أجراها أرنست خوري
• عدوان تموز أطول حرب خطّطت لها إسرائيل

• لا أرى أنّ هناك انهياراً للفكر الاشتراكي

تسبقه شهرته أينما حلّ كما شهرة كتابه «صناعة الهولوكوست» الذي كسر تابوات الكلام على استغلال المحرقة اليهودية. في أول يوم من زيارته الثانية إلى بيروت، يتحدّث الكاتب الأميركي اليساري نورمن فنكلستين لـ«الأخبار» عن محمود أحمدي نجاد وعن فلسطين وحزب الله وعودة الموجة الدينية عالمياً، ويرفض الحديث عن الأزمة اللبنانية لأنّه «بحاجة إلى شهادة دكتوراه في السياسة اللبنانية» لكي يفهم ما الذي يجري


• تصف الكاتب المثير للجدل روجيه غارودي بأنه «معتوه» و«مخبول» و«بحاجة إلى مصحّ عقلي» لأنه أنكر حصول المحرقة: هل هذا التوصيف يسري على الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي يشكّك بحصولها أيضاً؟
ــــ أوّلاً أشكّ فعلاً في أن يكون نجاد يشكّك في حصول المحرقة اليهودية. فهو برأيي يلعب على وتر وجود تيّار مشكّك بحصولها في أوروبا، وهي لعبة سخيفة، ويحاول أن يدقّ إسفيناً في الغرب لتأليب الرأي العام على إسرائيل. وأرى هذه اللعبة غير مفيدة، لأنها تؤدي إلى قلة احترام للعالم الإسلامي من جهة، ولذكرى الضحايا من جهة أخرى. فعندما يشكّك نجاد بحقيقة حصول المحرقة، يكوّن الرأي العام العالمي فكرة مفادها أن المسلمين ينكرون حصول المأساة، وهو أمر شبيه بإنكار واقع أن الكرة الأرضية كروية.

من ناحية أخرى، يجب القول إن الغرب بدوره ينكر يومياً جرائمه. فلماذا إذاً نصوّب الاهتمام إلى ما يقوله نجاد؟ ففي الولايات المتحدة، تشير آخر الاستطلاعات إلى أن الأميركيين يقولون إنّ قتلى حرب فيتنام لا يتعدون الـ200 ألف، بينما التاريخ يقول إن هؤلاء بلغوا أكثر من مليونين. لهذا السبب أعتقد أننا نحن الأميركيّين يجب أن نكون آخر من يحقّ له التحدّث عن إنكار المحرقة، لأن بلدنا كان أكثر إجراماً من بقيّة المجتمعات في العالم.

• كيف تصف المؤتمر الذي شارك فيه حاخامات يهود في شباط الماضي في طهران لبحث «علميّة المحرقة»؟
ــــ كانت هذه الندوة أشبه بالـ«سيرك». دُعيتُ إلى هذه الندوة، واشترطت المشاركة تحت ثلاثة شروط: أوّلاً أن أُزَوَّد مسبَقاً بلائحة المدعوّين لكي أتأكّد من أن هناك مستوى معيّناً في المحاضرين المؤرّخين، وثانياً أن أُعطى الوقت الكافي في الكلمة التي ألقيها. وثالثاً اشترطت أن ألقي محاضرات نقاشيّة مفتوحة في الجامعات الإيرانية من دون قيود مع الطلاب. والمؤسف أنّ المنظّمين رفضوا تلبية الشروط الثلاثة.
لم يكن مؤتمراً جدياً، لأنهم لم يدعوا أي مؤرّخ جدّي.

• انطلقت في الأمس الانتخابات التمهيدية الأميركية. من المعروف أن الديموقراطيّين هم الأكثر تحيّزاً لمصلحة الناخب اليهودي والصهيوني. هل تتوقّع أن تكون ولاية الديموقراطيين إذا ما فاز أحدهم بالرئاسة بعد نحو عام، مشابهة لولاية بوش من ناحية سيطرة مصالح إسرائيل على سياسة واشنطن؟
ــــ علينا التفريق بين أمرين: هناك التأثير الصهيوني على سياسة واشنطن إزاء الضفة الغربية وقطاع غزّة من جهة، وتأثير هذا اللوبي على سياسة واشنطن إزاء سوريا وإيران والعراق وباقي دول المنطقة. والكلام المبالَغ فيه على التأثير الإسرائيلي في سياسة واشنطن إزاء الشرق الأوسط خارج إطار الأراضي المحتلّة هو أسطورة. فلا أعتقد أنّ لإسرائيل هذا القدر من التأثير في الإدارة الأميركية في هذا الشأن. وهذا لا يعني أنه لا يوجد تعاطف مع مصالح إسرائيل وسياستها في سياسة أميركية معيّنة تجاه هذه الدول وضدّ العرب، لكن ليس إلى حدّ يصل إلى إملاءات إسرائيلية على واشنطن. فعلى سبيل المثال، تؤكّد جميع المعطيات أنّ الإسرائيليّين يدركون أنه لا مجال في أن يقدموا على مغامرة أو مخاطرة ضدّ إيران. وفقط في حال مهاجمة الولايات المتحدة إيران، ستشارك إسرائيل، فهم لا يقدرون على فعل هذا منفردين.
لكن على العموم، أعتقد أنه ليس هناك الكثير من الفرق بين سياسات الديموقراطيين والجمهوريين إزاء إسرائيل. لكن أعود وأقول إن هناك تغييراً مهماً في الرأي العام الأميركي عبّر عنه أخيراً رموز فاعلون في الإدارات الأميركية المتعاقبة من أمثال زبيغنيو بريجنسكي وجورج سوروس اللذين طالبا بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي تحتلّها وفق القرارات الدولية. المشكلة أنّ الناس هنا في العالم العربي لا يلاحظون هذا التغيير في الرأي العام الأميركي الذي يبتعد شيئاً فشيئاً عن خدمة مصالح إسرائيل.

• ما هو مصير «المعارضين اليساريّين» في الولايات المتحدة؟ ألم تصبح هذه الصفة تقتصر على أسماء قليلة من المثقّفين، ولم تعد تيّاراً شعبياً جارفاً كما كان عليه الحال منذ عقود؟
ـــ فلنكن صريحين: لا وجود لشيء اسمه يسار أميركي. والسبب الرئيسي لذلك أنّه لا وجود لرؤية متّسقة ومتجانسة لما على اليسار أن يناضل من أجله. صحيح أنّ هناك عدداً من الأميركيين والشباب يريدون أن يصلوا إلى هدف مختلف عن حصرية السعي لتجميع الثروات، لكن المشكلة تبقى أنك لا يمكنك أن تكون يسارياً بمجرّد أن تكون مناهضاً لسياسات (الرئيس جورج) بوش. فاليسار لا يُبنى حصراً على أن تكون نقيضاً لأمر ما، بل هذا يحتاج إلى جدول أعمال ومشروع تتوافر له الظروف الموضوعية. المشكلة التي تظهر هي أنّه لا بديل شامل يطرحه «اليساريون» الأميركيون، ومن بينهم أنا. هناك مجموعات شيوعية وفوضوية... لكن لا ترجمة واقعية لوجودها على الأرض.

• لكن بعد سقوط المنظومة الاشتراكية، لماذا لا نقول اليوم إنّ اليسار يمكن أن يكون مقتصراً على مشروع مقاومة ما هو موجود، بدل أن يكون «طرحاً لمشروع ملموس آخر»؟
ـــ لا أرى أنّ هناك انهياراً للفكر الاشتراكي بقدر ما أقرأ الموضوع على أنّ العالم تغيّر وعلينا أن نجري الكثير من الأبحاث كما فعل ماركس في عصره لإنتاج فكر جديد. لا أعتقد أن من الممكن أن تقاوم من دون أن تدرك حدود مقاومتك وماذا نريد من المقاومة أن تحقّقه وليس لمجرّد المقاومة. ولا تكفي العناوين العريضة ، فلا بدّ في موضوع حقوق العمّال وتحسين ظروفهم، لا بدّ من معرفة الحدود لذلك، وفي النضال من أجل الديموقراطية أيضاً يجب تبيان الحدود الواقعيّة. وهذه الحدود بالتحديد هي ما تحدّد الهويّة الفكريّة للشخص، لذلك كنت ماوياً في شبابي، لأنني كنت أرى أهدافاً ممكناً تحقيقها في ذلك الزمن، وتغيّر الوضع اليوم.

• تعترف بأنّ كتابك الأشهر (صناعة الهولوكوست) ـــــ رغم أنه عرف رواجاً عظيماً في العالم كلّه، وتُرجم إلى 27 لغة ـــــ لم يلقَ أي ردّ فعل في إسرائيل. انطلاقاً من هذا الواقع، إلى أي مدى لا يزال من العقلاني التعويل على نهضة تيّار السلام في إسرائيل لتغيير الوجهة الصهيونية لهذه الدولة؟
ـــ هناك 20 في المئة من الإسرائيليين، ممّن يمكن أن يكونوا إلى جانبك إذا أقنعتهم بالحجّة المناسبة. و20 في المئة آخرون هم كالفاشيين ممن لا يجدي إقناعهم لأنهم لا يتغيّرون. والبقيّة، أي الـ60 في المئة هم يلحقون مصالحهم. فالتحدّي الأكبر كيف تقنع هذه الفئة بأن من مصلحتها زوال الاحتلال. أعتقد أنّ الاستراتيجية التي اتّبعتها «حماس» على سبيل المثال، في استهداف المدنيين والعسكريين الإسرائيليين بأعمال إرهابية لن تجدي في إقناع هؤلاء بأن من مصلحتهم زوال الاحتلال ومفاعيله، بل هي برأيي تؤدّي الى نتائج عكسيّة تماماً. فعندما يشعر الإسرائيليون بأنهم جميهم مستهدفون من دون تمييز بين مدنيين وعسكريين، فلن نتمكّن من استمالة الفئة الأوسع منهم. وهنا أعتقد أنّ الانتفاضة الثانية (2000) أضرّت بالقضية أكثر بكثير مما أفادتها، لأنها همّشت 95 في المئة من الفلسطينيين، وحرمتهم المشاركة الشعبية في النضال، على عكس ما كان الوضع عليه في الانتفاضة الأولى (1987). فأنا عايشت الانتفاضتين في فلسطين المحتلّة. الأجدر تسمية الانتفاضة الثانية «التفرّج العام». فلينين يقول في كتابه «ما العمل» إنّ الترهيب الأكبر يكون عندما يُحَوَّل الشعب إلى متفرّج سلبي لا دور له، وهو ما حصل ولا يزال في الانتفاضة الثانية.

• لكن أنت بهذه العبارات تطلب من الفلسطينيين أن يُقتَلوا سواء قاوموا أو لم يفعلوا من دون أن يكون لهم ردّة فعل، وإن كانت غير مدروسة...
ـــ كلا، أرى أنّ هناك بديلاً جسّدته تجربة حزب الله الناجحة جداً، وهو حصر الأهداف في استهداف العسكريين الإسرائيليين. وهنا لا أتفق أبداً مع التبرير الذي أتى به نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في كتابه الأخير (حزب الله: المنهج، التجربة والمستقبل) في الفصل عن فلسطين من أنه لم يكن ممكناً نقل تجربة حصر استهداف الإسرائيليين العسكريين في جنوب لبنان، إلى الضفة وقطاع غزة، لكنه لم يوضح لماذا هذا مستحيل! وهنا يوجد مثال تاريخي يؤكّد أن هناك بديلاً لدى الفلسطينيين. ففي عام 2004 أصدرت المحكمة الدولية قراراً بوجوب تدمير جدار الفصل العنصري في الضفّة والقدس لأنه غير شرعي. حينها كان يمكن الفلسطينيين لو كان لديهم قيادة سياسية حقيقية، أن يدعوا الشعب إلى تظاهرة مليونية إلى الجدار ليدمّروه تنفيذاً لقرار المحكمة الدولية. لو حصل ذلك، صدّقني، لكانت إسرائيل أمام مشكلة كبيرة دولياً، لأن المحكمة الدولية حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية «عدم شرعية الجدار».

• كان لك كلام طويل على مفاوضات «واي ريفير» وتوقف المفاوضات في شأن المسائل الخمس: المياه، الحدود، المستوطنات، القدس واللاجئين. اليوم، بعد مؤتمر أنابوليس، هل تعتقد أنّ هناك نيّة إسرائيلية للتنازل في شأن أي من هذه القضايا.
ــــ أي كلام على تنازل إسرائيل هو تغطية على ما سرقته إسرائيل في القضايا الخمس. فأي تنازل سيكون تنازلاً جزئياً عن السرقة، لأنّ أياً من المواضيع الخمسة لا حقّ لإسرائيل به بتاتاً. لا المياه ولا القدس ولا الحدود ولا اللاجئون ولا المستوطنات. هي جميعها يضمنها القانون الدولي لمصلحة الفلسطينيين، ولا شيء للإسرائيليين فيها. فأي كلام على تنازل إسرائيلي هو تزوير، لأنه يُظهَّر على أن إسرائيل تقدّم تنازلاً عن حقوقها. أي تنازل حقيقي يقوم به الفلسطينيون، يكون حينها تنازلاً عن حقوقهم.

• لكن كلامك يوصلنا إلى القول إنّه ليس لإسرائيل حقّ الوجود حتّى...
ــــ كلا، أنا لا أستند في كلامي إلى رأي، بل إلى القانون الدولي الذي يحصر حقّ إسرائيل بالوجود ضمن حدود حزيران من عام 1967، وهذا ينطبق على مواضيع اللاجئين والحدود والمستوطنات والقدس...

• كيف ترى الحلّ النهائي للقضية الفلسطينية: دولة واحدة بقوميّتين؟ أم دولتين مستقلّتين؟
ــــ ليس هناك حلّ نهائي. كل ما يمكن أن نتحدّث عنه هو التخفيف من وطأة المأساة الناتجة من الاحتلال. أقصى ما يمكن أن نفعله هو النضال في سبيل تحضير أرضيّة صالحة لمرحلة مقبلة لتحصيل حقوق الشعب الفلسطيني.

• اليوم هو عصر الحديث عن تصاعد الدين في العالم. لا تبدو مكترثاً بالتطرّف الإسلامي وبارتفاع أسهم التديّن في العالم... ألا ترى أنّ صموئيل هانتنغتون كان محقّاً في قراءته التي توقّع فيها الصدام الكبير بين الديانات على مستوى العالم؟
ـــ لا أُفاجأ بهذه الردّة القوية إلى الدين. فالناس بحاجة إلى أن يجدوا شيئاً أفضل في هذه الحياة. وعدتهم الماركسية بحياة أفضل، فتبعوها. ولمّا فشلت في وعدها بعالم أفضل، كان طبيعياً أن يبحثوا عن أمل ما في الديانات. ليس ما يحزنني العودة إلى التديّن، بل إننا، نحن اليساريّين علمانيّين، فشلنا في بلورة مشروع متكامل وبديل من عالم اليوم ليؤمن به الناس... فالفراغ الذي تركناه نحن سمح بعودة الدين إلى صدارة اهتمامات البشر لأنه يعطي معنى للحياة وأملاً بحياة أفضل.

• تخصّصت في موضوع معاداة السامية وكتاباتك مرجعيّة في هذا السياق. هل توصّلت إلى تعريف جديد لمعاداة السامية خارج إطار «كل من ينكر حصول المحرقة هو معادٍ للسامية»؟
ــــ بات موضوع معاداة السامية غير ذي فائدة. ففي أوروبا بات هذا السلوك مقتصراً على عدد قليل من المسلمين العاطلين من العمل. وفي العالم العربي لا وجود حقيقي لليهود. فهذا الموضوع بات من دون معنى، لا ينبغي تضييع وقتنا في مناقشته. اليهود اليوم سعداء ومثقّفون وأثرياء... فحبّذا لو تعذّب العالم كما حصل مع اليهود ليعيشوا في نعيم اليوم (ضاحكاً). هناك مصائب حقيقية في العالم تستحقّ الاهتمام: هناك أكثر من 15 مليون طفل يموتون من الجوع سنوياً مثلاً.

• كيساري علماني من أصول يهوديّة، ما هو توصيفك لحزب لله؟ ألا تخشى من عقيدته الدينية الشيعية ومن إمكان تبنّيه مشروع دولة إسلامية في لبنان؟
ــــ لينين قال يوماً إنه لا يمكنك أن تكون شيوعياً من دون أن تكون ملحداً. أنا أؤمن بذلك من فترة طويلة. لكن المشكلة أنّ معظم التجارب الشيوعية كانت شبه تجارب دينية... شخصياً لم أعد أخشى الظاهرة الدينية والإسلامية ضمناً. ففكرة سعي حزب الله إلى تكوين دولة إسلامية من عدمه لم يعد يشغل بالي حقاً. أنا مهتمّ أكثر بأنماط تفكير قادة حزب الله. وأشعر بأنهم فائقو الذكاء والثقافة والالتزام. ورغم أنّ كثيرين لن يحبّوا هذه المقارنة، فأنا أقارنهم برموز الحقبة الشيوعية القديمة بسيّئاتها وإيجابياتها. لا يشغل بالي كثيراً همهم الديني. يعنيني أكثر كيف يفكّرون. ولا بدّ من الاعتراف بأنهم أقوياء في السياسة، يفهمون جيداً عدوّهم، وهم أكثر جدية بكثير من هؤلاء القادة الفلسطينيين الذين يجرون مفاوضات سخيفة وفارغة مع الإسرائيليين. لهذه الأسباب يعجبني سلوك حزب الله.

• ماذا عن سلاحهم الذي يمثّل ترسانة ضخمة ترعب البعض؟
ـــ أنا سعيد جداً بسلاحهم. هذه اللغة هي التي تجدي، وأجدت في الحالة اللبنانية مع إسرائيل.

• ما هي قراءتك لعدوان 2006؟
ـــ منذ انسحاب إسرائيل عام 2000، بدأت إسرائيل تخطّط للقضاء على حزب الله. وحرب تموز كانت أطول حرب خطّطت لها إسرائيل في تاريخها قبل البدء بها. وكانوا منذ تلك الفترة ينتظرون الحجّة المناسبة لإطلاق العدوان. وهنا أوافق على كلام حسن نصر الله في أنّ خطف الجنديَّين لم يكن سوى مبرّّر للحرب، وأنه لو لم يخطفهما لكانت إسرائيل انتظرت مبرّراً آخراً لعدوانها. المهم هو أن حزب الله برهن أنه يمكن بالسلاح المنظّم والالتزام أن يخسر المشروع الأميركي، وهو ما يجب تعميمه. أعتقد أن الأهم في تلك الحرب، ما أظهرته من فساد داخل المؤسستين الإسرائيليتين العسكرية والسياسية وحتى في المجتمع الإسرائيلي.

• ماذا عن قراءتك السريعة للأزمة السياسية اللبنانية التي تلت تلك الحرب؟
ـــ بصراحة أفضّل عدم الكلام على هذا الموضوع. حاولت فهم ماذا يجري، لكن الأمر معقَّد إلى درجة أنني لم أستطع فهمها. يبد أنني بحاجة إلى شهادة دكتوراه في السياسة اللبنانية لكي أفهم ما يجري.

• حسب برنامج زيارتك اللبنانية، ستزور الضاحية الجنوبية، كما ستزور مخيمات فلسطينية والجنوب اللبناني. ما هي الرسالة التي تحملها إلى أهالي المخيمات وإلى أهالي الجنوب الذين فقدوا أقارب لهم على يد آلة الموت الإسرائيلية غير عبارات التضامن...؟
ـــ ليس هناك شيء يمكن أن يقوله أي شخص لهؤلاء الذين عانوا هذا القدر من العذاب. عبارات التضامن تبدو سخيفة في هذه الحالة. أنا هنا لأتعلّم من هؤلاء وأفهم كيف يفكّرون. فأنا أقوم بزيارة لكي أتعلّم أكثر مما هي لأقول شيئاً.



عاطـــل عـــن العمـــل

كنت أعطي محاضرات في 30 جامعة آخرها جامعة دي بول حيث كنت أبلي بلاءً حسناً. لكن التزامي العملي والسياسي أدّى إلى عدم إعطائي حقّي في تثبيتي في وظيفة ثابتة في التدريس في هذه الجامعة. فعلوا ذلك ليتخلّصوا منّي بعدما شنّ علي اللوبي الصهيوني حملة قويّة إثر انتقاداتي لكتاب الصهيوني ألان درشويز. ليس موقفي السياسي هو الذي أدّى إلى ذلك، فهناك أشخاص لديهم آراء أكثر حدّة منّي في خصوص القضية الفلسطينية، واحتفظوا بوظيفتهم، لكن ربط موقفي بالتزامي السياسي هو ما أدّى الى ذلك. وتلقّيت رسالة إلكترونية صباح اليوم (أمس) يعلمني فيها صديقي بأنه قد يجد لي وظيفة في إحدى جامعات كاليفورنيا!