليقوموا بإصلاحات إلى الوقوع في آذان صماء، ويقل عدد الذين تستطيع الولايات المتحدة أن ترشوهم ببرامج المساعدة الأميركية، كما تعجز العقوبات المفروضة بإدارة الولايات المتحدة عن تحقيق ما كانت تحقّقه. ففي النهاية، أثبتت الصين أنها البلد الأقوى تأثيراً في برنامج كوريا الشمالية النووي. وتعززّت قدرة واشنطن على الضغط على طهران بمشاركة العديد من الدول الأوروبية الغربية ـــــ وضعفت بامتناع الصين وروسيا عن فرض عقوبات على إيران. وقامت كل من بايجينغ وموسكو بالتخفيف من المساعي الدولية للضغط على حكومة السودان من أجل إنهاء حربها في دارفور. في هذه الأثناء، أظهرت الباكستان تكراراً قدرة على مقاومة استعطافات الولايات المتحدة، كما فعلت إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا والزيمبابواي.
ويمتدّ هذا الاتجاه أيضاً ليشمل عالمَي الثقافة والإعلام. فبوليوود تنتج أفلاماً أكثر من هوليوود سنوياً، وتتضاعف البدائل عن المحطات التلفزيونية التي تُنتج وتُبث أميركياً، وتمثّل مواقع وصحف إلكترونية من دول أخرى منافسةً متزايدة للأخبار والتعليقات المنتجة في الولايات المتحدة. ويُعدّ تكاثر وسائل الإعلام سبباً للاقطبية يضاهي تكاثر الأسلحة.
وداعاً للأحادية القطبية
كان تشارلز كراوتمر على حق أكثر مما يعي عندما كتب في هذه الصفحات منذ حوالى عقدين من الزمن ما أطلق عليه تسمية «لحظة الأحادية القطبية». في ذلك الوقت، كانت الهيمنة الأميركية حقيقية. لكنها لم تدم إلا حوالى 15 أو 20 سنة، فكانت لحظة من الزاوية التاريخية. وقد تنبأت النظرية الواقعية التقليدية بنهاية الأحادية القطبية وبزوغ فجر عالم متعدد الأقطاب. ووفقاً لاتجاه التفكير هذا، فإنّ القوى العظمى، عندما تتصرف كقوى عظمى أو تعتاد التصرف بهذا الشكل، تثير منافسة من آخرين يخشونها أو يكرهونها. وقد كتب كراوتمر الذي يؤيد هذه النظرية بالتحديد «لا شكّ في أنّ التعددية القطبية ستأتي في النهاية. ربما بعد جيل أو أكثر، سوف تنشأ قوى عظمى توازي الولايات المتحدة، ويكون العالم، بنيوياً، شبيهاً بما كان عليه في الحقبة التي سبقت الحرب العالمية الأولى».
إلّا أنّ ذلك لم يحدث. وعلى الرغم من انتشار العداء لأميركا انتشاراً واسعاً، لم تبرز قوة عظمى أو مجموعة قوى عظمى منافسة تتحدى الولايات المتحدة. ويعود ذلك جزئياً إلى أنّ الفارق بين قوة الولايات المتحدة وقوة أي منافسين محتملين لها كبير للغاية. مع الوقت، قد تتمكن دول مثل الصين من امتلاك ناتج محلي إجمالي مشابه للذي تمتلكه الولايات المتحدة. ولكن في حالة الصين هذه، سوف يجري امتصاص قدر كبير من هذه الثروة حتماً لتأمين مقومات الحياة لشعب البلاد الهائل العدد (ولا يزال قسم كبير منه في حالة فقر)، ولن يتوافر لتمويل التطوير العسكري أو المهمات الخارجية. كما أنّ المحافظة على الاستقرار السياسي في مرحلة تتصف بمثل هذا النموّ الديناميكي غير المتوازي لن تكون بالإنجاز السهل. وتواجه الهند العديد من التحديات الديموغرافية ذاتها، وإضافةً إليها تعوقها بيروقراطية مفرطة وبنية تحتية صغيرة للغاية. أما الاتحاد الأوروبي، فيفوق ناتجه المحلي الإجمالي الآن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، لكن الاتحاد الأوروبي لا يعمل بالطريقة الموحدة التي تعمل بها الدولة ـــــ الأمة، ولا هو قادر أو ميال إلى العمل بالطريقة الحازمة التي تتصرف بها القوى العظمى التاريخية. اليابان من جهته، يعاني عددَ سكان آخذاً في التقلص وترتفع فيه نسبة الشيخوخة، كما يفتقد الثقافة السياسية لتأدية دور قوة عظمى. قد تكون روسيا أكثر ميلاً إلى ذلك، ولكن اقتصادها لا يزال يقوم على المحاصيل النقدية إلى حد بعيد، ويؤخرها تراجع في عدد السكان وصعوبات داخلية تواجه تماسكها.
لم يحدث التنافس التقليدي بين القوى العظمى ولا يُرجّح أن ينشأ في أي وقت قريب، ويعود هذا الواقع جزئياً أيضاً إلى سلوك الولايات المتحدة التي لم تثر ردّ فعل كهذا. لا يُقصد بهذا الكلام القول إنّ الولايات المتحدة، بقيادة جورج بوش، لم تكسب عداء دول أخرى؛ بل كسبته طبعاً. غير أنها بالإجمال لم تتصرف بشكل حثّ دولاً أخرى على الاستنتاج بأنّ الولايات المتحدة تمثّل تهديداً لمصالحها الوطنية الحيوية. إنّ الشكوك في حكمة سياسة الولايات المتحدة الخارجية ومشروعيتها شائعة الانتشار، لكنّ ذلك دفع عدداً أكبر من الناس إلى إطلاق التنديدات (والامتناع عن التعاون) بدلاً من المقاومة الصريحة. صعوبة إضافية حالت دون بروز المنافسات بين القوى العظمى وتمثّلت باعتماد العديد من القوى الكبرى الأخرى على النظام الدولي من أجل رفاهها الاقتصادي واستقرارها السياسي. فهي بالتالي لا تريد الإخلال بنظام يخدم مصالحها الوطنية. وترتبط تلك المصالح ارتباطاً وثيقاً بتدفقات السلع والخدمات والبشر والطاقة والاستثمار والتكنولوجيا عبر الحدود ـــــ تدفقات تؤدّي فيها الولايات المتحدة دوراً مهماً. إنّ التكامل مع العالم الحديث يضعف المنافسة والنزاع بين القوى العظمى.
ولكن حتى لو لم تنشأ المنافسات بين القوى العظمى، فقد انتهت الأحادية القطبية. وتبرز ثلاثة تفسيرات لزوالها؛ التفسير الأول تاريخي. فالدول تتقدم؛ إنّها تتحسن في توليد وتجميع الموارد البشرية والمالية والتكنولوجية التي تؤدي إلى الإنتاجية والازدهار. وينطبق الكلام ذاته على الشركات والمؤسسات الأخرى. ولا يمكن إيقاف نشوء هذه القوى الجديدة، فينتج من ذلك عدد متزايد أبداً من الفاعلين القادرين على التأثير إقليمياً أو عالمياً. السبب الثاني، هو سياسة الولايات المتحدة. اقتباساً عن كلام شخصية بوغو التي ابتكرها الكاريكاتوري والت كيلي، الشخصية التي كانت البطل الهزلي في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، واجهنا التفسير وهو نحن. فالولايات المتحدة، بما قد فعلته وما فشلت في فعله، سرّعت ظهور مراكز قوة بديلة في العالم وأضعفت موقعها الخاص بالنسبة إليها. ومثّلت سياسة الطاقة الأميركية (أو غيابها) قوة دافعة كانت وراء نهاية الأحادية القطبية. فمنذ أزمات النفط الأولى في السبعينات، ازداد استهلاك الولايات المتحدة من النفط بنسبة 20 في المئة تقريباً، والأهم من هذا أنّ حجم الواردات الأميركية من المنتجات النفطية ارتفع بنسبة جاوزت الضعف، ويكاد معدل استهلاكها يتضاعف. وقد ساعدت زيادة الطلب على النفط الأجنبي هذه على ارتفاع السعر العالمي للنفط من 20 دولاراً فقط للبرميل إلى ما يفوق 100 دولار للبرميل في أقل من عقد من الزمن. وكانت النتيجة تحوّلاً هائلاً للثروات والفعالية إلى تلك الدول التي تمتلك احتياطات الطاقة. باختصار، ساعدت سياسة الطاقة الأميركية على بروز منتجي النفط والغاز كمراكز قوى أساسية.

ماذا سيلي الهيمنة الأميركية؟أسهمت الحرب في العراق أيضاً في إضعاف موقع الولايات المتحدة في العالم. فقد تبيّن أن هذه الحرب مكلفة بامتياز ـــــ عسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً، وكذلك الأمر من الناحية البشرية. منذ سنوات، لخّص المؤرخ بول كينيدي فرضيته المتعلقة بـ«التوسع الإمبريالي المفرط» التي افترضت أن الولايات المتحدة سوف تضعف في النهاية بسبب إفراطها في التوسع، تماماً كما فعلت قوى عظمى أخرى في التاريخ. وتبين أنّ نظرية كينيدي انطبقت بشكل شبه مباشر على الاتحاد السوفياتي، ولكن ثبت أيضاً أنّ الولايات المتحدة ـــــ مع كل آلياتها وديناميكيتها الإصلاحية ـــــ غير منيعة. وليست المسألة مسألة أنّ الجيش الأميركي سيحتاج إلى جيل للتعافي من آثار حرب العراق وحسب؛ بل إنّ الولايات المتحدة أيضاً تفتقد الموارد العسكرية الكافية لمواصلة القيام بما تفعله في العراق، وطبعاً لا تحتمل أعباء جديدة على أي مستوى في مكان آخر.
وأخيراً، ليس عالم اليوم اللاقطبي نتيجة فقط لنشوء دول ومنظمات أخرى، أو نتيجة للخطوات الفاشلة والجنونية التي قامت بها السياسة الأميركية. إنّه أيضاً نتيجة حتمية للعولمة. فقد زادت العولمة من حجم وسرعة وأهمية التدفقات عبر الحدود، تدفقات كل شيء تقريباً بدءاً بالمخدرات والبريد الإلكتروني وغازات الدفيئة والسلع المصنّعة والبشر وصولاً إلى ذبذبات التلفزيون والراديو والفيروسات (الحقيقية أو التي تصيب الكومبيوتر) والأسلحة.
إنّ العولمة تعزز اللاقطبية بطريقتين رئيستين. أولاً، يجري العديد من التدفقات عبر الحدود خارج سيطرة الحكومات ومن دون معرفتها. ونتيجةً لذلك، تخفف العولمة من تأثير القوى الكبرى. وثانياً، غالباً ما تعزز التدفقات نفسها قدرات الفاعلين من غير الدول، مثل مستوردي الطاقة (الذين تزداد ثرواتهم بشكل كبير بسبب التحويلات من المستوردين)، والإرهابيين (الذين يستخدمون شبكة الإنترنيت لتجنيد الأعضاء وتدريبهم، والنظام المصرفي الدولي لنقل الموارد، ونظام النقل الدولي لنقل البشر)، والدول التي تهدد السلم العالمي (التي تستطيع استغلال السوقَين الأسود والرمادي) والشركات المدرجة في قائمة فورتشون 500 (التي تحرك الموظفين والاستثمارات بسرعة). ويتضح أكثر فأكثر أنّ كون بلد ما البلد الأقوى لم يعد يعني شبه احتكاره للقوة. فقد أصبح اليوم أسهل من أي وقت مضى اكتساب الأفراد والمجموعات قوة حقيقية وإظهارها.
الفوضى اللاقطبية
سيترك العالم اللاقطبي بشكل متزايد انعكاسات، سلبية بغالبيتها، على الولايات المتحدة، وعلى قسم كبير من سائر العالم أيضاً. فسيصعّب على واشنطن تولي القيادة في تلك الظروف التي تحاول فيها الحث على القيام بردود فعل جماعية بوجه التحديات الإقليمية والعالمية. ويرتبط أحد أسباب ذلك بحسابات بسيطة. فبوجود هذا العدد الكبير من الفاعلين الذين يتمتعون بقوة فعالة ويحاولون إثبات تأثيرهم، سيكون من الأصعب تكوين ردود جماعية ودفع المؤسسات إلى العمل. فأن يرعى امرؤ عشرات، أصعب من أن يرعى بضعاً فقط. وليس العجز عن التوصل إلى اتفاق في المحادثات التي جرت في خلال مؤتمر التجارة العالمية في الدوحة إلا مثالاً بليغاً عن ذلك. وستزيد اللاقطبية أيضاً عدد التهديدات واحتمالات التضرر التي تواجهها دولة مثل الولايات المتحدة. قد تتخذ هذه التهديدات شكل دول تهدد السلم العالمي، أو مجموعات إرهابية، أو منتجي طاقة يعمدون إلى تخفيض الإنتاج، أو مصارف مركزية يمكن لعملها أو امتناعها عن العمل أن ينشئا ظروفاً تؤثر في دور الدولار الأميركي وقوته. قد يتوجب على الاحتياطي الفدرالي أن يفكر مرتين قبل مواصلة خفض معدلات الفائدة، خوفاً من تسريع خطوة إضافية باتجاه الابتعاد عن الدولار. فقد تحدث أمور أسوأ من الركود.
إيران هي حالة ذات صلة. فمساعيها للتحول إلى قوة نووية هي نتيجة اللاقطبية. وبفضل الارتفاع المفاجئ في أسعار النفط بشكل خاص، تحولت إلى مركز مهم آخر للقوة، مركز قادر على التأثير في العراق ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية، وأكثر من هذا كله، قادر على التأثير أيضاً في الأوبيك. وهي تمتلك العديد من الموارد التكنولوجية والمالية، وتتوافر أسواق عدة لصادراتها من الطاقة. وبسبب اللاقطبية، لا تستطيع الولايات المتحدة معالجة قضية إيران بمفردها، لا بل تعتمد واشنطن على آخرين لدعم العقوبات السياسية والاقتصادية، أو منع وصول إيران إلى التكنولوجيا والمواد النووية. فاللاقطبية تولّد
اللاقطبية.
ومع ذلك، حتى لو كانت اللاقطبية محتومة، ليست الصفة المميّزة لها بالمحتومة. اقتباساً عن كلام هيدلي بول، المنظّر في العلاقات الدولية، إنّ السياسات العالمية، في أي مرحلة من المراحل، هي مزيج من الفوضى والمجتمع. والمسألة مسألة توازن واتجاه. يمكن القيام بخطوات كثيرة لصياغة شكل العالم اللاقطبي، ويجب القيام بذلك. فالنظام لن ينشأ بمفرده، لا بل على العكس، ستزداد الفوضى في العالم اللاقطبي مع الوقت إذا تُرك يعمل على هواه. فالانهيار يقضي بأن تتجه الأنظمة المؤلفة من عدد كبير من الفاعلين نحو المزيد من العشوائية والفوضى في غياب التدخل الخارجي.
تستطيع الولايات المتحدة أن تقوم بخطوات للتقليل من فرص تحوّل عالم لاقطبي إلى حالة فوضى، ينعدم فيها الاستقرار، ويتوجب عليها أن تفعل ذلك. ليست هذه دعوة إلى العمل من طرف واحد؛ بل دعوة إلى الولايات المتحدة لترتيب منزلها الداخلي. لقد أصبحت الأحادية القطبية أمراً من الماضي، ولكن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بقدرة تفوق قدرة أي فاعل آخر على تحسين نوعية النظام الدولي. والسؤال هو عما إذا كانت ستستمر بامتلاك مثل هذه القدرة.
الطاقة هي القضية الأهم. فالمستويات الحالية الأميركية من الاستهلاك والواردات، (بالإضافة إلى تأثيرها السلبي على المناخ العالمي)، تغذي اللاقطبية عبر تأمين موارد مالية كبيرة لمنتجي النفط والغاز. وسيخفف خفض الاستهلاك الضغط على الأسعار العالمية، ويقلل من ضعف الولايات المتحدة أمام التلاعب بالسوق الذي يقوم به تجار النفط، ويبطّئ من سرعة التغير المناخي. والنبأ السار أنّه يمكن إتمام ذلك من دون إلحاق ضرر بالاقتصاد الأميركي.
تعزيز الأمن الوطني مسألة ضرورية أيضاً. والإرهاب، كالمرض، لا يمكن استئصاله. فسيكون هناك دوماً أشخاص لا يستطيعون الاندماج في المجتمعات، يسعون إلى تحقيق أهداف يتعذر تحقيقها بواسطة السياسات التقليدية. وسوف ينجح الإرهابيون أحياناً، على الرغم من المساعي القصوى التي يبذلها المؤتمنون على الأمن القومي. فالمطلوب إذاً هو خطوات تجعل المجتمع أكثر طواعية، وهو أمر يتطلب تأمين الموارد المناسبة وتدريب المستجيبين لحالات الطوارئ، وبنية تحتية أكثر مرونة ومتانة. وينبغي أن يكون الهدف هو الحد من تأثير حتى الهجمات الناجحة.
قد تكون مقاومة الانتشار الإضافي للأسلحة النووية والمواد النووية غير المحمية على القدر ذاته من الأهمية التي تكتسبها أي مجموعة من المهام الأخرى، وذلك نظراً إلى قدرتها التدميرية. فعبر إقامة مصارف لليورانيوم المخصب أو الوقود المستهلك، توضع تحت إدارة دولية وتمكّن الدول من الوصول إلى مواد نووية حساسة، قد يستطيع المجتمع الدولي مساعدة هذه الدول على استخدام الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء بدلاً من القنابل. ويمكن تأمين ضمانات أمنية وأنظمة دفاعية للدول التي تشعر بأنّها، من دون هذين الإجراءين، مجبرة على تطوير برامج نووية بمفردها من أجل مواجهة برامج جيرانها النووية. ويمكن أيضاً اعتماد عقوبات صارمة، تدعمها قوة مسلحة أحياناً، من أجل التأثير في الدول الراغبة في أن تصبح نووية.
وعلى الرغم من ذلك، تبقى مسألة استخدام القوة العسكرية لتدمير قدرات الأسلحة النووية أو البيولوجية. الضربات الوقائية، وهي غارات تهدف إلى وضع حد لخطر داهم، مقبولة إلى حد كبير، باعتبارها أحد أشكال الدفاع عن النفس. يجب ألا تُستبعد كقضية مبدئية، كما يجب ألا يُعتمد عليها. أبعد من مسألة قابلية التحقيق، تواجه الضربات الوقائية خطراً يتمثل بجعلها العالم اللاقطبي أقل استقراراً، لأنّها قد تشجع عملياً تكاثر الأسلحة (قد ترى الحكومات تطوير الأسلحة النووية أو الحصول عليها قوة رادعة)، وأيضاً لأنها ستضعف القاعدة القائمة بثبات منذ أمد بعيد، وهي معارضة استخدام القوة لأهداف غير الدفاع عن الذات.
إنّ مكافحة الإرهاب ضرورية أيضاً، لكي لا يتحول عصر اللاقطبية إلى عصور ظلام حديثة. وثمة طرائق عديدة لإضعاف المنظمات الإرهابية القائمة، وذلك عبر استخدام الاستخبارات ووسائل تنفيذ القانون والقدرات العسكرية. لكنّ هذه اللعبة لعبة خاسرة، إلاّ إذا أمكن القيام بعمل ما لخفض التجنيد. فينبغي على الأهل والشخصيات الدينية والزعماء السياسيين أن ينزعوا صفة الشرعية عن الإرهاب، عبر إشعار الذين يعتنقونه بالخزي والعار. والأهم من هذا، يتوجب على الحكومات أن تجد طرائق لدمج الشبان والشابات العدائيين في مجتمعاتهم، وهو أمر لا يمكن أن يحدث بغياب الظروف السياسية والاقتصادية
الملائمة.
قد تمثّل التجارة وسيلة اندماج فعالة، فهي تمنح الدول مصلحة في تجنب النزاع، لأنّ عدم الاستقرار يعطّل التدابير التجارية المربحة التي تزيد الثروة وتعزز أسس نظام سياسي داخلي. وإنّ التجارة تسهل النموّ، وبالتالي تقلل من احتمالات فشل الدولة وعداء المواطنين. ويجب توسيع نطاق منظمة التجارة العالمية عبر اتخاذ تدابير عالمية مستقبلية، تنظّم الإعانات المالية والحواجز الضرائبية وغير الضرائبية في آن معاً. وبناء الدعم السياسي الداخلي لمثل هذه التدابير في الدول النامية سيتطلب، على الأرجح، توسيع العديد من شبكات الأمان، بما فيها بطاقات العناية الصحية المحمولة، وحسابات التقاعد، والتربية، والمساعدة على التدريب، والتأمين على الراتب. إنّ إصلاحات السياسة الاجتماعية هذه مكلفة وغير مضمونة في بعض الأحيان (يُرجَّح أن يكون سبب فقدان الوظيفة ابتكاراً تقنياً أكثر بكثير من منافسة خارجية)، ولكنها، مع ذلك، تستحق أن تؤمّن، نظراً إلى الأهمية الإجمالية الاقتصادية والسياسية التي يكتسبها توسيع نظام التجارة العالمي.
قد تبرز ضرورة بذل مستوى مشابه من الجهود من أجل ضمان استمرار تدفق الاستثمار. ويجب أن يكون الهدف إنشاء منظمة استثمار عالمية تشجع تدفق رأس المال عبر الحدود للحدّ، إلى أقصى درجة، من احتمالات اعتراض «الحمائية الاستثمارية» سبيل نشاطات هي، مثل التجارة، تؤمن فائدة اقتصادية وتنشئ حصوناً سياسية بوجه عدم الاستقرار. ويمكن لمنظمة استثمار دولية أن تشجع الشفافية من قبل المستثمرين، وأن تقرر متى يكون الأمن القومي سبباً شرعياً لمنع الاستثمار الأجنبي أو الحدّ منه، وأن تنشئ آلية لحل الخلافات.
وأخيراً، تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز قدرتها على الحؤول دون فشل الدولة ومعالجة نتائجه. وسيتطلب ذلك بناء قوات عسكرية أكبر، وبناء نظام يمتلك قدرة أكبر على معالجة نوع التهديدات التي تُواجَه في أفغانستان والعراق. بالإضافة إلى ذلك، يعني ذلك إقامة نسخة مدنية عن القوات الاحتياطية العسكرية تؤمن مجموعة من القدرات البشرية، من أجل المساعدة على المهام الأساسية في بناء الدولة. وستكون مواصلة المساعدة الاقتصادية والعسكرية حيوية لإعانة الدول الضعيفة على النهوض بمسؤولياتها تجاه مواطنيها وجيرانها.
القوة العظمى غير المستوحدة جداً
سيكون العمل المتعدد الأطراف ضرورياً لتولي أمور عالم لاقطبي. ولكن يجب أن يُعاد تكوينه ليشمل فاعلين غير القوى العظمى، بغية تحقيق النجاح. فينبغي أن يُعاد تكوين مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجموعة الثماني (مجموعة الدول الصناعية الكبرى) لكي يعكسا عالم اليوم لا عالم حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد قدم نموذجاً عن ذلك اجتماعٌ عُقد أخيراً في الأمم المتحدة بشأن الطريقة الفضلى لتنسيق ردود الفعل العالمية حيال التحديات التي تواجه الصحة العامة. فقد حضره ممثلون عن الحكومات، ووكالات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية، وشركات الأدوية، والمؤسسات، وخلايا التفكير والجامعات. وحضرت مجموعة مشابهة من المشاركين اجتماع بالي الذي عُقد في كانون الأول/ديسمبر 2007 بشأن موضوع تغير المناخ. وينبغي أن تكون تعددية الأطراف أقل شكلية وشمولية، في مراحلها الأولى على الأقل. وستكون الشبكات ضرورية، مثلها مثل المنظمات. وستزداد صعوبة نيل رضى الجميع على كل الأمور؛ فيجب على الولايات المتحدة، بدلاً من ذلك، التفكير في توقيع اتفاقيات مع عدد أقل من الأطراف لأهداف أكثر تحديداً. وتمثّل التجارة نموذجاً في هذا السياق، إذ إنّ الاتفاقيات الثنائية والإقليمية تملأ الفراغ الذي ينشئه فشل في عقد اتفاق بشأن التجارة العالمية. وقد تكون المقاربة نفسها فعالة بالنسبة إلى تغير المناخ، حيث قد تثبت اتفاقية تشمل جوانب من المشكلة (لنقل، اجتثاث الأشجار) أو تدابير تتعلق ببعض الدول فقط (مثل الدول الكبرى التي ينبعث منها الكاربون) أنّها قابلة للتطبيق، في حين أنّ اتفاقية تشمل كل الدول وتحاول حلّ كل المسائل قد تظهر غير قابلة للتطبيق. يُرجح أن يكون العمل المتعدد الأطراف الانتقائي هو السمة المميزة.
إنّ اللاقطبية تعقّد الدبلوماسية. فالعالم اللاقطبي لا يتضمن عدداً أكبر من الفاعلين وحسب، بل يفتقد أيضاً البنى والعلاقات الثابتة التي يمكن التنبؤ بهما، وهما تحدّدان عوالم الأحادية أو الثنائية أو التعددية القطبية. وبشكل خاص، ستفقد التحالفات قدراً كبيراً من أهميتها، ولو كان السبب فقط أنّها تتطلب تهديدات وتوقعات وواجبات، ويُرجّح ألاّ تتوافر بكثرة في عالم لاقطبي. عوضاً من ذلك، ستصبح العلاقات أكثر انتقائية ورهناً بالأوضاع. وسوف يصعب أكثر تصنيف الدول الأخرى، إما كحليفة أو كعدوة؛ فالدول سوف تتعاون في بعض القضايا، ويقاوم بعضُها بعضَها الآخر في قضايا أخرى. سوف يُنظر بعين التقدير إلى بناء الائتلافات وإلى الدبلوماسية التي تشجع التعاون عند الإمكان، وتحمي ذلك التعاون من انعكاسات الاختلافات الحتمية. ستفقد الولايات المتحدة القدرة على القول «إمّا أن تكون معنا أو تكون ضدنا» في السياسة الخارجية.
سوف تكون اللاقطبية صعبة وخطيرة. ولكن تشجيع تحقيق درجة أكبر من التكامل العالمي سيساعد على تعزيز الاستقرار. وستُعدّ إقامة مجموعة مركزية من الحكومات وغيرها من الملتزمين بتعددية الأطراف التعاونية، خطوة عظيمة إلى الأمام. سموها «لاقطبية متّفقاً عليها». وهي لن تلغي اللاقطبية، بل ستساعد على إدارتها وتعزز احتمالات عدم انهيار النظام الدولي أو تفككه.
* رئيس مجلس العلاقات الخارجيّة في نيويورك
(عن مجلّة «فورين أفيرز ــ
ترجمة جورجيت فرشخ فرنجية)