علي شهاب *تُعَدُّ تركيا شريكاً حقيقياً للولايات المتحدة وإسرائيل في «الحرب على الإرهاب».
في 6 تموز 2006، أي قبل أسبوع من بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان، وقَّعت الولايات المتحدة وتركيا ما يسمى وثيقة «الرؤية المشتركة».
آنذاك، سافر وزير الخارجية التركي عبد الله غول إلى واشنطن لحضور مراسم توقيع الوثيقة التي تطالب أنقرة بتأييد حق إسرائيل في «الدفاع عن النفس».
آخر تجليات هذه الشراكة إنشاء مركز تركي ـ أميركي لتبادل المعلومات الاستخبارية بذريعة مواجهة حزب العمال الكردستاني. وقد جاء الاتفاق على إنشاء هذا المركز، الذي سيُستخدم لتبادل المعلومات التي ترصدها الأقمار الاصطناعية والطائرات الأميركية، عقب جولات مكوكية أمنية وعسكرية أميركية إلى أنقرة.
أما في العلاقة مع إسرائيل، فإن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لا يدعم فقط مصالح تل أبيب، بل هو معروف بعلاقته الشخصية الوثيقة برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرييل شارون؛ حتى إن الرجلين قررا، إثر اجتماعهما في تل أبيب عام 2005، إقامة «خط ساخن لتبادل المعلومات الاستخبارية».
لقد بدأت إسرائيل وتركيا، في عام 1997، «الحوار الاستراتيجي» الذي يشمل عملية نصف سنوية لمشاورات عسكرية رفيعة المستوى يجريها نواب رؤساء الأركان.
كذلك، انضمت تركيا إلى اتفاق التعاون في الصناعة العسكرية مع إسرائيل، وهو بدوره كان أداة لتوقيع «اتفاق سري» مع الصناعات العسكرية الإسرائيلية لتحديث مجموعة الدبابات وأسطول طائرات الهليكوبتر والطائرات المقاتلة من طراز Fـــــ4 و Fـــــ5. وفي المقابل، يدخل البلدان في مفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق التجارة الحرة الذي دخل قيد التنفيذ عام 2000.
كما يوجد على جدول الأعمال المشترك بين الطرفين مشاريع دفاعية، من بينها الإنتاج المشترك لقذائف من طراز Arrow II وصواريخ Popeye II (المعروفة باسم Have Lite).
الممرّ الساحلي للمتوسّط: هدف استراتيجي
أصبح الممر الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، الممتد من البحر الأحمر عبر لبنان وسوريا إلى الحدود السورية ـ التركية، عاملاً مهماً في تطور التحالف الإسرائيلي ـ التركي، لكونه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمشروع أنبوب النفط جيهان ـ عسقلان. كما يلحظ التحالف ربط أنبوب النفط باكو ـ تبيليسي ـ جيهان بخط أنبوب نفط إسرائيل عسقلان ـ إيلات.
استناداً إلى هذه الرؤية، فإن حرب تموز كانت تهدف، في أحد جوانبها الاستراتيجية، إلى تحقيق السيطرة العسكرية الإسرائيلية على الممر الساحلي الممتد من الحدود الإسرائيلية ـ اللبنانية إلى حدود شرق البحر المتوسط بين سوريا وتركيا.
مع الإشارة إلى أن المياه تمثِّل أيضاً عنصراً استراتيجياً في هذه الرؤية، إذ تبيع تركيا نحو خمسين مليون متر مكعب من المياه سنوياً إلى إسرائيل. ويجري الحديث عن رغبة في تطوير هذا الاتفاق لضخ كميات أكبر عبر خط أنابيب بين البلدين.
غير أن العلاقة الثنائية بين أنقرة وتل أبيب، ومن خلفها واشنطن، تخضع حالياً لعملية «ابتزاز» علنية؛ إذ إن تحريك ملف حظر حزب العدالة والتنمية التركي يأتي قبل يوم واحد من زيارة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني إلى تركيا، في ظل الأنباء التي تتحدث عن أن هدف جولة تشيني إلى المنطقة توفير الغطاء السياسي اللازم لعمل القاذفات الأميركية التي ستقصف إيران انطلاقاً من قواعد في البلدان المحيطة.
ولا تبدو الخيارات متعددة أمام حزب العدالة إزاء مطلب أميركي مماثل، إذ إن رفض التعاون مع واشنطن في هذه المرحلة سيضع الحزب في مواجهة هيئة الأركان التركية التي يقودها الجنرال «المحافظ» يسار بويوكانيت.
وبويوكانيت هذا عُيِّن رئيساً للأركان بالتزامن مع بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، رغم أنّ تعيينه كان مقرّراً منذ كانون الأول 2005 عندما زار واشنطن لإجراء مشاورات مع نظيره الأميركي.
آنذاك، اجتمع بويوكانيت مع رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال بيتر بايس وقائد الجيش الجنرال فرانسيس هارفي بإشراف وكيل الشؤون السياسية في وزارة الدفاع الأميركية اريك ايديلمان.
كما كان لافتاً إلقاء بويوكانيت كلمة في معهد «المشروع الأميركي»، مهد المحافظين الجدد، في إطار برنامج «إعادة بناء دفاعات أميركا» الذي يعمل عليه المعهد.
حالياً، من المهمّ متابعة حركة «التطهير» في الجيش التركي بغية «استئصال المشاعر المعادية لإسرائيل بين كبار الضباط»، مع الإشارة إلى أنّ الهدف الأول لهذا التوجّه هو نائب رئيس الأركان الجنرال إيزيك كوسانر الذي رفض حضور «الحوار الاستراتيجي» النصف سنوي مع نظرائه الإسرائيليين في تل أبيب في منتصف شهر تموز الفائت.
حركة «التطهير» هذه ستزيل العقبات من أمام 15 اتفاقية عسكرية بين الطرفين يعملان على تطبيقها، وفي مقدمها شراء أقمار صناعية إسرائيلية للتجسس وشراء طائرات من دون طيار إسرائيلية الصنع أيضاً تستخدمها أنقرة في حربها مع الأكراد في شمال العراق، فضلاً عن التعاون الأمني في «منطقة تُحيط بها أفغانستان والعراق وحزب الله ولبنان» بحسب تعبير وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك إبان زيارته الأخيرة إلى تركيا الشهر الفائت.
* صحافي لبناني