أجراها عثمان تزغارت
• الأزمة العالميّة المقبلة لن تكون نفطيّة بل غذائيّة

• يجب أن يستقرّ عدد سكان الأرض تحت سقف 7 مليار

يشرح ليستر براون لـ«الأخبار» توقّعاته بشأن الأزمة الغذائيّة العالميّة التي يقول إنّها باتت وشيكة. وهو يشير إلى مضاعفات هذه الأزمة السياسيّة في العالمين الصناعي والنامي، من دون أن يقتصر كلامه على توصيف الأزمة، فلا ينسى تعداد عدد هائل من البدائل التي يمكن توفيرها لتفادي انقراض حضارتنا، شرط أن تتوافر الإرادة السياسية والوعي الاجتماعي

ــــ في كتابك الأخير «الخطّة البديلة ـــــ 2»، الذي يأتي استكمالاً لكتابك الشهير «الخطّة البديلة»، تقول إنّ وتيرة التدهور الخطيرة التي تتعرّض لها البيئة بلغت حدوداً قصوى بحيث أصبحت تهدّد بانهيار شامل للاقتصاد العالمي. هل لك أن تشرح لنا ما هي المنطلقات التي استندت إليها في توقعاتك الخطيرة هذه بخصوص احتمال انهيار الاقتصاد العالمي لأسباب بيئية؟
• إنه ليس مجرد توقّع أو احتمال، بل حقيقة ملموسة يجب أن نضعها نصب أعيننا. فإذا لم يتغير أسلوب تعاملنا مع المشكلة الإيكولوجية جذرياً، فإن هذا الانهيار الذي يهدّد الاقتصاد العالمي سيحدث بالفعل، وذلك قبل عشرين سنة من الآن على أقصى تقدير. إن أي نظام اقتصادي، مهما كان قويّاً ومتطوراً، لا يمكن أن يصمد حيال انهيار النظام البيئي الذي أنتجه ونشأ في خضمّه أو تحطيمه. منذ سنوات الخمسينيات، ارتفع تعداد البشرية من مليارين ونصف مليار إلى ستة مليارات، وارتفع معدل دخل الفرد عبر العالم بنحو سبعة أضعاف. لكن هذا التطور الخارق للعادة أدّى إلى تعجيل وتيرة استنزاف الموارد الطبيعية. فعلى سبيل المثال، منذ عام 2004، لم تعد الاكتشافات الجديدة في مجال التنقيب عن النفط تمثّل سوى أقل من ربع المنتج النفطي السنوي الذي يتم استهلاكه عالمياً. وقس على ذلك، فاختفاء الغابات في تزايد، والتصحّر في ارتفاع، وانخفاض المخزون المائي في باطن الأرض إلى تسارع، والثورة السمكية في البحار والمحيطات تشهد انكماشاً مخيفاً، سنة بعد أخرى. حيال كلّ هذه المعطيات، لا يحتاج المرء لأن يكون عالماً اقتصادياً مرموقاً ليدرك أن ما نقوم به على صعيد الاقتصاد العالمي أشبه بعمل شخص لا يكف عن توقيع شيكات مصرفية، دون أن يضع في المقابل أي رصيد في حسابه المصرفي. والنتيجة في هذه الحالة هي التوجه حتماً نحو الإفلاس.
إن التاريخ مليء بنماذج لحضارات انهارت واختفت، لأنها لم تجعل تطوّرها متوافقاً مع التوازن الإيكولوجي الطبيعي. خذ مثلاً السومريين، تجد أنّ حضارتهم انهارت لأن نظام الري عندهم كان مختلاًّ، وتسبب بتسميم الأراضي الزراعية بالملح. والشيء ذاته بالنسبة إلى حضارة قبائل «المايا»، حيث إن تماديها في تحطيم الثروات الطبيعية والغابات أدى إلى تعرض أراضيها الزراعية للانجرافات الترابية بسبب الأمطار والفيضانات. وهناك نموذج ثالث أكثر درامية، يتعلق بالسكان الأصليين لجزيرة «باك» الأطلسية، حيث كانوا يعيشون على الصيد. لكن تماديهم في تحطيم الغابات التي كانت كثيرة في جزيرتهم، أدّى إلى إبادتهم في النهاية، حيث لم تبقَ على الجزيرة أيّة أشجار ليصنعوا منها مراكب الصيد، فماتوا جوعاً!
نحن حالياً نتصرف كما كانت تتصرف تلك الشعوب البائدة. بل أكثر من ذلك، فتلك الشعوب كانت تتصرف بذلك الشكل غير المسؤول على صعيدها الجغرافي الضيق. أما نحن، فنقوم بالتصرفات ذاتها، لكن على صعيد عالمي شامل. لذا، فإن المصير الذي يترقبنا، إذا استمررنا على هذا النهج، سيكون أدهى وأكثر درامية وخطورة من كل ما أصاب الشعوب والحضارات القديمة...

ـــــ تقول في الكتاب نفسه إنّ النمو الاقتصادي الكبير الذي تشهده الصين والهند حالياً سيضاعف من مخاطر الانهيار الذي يهدّد الاقتصاد العالمي ويعجّل حدوثه. كيف يمكن أن يكون النمو الاقتصادي لهذين البلدين عامل ركود أو انهيار للاقتصاد العالمي؟ إن المنطق الاقتصادي الليبرالي يفترض العكس؟
• النهوض الاقتصادي للصين والهند يسرّع من وتيرة استنزاف الموارد الطبيعية. فالصين هي الآن أكبر بلد مستهلك للقمح واللحوم والفحم والحديد. وكل الخبراء يجمعون على أن نموها الاقتصادي إذا استمر على وتيرته الحالية، بمقدار ثمانية في المئة سنوياً، فإن معدل استهلاك المواطن الصيني سيصل في حدود عام 2031 إلى مستوى يضاهي نسبة استهلاك المواطن الأميركي. لكن قدرات الكرة الأرضية ومواردها لا يمكن أن تحتمل ذلك. فإذا وصل استهلاك المواطن الصيني من اللحوم، مثلاً، إلى مستوى استهلاك المواطن الأميركي، فإن ذلك سيعني أن تربية المواشي في الصين ستحتاج وحدها إلى استهلاك نصف المنتج العالمي من الحبوب! وإذا وصل عدد السيارات في الصين إلى مستوى الولايات المتحدة، أي ثلاث سيارات لكل أربعة مواطنين، فإن إجمالي المنتج العالمي من النفط لن يكفي بأكمله لتشغيل كل هذا العدد من السيارات الصينية!

ـــــ في الوقت الذي تتوقّع فيه غالبية الخبراء أن تكون الهزّة المقبلة التي سيواجهها الاقتصاد العالمي أزمة نفطية، فاجأت الجميع في كتابك الأخير بالقول إنّ الهزّة الاقتصادية العالمية المقبلة لن تكون نفطية بل غذائية.
• الأزمة العالمية المقبلة ستكون غذائية، لأن تدمير البيئة أفرز انعكاسات درامية على القطاع الزراعي. خذ مشكلة المياه، مثلاً. إن معدل استهلاك الفرد للمياه لا يتعدّى 4 لترات يومياً. لكن إنتاج الحاجيات الغذائية ومختلف الاستعمالات الأخرى وإعدادها جعلا معدل الاستهلاك اليومي من المياه، لغير أغراض الشرب، يصل إلى ألفي لتر للفرد الواحد. وهذه كارثة. فمستويات مخزونات المياه الباطنية لا تكف عن الانخفاض. وقد جعل الشحّ في المياه، مناطق كاملة من تكساك وكينساس وشمال الصين والهند تتحوّل خلال سنوات قليلة إلى مناطق جافة وغير صالحة للزراعة. إلى جانب كل ذلك، فإن حركة النمو العمراني عبر العالم تبتلع سنوياً ما لا يقل عن ثلاثة ملايين هكتار من الأراضي الزراعية التي تتحول إلى مبان أو مصانع أو طرقات. ولكل هذه الأسباب، أقول إننا نتّجه بخطى متسارعة نحو أزمة غذائية عالمية.

ـــــ في مقابل المشاكل التي ذكرتها بخصوص انخفاض مخزونات المياه الباطنية، وتراجع الرقعة الجغرافية للأراضي الزراعية، هناك تطورات تكنولوجيّة متواصلة تجعل المردود الإنتاجي الزراعي يرتفع، بحيث يمكن إنتاج كميات زراعية أكبر، وإن كانت المساحات المزروعة أصغر من السابق؟
• هذا الأمر لم يعد صحيحاً. فالمردودية الإنتاجية في المجال الزراعي لم تعد ترتفع، بل بلغت سقفها الأعلى، وأصبحت الآن ثابتة. خذ مثلاً زراعة الحبوب، فالمردودية الإنتاجية على مستوى الهكتار الواحد ارتفعت بمقدار ثلاثة أضعاف بين مطلع الخمسينيات ومنتصف التسعينيات. لكنها، ومنذ عام 1996، لم تشهد أي ارتفاع جديد. أي إننا وصلنا إلى السقف الأعلى الذي يمكن تحقيقه في مجال زيادة المردودية الزراعية عبر استخدام التكنولوجيات الجديدة.
وقد بدأت بوادر الأزمة الغذائية التي ستنتج حتماً عن هذه المعطيات المستجدة بالظهور فعلياً. فخلال السنوات السبع الأخيرة، لم يعد إجمالي الإنتاج العالمي من الحبوب يمثّل سوى خُمس الاستهلاك السنوي العالمي. وبالتالي فقد تطلّب الأمر اللجوء إلى المخزون الإنتاجي الذي تمّ ادّخاره من المواسم والسنين السابقة. لكن، إلى متى سيكون هذا المخزون كافياً لتغطية الفارق المتزايد بين القدرة الإنتاجية والحاجة الاستهلاكية؟ إن عدد السكان يزيد على الصعيد العالمي بمعدّل 70 مليون نسمة سنوياً. وبهذه الوتيرة، فإن حصة استهلاك الفرد من الحبوب، ستنخفض حتماً خلال السنوات العشر المقبلة بمقدار 10 في المئة عن مستواها الحالي. وهذا يدل على أننا في المجال الغذائي، مثلما في المجال النفطي، بصدد الانتقال حالياً من مرحلة الوفرة إلى مرحلة جديدة من النُدرة المستديمة.

ـــــ لكن هذه النقلة في المجال النفطي تُرجمت بشكل ملموس من خلال ارتفاع الأسعار. فلماذا لم نشهد في المجال الغذائي ارتفاعاً مماثلاً في الأسعار؟
• إن حدوث مثل هذا الارتفاع في الأسعار لن يتأخر. فمنذ عام 1998، انخفض إنتاج الصين من الحبوب من 392 إلى 322 مليون طن، وهو ما جعل البلد الأكثر كثافة سكانية عبر العالم عاجزاً عن تحقيق اكتفائه الغذائي. ومنذ الموسم الزراعي 2003 ـــــ 2004، أصبحت الصين أكبر مستورد عالمي للقمح والصويا. وفي ظل هذه المعطيات، يكفي أن تواجه الصين موسماً زراعياً سيّئاً، بحيث تحتاج مثلاً إلى استيراد 50 أو 60 مليون طن إضافياً من الحبوب، لكي يفرز ذلك هزّة في السوق العالمية للحبوب، تضاهي ما شهدته السوق النفطية من ارتفاع في الأسعار خلال السنوات السبع الأخيرة. وأتوقع في هذه الحالة أن تقفز أسعار الحبوب بمقدار الضِعف دفعة واحدة. وذلك سيكون منعطفاً قاسياً وخطيراً، لأن الكثير من دول العالم الثالث التي تستورد غالبية حاجياتها الغذائية ستواجه أوضاعاً صعبة، لا على الصعيد الغذائي والصحّي فحسب، بل على الصعيد السياسي أيضاً، حيث إنها ستتعرّض لهزات قوية من التظاهرات وأحداث العنف، أو ما يسمى «انتفاضات الخبز».
في المقابل، هناك دول ستستفيد كثيراً من هذه الأزمة، فالمزارعون في أوروبا سيصبحون قادرين على الاستغناء عن الدعم الحكومي، وتحقيق أرباح تجارية حقيقية عبر بيع منتجاتهم الزراعية بأسعار السوق الحرّة. أما الولايات المتحدة، التي تصدّر وحدها قرابة 40 في المئة من الإنتاج العالمي من الحبوب، فإنها ستحقّق لأول مرة توازناً في ميزان مبادلاتها التجارية الخارجية. وهذا الأمر سيسهم أكثر في زيادة الفوارق بين الدول الغربية الغنية والدول الفقيرة. وهو الأمر الذي سينعكس سلباً على السلم والاستقرار العالميين.

ـــــ تقول إنّ ارتفاع أسعار النفط سيعجّل في حدوث الأزمة الغذائية العالمية التي تتوقّعها. كيف ذلك؟
• ارتفاع أسعار النفط ينعكس على القطاع الزراعي بطريقتين مختلفتين. الأولى تكمن في كون ارتفاع أسعار النفط يؤدي حتماً إلى ارتفاع التكلفة الزراعية. وارتفاع كلفة ما تستهلكه من طاقة نفطية ينعكس حتماً على تكلفة المنتجات الزراعية، وبالتالي على أسعارها. أمّا الطريقة الثانية التي يؤثر فيها ارتفاع أسعار النفط على القطاع الزراعي، فإنها أخطر من ذلك. ففي ظلّ الأسعار الحاليّة للنفط، أصبح إنتاج المحروقات البيولوجية المستخلصة من المنتجات الزراعية، والتي تعد بديلاً طبيعياً للمحروقات النفطية، مصدراً مدرّاً للربح التجاري، دون الحاجة إلى دعم أو تمويل حكومي، كما كانت عليه الحال في السابق. لذا، فإن كميات متزايدة من المنتجات الزراعية، مثل قصب السكر والذرة والصويا والقمح وزيوت النخيل والأوركيدا والكولزا، أصبحت تُوجَّه نحو تصنيع المحروقات البيولوجية، بدل أن تُخصّص للاستهلاك الغذائي. وهذا سيؤدي حتماً إلى ارتفاع الأسعار، لأن المتاجر التي تبيع المنتجات الغذائية ستواجه خصماً شرساً وجديداً يتمثل في محطّات بيع الوقود البيولوجي!
وخير مثال على ذلك، أنه خلال السنوات السبع الأخيرة، ارتفع إنتاج المحروقات البيولوجية المستخرجة من المنتجات الزراعية، مثل «الإيثانول» و«البيو ـــــ ديزل»، التي يمكن تشغيل السيارات بها بدلاً عن البنزين، بمقدار ثلاثة أضعاف على الصعيد العالمي. في البرازيل وحدها تم استثمار 5 مليارات دولار، من المزارعين والمستثمرين الخاصين، لإنشاء المصافي الخاصة بإنتاج «الإيثانول».
والمفارقة أن إنتاج المحروقات البيولوجية كانت قد طرحته على مدى سنين طويلة جمعيات وأحزاب حماية البيئة حلًّا بديلاً عن المحروقات النفطية، لأن الوقود البيولوجي أقلّ تلويثاً للبيئة. لكن الدافع الآن أصبح مختلفاً تماماً، فالغرض لم يعد حماية البيئة، بل أصبح تحقيق الربح التجاري. ففي ظلّ أسعار النفط الحالية، أصبح إنتاج المحروقات البيولوجية لتزويد أصحاب السيارات بالوقود أكثر درّاً للأرباح بالنسبة للمزارعين من إنتاج ما يحتاج له المستهلكون، وخاصة الفقراء منهم، من منتجات غذائية. وهذا يمثّل تهديداً خطيراً لنحو مليارين من البشر الأكثر فقراً عبر العالم. إلى جانب ذلك، فإن هذه السوق الجديدة المتعلّقة بالمحروقات البيولوجية ستغري دول الجنوب الأكثر فقراًَ بزيادة إنتاجها الزراعي الموجّه لتصنيع مثل هذا الوقود، بكل الوسائل. وذلك سيتسبّب في تحطيم المزيد من الثروات الحرجية، وبالتالي إضعاف التوازن البيئي للكرة الأرضية أكثر.

ـــــ إذا كان النظام الاقتصادي الحالي يسير بالفعل في طريق مسدود، كما تقول، فهل من بديل؟
• لم يفت الأوان بعد، ولا يزال في الإمكان تفادي الارتطام بالجدار. لكن ذلك يستدعي اتخاذ احتياطات عاجلة لحماية التوازن البيئي للكرة الأرضية، ويتطلب أيضاً تغييرات جذرية في تصرفاتنا وأساليب عملنا، لا في المجال الاقتصادي فحسب، بل أيضاً في تعاملاتنا وعاداتنا في حياة كل يوم. وهذا ليس بالأمر المستحيل، إذا توافرت الإرادة والوعي أن هذا الأمر ليس مهمّاً فحسب، بل مصيري. ما نحتاج إليه من جهد وتجنيد للطاقات البشرية والمالية في هذا المجال لا يختلف عما قامت به العديد من الدول الأوروبية، مثلاً، من تعديل اقتصادياتها وإعادة تأهيلها خلال الحرب العالمية أو بعدها بقليل من خلال «خطة مارشال». نحن قادرون على إحداث مثل هذه النقلة الاقتصادية، لأننا نمتلك من التكنولوجيات حالياً ما يسمح لنا بخفض التلوّث البيئي بنسب كبيرة جدّاً، وادّخار الطاقة سواء النفطية منها أو الكهربائية، والحفاظ على الثروة المائية. تنقصنا فقط الإرادة السياسية على صعيد الدول والحكومات، والوعي البيئي على مستوى الأفراد، بأننا إذا استمررنا على منهاجنا الحالي، فإننا نتجه نحو كارثة عالمية شاملة.

ـــــ هل هناك خطّة أو «خريطة طريق» معينة لتحقيق مثل هذه النقلة الهادفة لحماية الاقتصاد العالمي من الكارثة والانهيار؟
• بداية، يجب العمل على أن يستقر العدد الإجمالي لسكان الكرة الأرضية تحت سقف 7 مليارات نسمة، بدل 9 مليارات، مثلما تشير إليه توقعات منظمة الأمم المتحدة، من الآن إلى عام 2050. هذه الخطوة وحدها ستسمح بخفض وتيرة تدمير التوازن البيئي، كذلك ستسهّل كثيراً مساعي محاربة الفقر. وخلافاً لما هو رائج، فإن الدول الصناعية الكبرى ليست هي النموذج في هذا المجال. فما قامت به إيران أو تايلاند، مثلاً، خلال العشرية الأخيرة، من جهود فعالة في مجال التحكم بالتضخم السكاني يعدّ تجارب رائدة يجب أن يُحتذى بها.
بعد ذلك، يجب وضع خطة لإعادة إحياء التوازن البيئي الطبيعي للكرة الأرضية، وذلك عبر تخصيص محميات سمكية ممنوعة على الصيد في البحر والمحيطات، ووضع برنامج عالمي لإعادة تشجير الغابات التي تم تحطيمها أو الإضرار بها، وحماية الأراضي الزراعية من مخاطر الانجرافات والتصحّر، وتوفير تكنولوجيات ووسائل ري بديلة تسمح للمزارعين باقتصاد الثروة المائية، حيث يمكن تحقيق مستويات قياسية في ادّخار المياه يمكن الوصول بها إلى نحو 80 في المئة ممّا يُستهلك حالياً.
في تقديراتي، يجب تخصيص 62 مليار دولار سنوياً لكلّ هذه الجهود الهادفة إلى إعادة التوازن البيئي وادخار الطاقة، وهما الدعامتان اللتان لا يمكن الاقتصاد العالمي، بل الحضارة الصناعية عموماً، الاستمرار أو التطور دونهما. وأعتقد أن مبلغاً كهذا ليس مرتفعاً، إذا ما قيس بالطابع المصيري لهذه الخطوات. وحتى إذا نُظر إلى الأمر من منظور المردودية الاقتصادية المحضة، فإنه يعدّ استثماراً رابحاً جدّاً. فهو الوحيد الذي من شأنه أن يجنّبنا الكارثة الاقتصادية والغذائية العالمية التي نسير نحوها، دون أن ندري، بخطى حثيثة.



أحد أكثر الإقتصاديّين تأثيراً

وصفته صحيفة «واشنطن بوست»، عشية فوزه بجائزة شخصية العام الإنسانية، سنة 1991، بأنه «أحد أكثر المفكرين الاقتصاديين المعاصرين تأثيراً عبر العالم». وقبل أن يتبوّأ هذه المكانة العلمية المرموقة، كان براون قد بدأ مشواره الحياتي مزارعاً منتجاً للبندورة، برفقة شقيقه الأصغر، في جنوب مقاطعة نيوجرسي. وفي الوقت ذاته، واصل تعليمه الجامعي، إلى أن حصل، سنة 1955، على شهادة الدكتوراه في الزراعة وعلوم الأرض، من جامعة «ريوتجر»، فمضى إلى الريف الهندي، حيث قضى ستة أشهر برفقة المزارعين الفقراء هناك، ليقف عن قرب على حقائق العالم الفلاحي على أرض الواقع. سنة 1959 التحق بوزارة الزراعة الأميركية بصفة محلّل متخصّص في القضايا الزراعية الدولية. بعدما استقال من العمل الحكومي، سنة 1969، تفرّغ للتأليف الأكاديمي لمدة 5 أعوام. ثم أسّس، سنة 1974، معهداً مستقلاً يُعنى بشؤون البيئة، سمّاه Worldwatch Institute.
من أهم مؤلفاته:
ـــــ «الإنسان، الأرض والخبر» (1963). «عالم بلا حدود» (1970). «لمصلحة البشرية» (1974). «بناء مجتمع تضامني» (1981). «إنقاذاً للكرة الأرضية» (1991). «من الذي سيُطعم الصين؟» (1995). «إعادة رسم الخريطة الاقتصادية العالمية» (1998). «التحدي الديموغرافي» (1999). «نظرية الاقتصاد البيئي» (2001). «الخطة البديلة» (2003). «حضارة وسط الضباب» (2004). «الخطة البديلة ـــــ2» (2006).