محمد شقير
ليست هي المرّة الأولى التي يسقط فيها من قادة المقاومة شهداء في ميدان المواجهة مع إسرائيل. وبغضّ النظر عن قائمة الأهداف التفصيلية التي أرادتها إسرائيل من وراء هذه العملية، فمن الواضح أن لها علاقة مباشرة بعدوان تموز على مستوى سعي إسرائيل إلى ترميم هيبة الردع التي تصدّعت بعد الحرب على لبنان، وإلى الانتقام لهزيمتها ومحاولة الإضرار بالقدرات العسكرية والأمنية للمقاومة في لبنان.
أمّا في ما يرتبط بترميم هيبة الردع لديها، فيمكن القول إن سعي إسرائيل إلى تسجيل انتصار أمني، قد يعود عليها بتلك النتيجة التي تريد، لكن شرط أن يؤدّي ذلك إلى شلّ قدرة المقاومة ومنعها من الردّ بالقوّة نفسها أو أكثر. أمّا إذا استطاعت المقاومة أن تستوعب الضربة، وأن تبادر إلى الردّ عليها بالمعادلة نفسها التي اختارتها إسرائيل، فسوف يؤدّي ذلك إلى الإضرار أكثر بقدرة الردع الإسرائيلي.
لقد أرادت إسرائيل من عدوان تموز القضاء على المقاومة واستعادة هيبة الردع التي خسرتها في هزيمتها عام ألفين، لكن كانت النتيجة أنّ إسرائيل ليس فقط أنها لم تستطع ترميم ما تهشّم من هيبة الردع لديها في عام ألفين، بل أدّى عدوان تموز وما أعقبه من هزيمة إسرائيلية إلى تحطيم هيبة الردع أكثر لدى إسرائيل؛ والآن لقد بدأت إسرائيل بحربٍ من نوع آخر على المقاومة، وإذا كانت الأمور بخواتيمها، فهذه هي بداية الحرب. وتعلم إسرائيل أن طبيعة المقاومة بشكلها المتخفّي أقدر على خوض هذه الحرب من كيان ظاهر بمؤسّساته وأشخاصه، وغير قادر كثيراً على ممارسة الخفاء في تحركاته.
قد ترى إسرائيل أنها استطاعت أن تحقق إنجازاً يعيد شيئاً من هيبة الردع لديها، لكن نظرة هادئة قد تبدّد ما قد يتوهّمه هؤلاء.
أولاً: إن ما حصل سيجعل المقاومة تستشعر مستوى أكبر من الخطر، وهو ما سوف يدفعها إلى تعزيز قدراتها الأمنية والعسكرية أكثر، وبالتالي فإن شهادة القائد العسكري للمقاومة في لبنان، سوف تدفع بتلك المقاومة إلى العمل بجهد مضاعف للاستعداد أكثر لأي عدوان محتمل على لبنان، قد تكون تلك العملية نوعاً من التمهيد له.
ثانياً: سوف يدفع المقاومة إلى التشدّد أكثر في مواجهة إسرائيل على الحدود الجنوبية للبنان، ولن يستطيع أي منطق أن يواجه منطق المقاومة في ضرورة تحرير ما بقي من أرض محتلة، بل قد تعمد المقاومة إلى الرد على أي اختراق للسيادة اللبنانية حتى لو كان هذا الاختراق اختراقاً جوياً.
ثالثاً: إن تاريخ الصراع بين المقاومة الإسلامية وإسرائيل يدل على أن أي اعتداء تقوم به إسرائيل لن يبقى دون عقاب. أمّا في ما يرتبط بالضرر الذي يمكن أن تلحقه تلك العملية ببنية المقاومة، فهنا يجب أن نلحظ النقاط التالية:
1ــــ ثقافة المقاومة: وهي ثقافة تقوم على فلسفة الجهاد، بمعنى الإعداد والاستعداد بكل الوسائل، ومضاعفة الجهود، وعدم التراخي في ميدان الصراع. وهي ثقافة تقوم على عدم الوهن، بمعنى امتلاك جميع عناصر القوة وعدم التراجع عند أي اختبار أو تحدٍّ.
إنّ أية ضربة تكون ناجحة إذا ما استطاعت بالدرجة الأولى أن تضعف إرادة الخصم قبل إمكاناته. أمّا إذا كانت تثير في الخصم إرادة التحدّي والقتال أكثر، فلا يمكن القول بنجاحها، بل سوف يحكم عليها بالفشل، وخصوصاً إذا ضممنا إليها الإمكانات التي تمتلكها المقاومة من أجل ممارسة ردّها المنهجي.
2ــــ إنّ فعل المقاومة لا يقوم على فرد من الناس، بل هو يمتاز بطابعه المؤسّساتي، حيث توجد مؤسّسات تحمل قضية ما وإيماناً ما وثقافة ما، وتمتلك إدارتها وتنظيمها. ولذلك فإن شهادة أي قائد من قادة المقاومة، وإن كانت مؤلمة، لكن طبيعة هذه المؤسسة وقضيتها تفرض عليها الاستعداد لكل الاحتمالات واعتماد كل البدائل واجتراح كل الحلول عندما تواجه أي معضلة أو اختبار في صراعها مع إسرائيل.
3 ــــ كما توجد قضية ومقاومة، هناك أيضاً شعب يقف مع هذه المقاومة ويؤمن بها وبقضيتها، وهذا الشعب أعطى هذه المقاومة من صبره وماله وإنسانه، وأثبت في أشدّ الظروف إيمانه العميق بهذه المقاومة، واستعداده للدفاع عنها كما تدافع عنه.
إنّ تاريخ الصراع بين المقاومة وإسرائيل يدلّ بوضوح على أن المقاومة كانت تزداد قوة وصلابة عندما يتعرض أحد قادتها للاغتيال من جانب إسرائيل. وهذا ما حصل مع الشيخ راغب حرب، حيث أدى استشهاده إلى تعاطف وطني وشعبي كبير مع المقاومة، ومع السيد عباس الموسوي حيث كانت شهادته حافزاً لانتقال المقاومة إلى مرحلة أكثر قوة. بل إن أي احتلال أو عدوان قامت به إسرائيل كان يزيد المقاومة عزيمة ومنعة وقوة.