كمال خلف الطويل *
إن كان من فضل جزيل لفخري كريم زنكنة على معاشر المثقّفين العرب عبر ربع القرن المنصرم، فهو أنّه من خرق أسوار المؤسّسات الأمنية، عابراً لحدود الدول عربيّها وأجنبيّها، موظّفاً إياها جمعاء في خدمة قضايا المثقّف العربي وهمومه ورزاياه، وأولها همّ الاستذكاء على أهل المخابرات وخردقتهم واللعب على هوامشهم... ثمّ فضله في تثمير أموال النضال الحزبي لدرجة تهجيره إلى مرافق أجدى وأجدر تدرّ على المثقف ـــــ الضرورة خيراً عميماً، وعلى منشوراته ومطبوعاته أسباب الرواج... ثم فضله على الأمن الإقليمي والدولي بكشفه كوبونات «قوموية»، مبيناً للعالمين كيف تكون مناهل ومصارف المال، ومن أين وإلى أين، بدلاً عن هذا التخلّف المريع الذي ضرب أصحاب اللغة الخشبية... وفضله في توعية المثقّف العربي بمنافع حلف الفضول مع المحرّرين القادمين من الغرب وسبل استثمارهم الفضلى لنشر ما عاش عليه واعتاش من حب للديموقراطية بلا حدود، ابتداءً مع دكتاتورية البروليتاريا وانتهاءً بليبرالية مام جلال، فأضحى مستشاره الثقافي الذي يجمع بين دفّتي دوره مهارة راعي الغنم وألق ذهب الماعز، مجحفلاً جوقات من أطهار الأمة ونبلائها لتتدفّق أفواجاً على واحة الحرية الكاكائية، مطوّبين «طرزانها» نبراساً وموئلاً لنهضة عربية «ليبرلومارينزية» تهتدي بنور المام والكاكا.
لكن عجباً اعتور كل هذه الأفضال وهو «اضطرار» مبشّر النيوليبرالية لمقاضاة مجلة الآداب ـــــ ورئيس تحريرها الدكتور سماح ادريس، ومديرها المسؤول السيدة عايدة مطرجي ادريس ـــــ لاقترافها، في افتتاحية عدد الآداب أيار/ حزيران، ذنب الكتابة عن عكاظ الإربيلي (مهرجان المدى) وعن ابن ورّاقة، مفنداً دعاوى الديموقراطية الكردستانية وأوهامها، فإذ بفخري كريم زنكنة يبتسر طريقاً للسجال ما عهدناه به طيلة ربع قرن من «التمقرط» و«التلبرل»... وبالقطع لا مدعاة له ولا داعي، بل وصل بنا الشك أنّ تلك المقاضاة منتحلة من طرف ثالث يريد بفخري كريم زنكنة كلّ سوء يلوّث ماضيه وحاضره ومستقبله إلى آخر... المدى.
له نقول: ما هكذا تورد الإبل يا زنكنة... مقاضاتك للآداب ستكون ناقصة الأدب... لـ«مدى» ما تشي به من هشاشة «ديموقراطية» وخواء «ليبرالي»، أين منه جدانوف وتلامذته «النجباء».
دعك من تجاوز المدى، والمضي على طريق الكباش الذي لن يوفر لأحد إلا أشواكاً وقنافذ.
دعنا نفخر بكرمك يا زنكنة.
* كاتب عربي