هاني سليمان
جميل أن يعنوَن كتاب إلى كاتب مرموق، كالأستاذ إلياس خوري، بكلمة رسالة. وخاصة أنّ المرسَل إليه يحمل رسالة، نتابعها عبر كتاباته ومواقفه الوطنية، هي رسالة الفكر والالتزام.
فمن يطّلع أسبوعياً على «ملحق النهار»، لا يحتاج إلى البحث عن بصمات إلياس خوري، بل تدهمه آثار أصابعه الناضحة هموماً وطنية وقومية وفكرية، عبر قلم نحترمه ونتعلّم منه الكثير.
أما بعد، فمن بين الأعداد التي لفتتني في الملحق، مقالة مؤرخة عام 1999، تحتوي على مناشدة للسيدة فيروز، تتضمن دعوتها إلى عدم الغناء في الوسط التجاري لبيروت، لأن تلك المناسبة «ستعطي شهادة حسن سلوك للرئيس الشهيد رفيق الحريري». وقد كان عنوان المناشدة يوم ذاك: «لَهْ يا فيروز».
ومنذ أسبوعين، قرأت في الملحق ذاته، مناشدة للسيدة فيروز أيضاً، تتضمّن رجاءً لها بعدم الذهاب إلى سوريا لإحياء حفلة تراثية، ما دام أنّ في سوريا مساجين سياسيّين.
يوم قرأت المناشدة الأولى حزنت كثيراً، ويوم قرأت الثانية حزنت أكثر. ورحت أتساءل: ألهذا الحدّ تدعونا السياسة إلى قطع التواصل في ما بيننا، لدرجة إقحام السيدة فيروز في متاهات قناعاتنا الخاصة؟ وألهذا الحدّ تدعونا السياسة إلى مناشدة السيدة فيروز لعدم لقاء جمهورها المحب في سوريا، وهو الجمهور الذي غنّت له أجمل قصائدها، وهو جمهور الفن والأدب والغناء والمسرح والقصيدة والرواية، وهو الجمهور المحبّ للبنان بالدرجة الأولى؟
ألهذا الحدّ تدعونا السياسة إلى حرمان شعوبنا العربية من التمتّع بأحاسيسهم، بعدما سُلبت منهم حقوقهم المدنية والطبيعية والسياسية، ولم يبقَ لهم سوى الغناء وتلك الأحاسيس تنطلق، ربما رغماً عنهم؟
أبادر إلى القول: إنّ مسألة المساجين السياسيّين في الوطن العربي تمثّل بالنسبة إلي حساسية بالغة، وقد كان لي عدّة مواقف منها، أنا ومن أمثّل من الإخوة في المنتدى القومي العربي، مواقف معلنة، مباشرة مع بعض المسؤولين العرب، وأخرى عبر الاتحادات والمنتديات الثقافية والسياسية والمهنية العربية، دعوَنا فيها تلك الجهات إلى المساهمة في إطلاق المساجين السياسيين العرب، ليعودوا إلى ساحات نضالهم وإبداعهم الثقافي والإنساني.
لعلّ من المفارقات المحزنة، لكن المفيدة، أن تنطلق مناشدة السيدة فيروز بعدم الذهاب إلى سوريا من «ملحق النهار»، الكائن في وسط بيروت، المعترض على الغناء فيه في يوم من
الأيام.
كلمة أخيرة: «لَهْ يا فيروز» لا تقال لفيروز... ولا يقولها إلياس خوري.