بيسان طي
«وحدها الأزمات تجعل ما هو مستحيل سياسيّاً... أمراً لا مفرّ منه»

غزو العراق بدأ في تشيلي، أو ربما في غرف منسيّة من مستشفيات كندية وفي قاعات المحاضرات في مدرسة شيكاغو للعلوم الاقتصادية. مسار ترسمه بدقة الصحافية ناومي كلاين في كتابها «مذهب الصدمة» (The Sock Doctrine, the rise of disaster capitalism) في عمل استقصائي، توثيقي، تحليلي.
بعدما ضرب إعصار كاترينا ولاية لويزيانا الأميركية، قال النائب الجمهوري ريتشارد باكر إنّ الإعصار ساعد على تنظيف المنطقة، وهي جملة تردّدت كثيراً على ألسنة تلامذة مدرسة شيكاغو والمؤسّس الفعلي لنظرية هذه المدرسة البروفسور ميلتون فريدمان أو Uncle Miltie. «أتباعه» وتلامذته تولّوا مناصب في بريطانيا، وروسيا، والعالم الثالث، بل إن فريدمان هو المرشد الأول للديكتاتور التشيلي أوغستو بينوشيه.
تجارب «علاج الصدمة» بدأت فعلياً في الخمسينيات مع إيون كامرون الذي أجرى تجارب في كندا موّلتها وكالة الاستخبارات الأميركية (CIA). لم يقتنع كامرون بوسائل العلاج التي أرساها سيغموند فرويد، وأخضع مرضاه لصدمات كهربائية وللعزل والمنع من النوم لأيام، كما أعطاهم «كوكتيلاً» غريباً من المهدّئات والأدوية المسبّبة للهلوسة، وذلك بهدف محو ذاكرة المريض وشخصيّته ليصنع له «دماغاً أنظف»، وقد فشلت التجربة بالطبع. تقوم نظرية الصدمة «في الميدان الاقتصادي» على ضرورة الإفادة من أزمة كبرى (أو التسبّب بأزمة مصطنعة) «لبيع أجزاء من البلاد للاعبين من القطاع الخاص». فوفق فريدمان «وحدها الأزمات تجعل ما هو سياسياً مستحيل، أمراً لا مفرّ منه»، وبفضل نظريته تكون الشركات العابرة للقارّات حليفاً أساسياً في الحملات.
ترى كلاين أنّ هجمات 11 أيلول 2001 سمحت للإدارة الأميركية بأن تفرض سياسات الصدمة على الدول التي تختارها مستخدمة العنف، وتلفت إلى أن سياسات التعذيب هي الشريك الصامت في حملة (crusade) «فتح الأسواق العالمية». فتحت التعذيب قد يقرّ مناضل بما يُخالف قناعاته، وستفرّط مجتمعات بما كانت تناضل لحمايته.
«الولادة الدموية للثورة المُضادة» كانت في 11 أيلول 1973 حين قادت الولايات المتحدwة انقلاباً على الرئيس التشيلي سلفادور أليندي، تولّى بينوشيه السلطة وعاونه خرّيجو مدرسة شيكاغو (من أبناء أميركا اللاتنينة) على بيع البلاد وفرض ديكتاتوريته، وكانت النتيجة ركوداً أو تراجعاً اقتصادياً، وزيادة الفروق بين الأثرياء والفقراء بشكل دراماتيكي.
بعد تشيلي، تذكر كلاين أمثلة الصدمة التي خضعت لها الأرجنتين، ثم تنتقل إلى المعركة الأميركية ضدّ مزارع الكوكا البوليفيّة، ومن أميركا اللاتنينة إلى بولندا ثم روسيا وجنوب أفريقيا... فالصين. بل إن الولايات المتحدة نفسها لم تسلم من هذا الجنوح. «الحرب على الإرهاب»، فقد أُعدّت منذ البداية لتكون الشركات العابرة للقارات شريكاً رئيسياً فيها. رامسفيلد، تشيني، بايكر، كيسينجر، بيرل.... كلهم على خطى جون فوستر دالاس الذي عجز عن التفريق بين مصالح الشركات ومصالح بلاده، وكثيرون في الإدارة الأميركية يرون أن العمل في السلطة هو الوسيلة الأنسب لـ«التقاط» منصب في شركات كبيرة بعقود مالية مغرية. العالم العربي لم يكن قد تلقّى الجرعات اللازمة من الصدمة، هو الهدف الأخير، جرى اختيار دولة واحدة ــــــ العراق ــــــ لتؤدّي دور المحفّز (catalyst). حين وصل بول بريمر إلى بغداد، أعلن البلد مفتوحاً لأصحاب الأعمال، خفض الضرائب على الشركات الأجنبية وسمح لها بشراء كل ثروات البلاد. وفيما خصّصت منظّمة الأمم المتحدة 5،25 بلايين كميزانية لجهود حفظ السلام في العالم في 2006 ـــــ 2007، بلغت قيمة عقود «هاليبورتن» في العراق 20 ملياراًً.
في الفصل ما قبل الأخير تذكّر كلاين بتزايد الطلب على تكنولوجيات حفظ الأمن القومي في إطار الحرب على الإرهاب ــــــ أي ضد العرب والمسلمين ــــــ و لا تزال الشركات الإسرائيلية هي المسيطرة على السوق العالمية في هذا المجال (بفضل خبرتها في محاربة العرب)، أمّا العامل الثاني، فيتمثل بهجرة اليهود الروس الفارّين من الأزمة الاقتصادية (إثر الصدمة)... وبوجود هؤلاء تخلّت إسرائيل عن اليد العاملة الفلسطينية.
* من أسرة الأخبار






العنوان الأصلي
The Shock Doctrine
the rise of disaster capitalism
الكاتب:
ناومي كلاين
الناشر
Penguin