المواجهة الفعليّة تبدأ بمنع تغطية الشعوب لأنظمتهاعامر ملاعب
ما هو التطبيع وما هي حقيقة هذه اللفظة أو المرادفة، لغويّاً على الأقلّ؟ ماذا نعني بكلمة تطبيع على أرض الواقع؟ أين هي الحدود أو الأطر التي نضعها في خانة التطبيع وما هي تلك المفاهيم التي تخضع لهذا العنوان؟
انطلاقاً من هذه الأسئلة يمكن أن نصنّف بحثاً أكاديمياً رصيناً تكلّف عليه مؤلّفوه الجهد الكبير كي يستجمع بين دفّتيه معظم نواحي هذا الأمر في مناسبة مفصلية من تاريخ الأمّة العربية والمنطقة. ويأتي كتاب «مقاومة التطبيع: ثلاثون عاماً من المواجهة» بعد مرور ثلاثين عاماً على زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى إسرائيل في تشرين الثاني عام 1977، التي فتحت مفهوماً جديداً في علوم السياسة وهو باب «التطبيع» مع إسرائيل على مصراعيه، فدلف منه العديد من النظم العربية فرادى وجماعات عبر المفاوضات الثنائية والمتعدّدة الأطراف، ومن خلال الاتفاقيات والتفاهمات الجانبية مع الكيان الإسرائيلي. ومن الواضح أن مفهوم التطبيع يكاد يكون محصوراً في خانة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أي إنّ معركة تثبيت الكيان الوليد على أرض فلسطين لن يُكتَب لها النجاح إلا بتطبيق مفهوم أو لفظة «التطبيع» أي قبول المحيط وصاحب الأرض بالأمر الواقع، وهي معركة فيها كلّ الأسلحة من التقليدية العسكرية إلى الاقتصادية وصولاً إلى الثقافية والاجتماعية والنفسية والدينية وما إلى هنالك. وبذلك يكون مفهوم التطبيع هو تثبيت الواقع بغضّ النظر عن مسألة الحقّ والأحقية والقانون والشرائع.
في الحقبة التي بدأت بـ«بشارة السلام الزائف»، كما يسمّيه الكتاب، ووهم الرفاه الاقتصادي المفقود اللذين أطلقتهما إسرائيل والولايات المتحدة والنظم العربية المسمّاة «معتدلة»، تعهّدت معظم النظم العربية أن تكون حرب تشرين الأول 1973 آخر الحروب. لكن في الحقيقة، فإنّ إسرائيل كانت دائماً هي التي تشنّ الحروب، وسوف تواصل استراتيجيتها بثبات في ظلّ مزاعم السلام، كما من دونها.
يتّخذ مفهوم التطبيع عدة أشكال ومناحٍ في كيفية تطبيقه. وقد استخدمت إسرائيل وأميركا شتّى أنواع الطرق في سبيل الغاية المنشودة وهي تثبيت الكيان بالدرجة الأولى، بالإحساس أو باللا وعي، ثمّ على أرض الواقع. وهنا يحدّد مؤلّفي الكتاب زيارة السادات إلى إسرائيل بأنّها فاتحة عصر التطبيع، العلني منه على الأقلّ، لكن ذلك لم يكن بالواقع الصحيح، إذ كانت تلميعات عربية سخيفة تؤشّر، على طريقة السادات في التمثيل والتسطيح، إلى مرحلة بداية سقوط النظام الرسمي العربي تحت وطأة الهزيمة التي اقترفتها أنظمة دكتاتورية متسلّطة لجأت إلى حماية كراسيها عبر القفز إلى أحضان العدو وطلب حماية النظام ورأسه، وهنا أيضاً يوضح الكتاب مدى تصاعد الحالة الشعبية الرافضة على امتداد العالم العربي في فرملة اندفاعات التطبيع لا بل في إعادة تشكيل مفاهيم جديدة للمواجهة من خلال أطر غير رسمية وتجمّعات شعبية كما هي الحال في مصر والأردن وموريتانيا وبعض دول الخليج العربي بالتوازي مع ما كانت تخوضه حركات المقاومة بأشكال أخرى في لبنان وفلسطين التي أخرجت من التداول، فكرة قبول الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين بسهولة أو ببساطة ولمجرّد أن قبل به بعض الحكّام.
يهدف الكتاب إلى تقويم أبعاد التطبيع الحاصل بين بعض البلدان العربية وإسرائيل، والمدى الذي بلغه على المستويين الثنائي والإقليمي، وتطوّر آليّاته، وجهود الحركة الشعبية لمناهضته، والتحديات التي تواجهها هذه الحركة.
وبعد، هل تكفي تلك الصفحات كي تفي هذا الملفّ حقّه؟ بالطبع لا، وهذا لا يسقط الجهد الكبير المبذول في سبيل الإحاطة به في الكتاب، لكن هل توقّفت عملية التطبيع عند تلك النقاط التي عالجها الباحثون؟ وهل التطبيع يتوقّف على مقاطعة ذلك الكيان بشكل مباشر من جانب العرب بينما تعترف به كلّ أمم الأرض؟ أين هي أشكال ترسيخ مفهوم مقاومة التطبيع مع إسرائيل في دول العالم وبالحدّ الأدنى المبني على قوانين وتشريعات حقوق الإنسان؟.



العنوان الأصلي
مقاومة التطبيع
ثلاثون عاماً من المواجهة
الكاتب:
محسن عوض ـ ممدوح سالم ـ أحمد عبيد
الناشر
مركز دراسات الوحدة العربية