أميمة عبد اللطيف *
على الرغم من تعدّدها، يمكن تقسيم الحركات الإسلامية السنية في لبنان إلى نوعين:
ـ الحركات التقليدية، ويجمع في ما بينها مجموعة من الخصائص المشتركة يمكن تلخيصها بالآتي:
1ـ أجندة إسلامية قوية، لكنها تأخذ في الحسبان خصوصية الوضع اللبناني، وبالتالي تقبل فعلياً بأن بعض أهدافها الإسلامية الخاصة بالدولة والمجتمع لا يمكن تحقيقها على الفور في لبنان.
2ـ على الرغم من أن أغلبيتها لا تتمتع ببنية حزبية سياسية متطورة، فإنها، باستثناء حزب التحرير، تشارك في العملية السياسية.
3ـ تُعد السياسة الخارجية والانتماء المذهبي العناصر المحدّدة لتحالفاتها السياسية. ويركّز خطابها على أهداف رئيسية ثلاثة: الوحدة الوطنية والإسلامية، ومقاومة إسرائيل، ومعارضة الهيمنة الغربية والأميركية.
4ـ تُعد مواقفها من السياسة الداخلية محل خلاف في ما بينها. فالخلاف بين الجماعة الإسلامية وجبهة العمل الإسلامي، أي القوّتين الرئيسيّتين، وربما المتنافستين في التحالفات السياسية الداخلية، يتمثّل في حفاظ الجماعة على تحالف مع تيّار «المستقبل»، ووقوف جبهة العمل الإسلامي في معسكر المعارضة اللبنانية، واختيار المجموعات الأخرى طريقاً ثالثاً عبر الحفاظ على موقف غامض، ولا سيما حزب التحرير والأحباش.
5 ـ تحاول هذه الحركات توسيع قاعدتها الاجتماعية باستقطاب الشرائح المستاءة في الشارع السني و«المضلّلة» بخطاب تيار المستقبل. وهذا صحيح، ولا سيما في الشمال، حيث بدأت تعلو أصوات الاحتجاج في صفوف من كانوا يوماً من أشد مؤيدي تيار المستقبل. ويدفع فشل التيار في الوفاء بالوعود التي قطعها إبان الانتخابات، العديد من المجموعات إلى التشكيك في حلفها معه.

الجماعة الإسلامية

استلهم مؤسّسو هذه المجموعة عقيدة جماعة «الإخوان المسلمين» المصرية التي أسسها حسن البنا. وتعرّف الجماعة الإسلامية ذاتها كـ«مجموعة لبنانية»، مولية بذلك أهمية كبيرة لهويتها اللبنانية. وهي تدعو إلى وحدة المجتمع اللبناني على أساس غير طائفي. ورداً على سؤال عن الدولة الإسلامية، يشرح علي الشيخ عمار، رئيس المكتب السياسي للجماعة، باختصار وجهة نظر الحركة بقوله إن من حيث المبدأ، «على المجتمع العمل وفق التعاليم الإسلامية، لكن وجهة النظر هذه لا يمكن فرضها بالقوة على مجتمع متعدّد الطوائف».
وتعتمد الجماعة مشروعاً سياسياً وسطياً شبيهاً بمشروع الإخوان المسلمين في مصر، على الرغم من أن المسؤولين البارزين في الجماعة توّاقون لتأكيد استقلالهم التنظيمي والسياسي عن المنظمة الأم عبر تشديدهم على «استثنائية» المجتمع اللبناني. ولعل أبرز دليل على هذه النقطة هو موقف الحركة من الصراع السياسي الحالي في لبنان، فموقفها المبهم والمتناقض يعكس الصراع الداخلي الذي تمر به الحركة الواقعة بين مطرقة البقاء وفية لمبادئها التأسيسية القائمة على دعم مفاهيم المقاومة والأجندة المناهضة لإسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وسندان رعاية مصالحها السياسية التي ترغم المجموعة على التحالف مع قوى 14 آذار المدعومة من الولايات المتحدة من جهة أخرى. وأدى هذا الموقف إلى خسارة الجماعة الإسلامية لأحد مؤسسيها الأساسيين، الشيخ فتحي يكن. فالشيخ يكن غادر بسبب الخلافات على قضيتين رئيسيتين: تحالف الجماعة مع تيار المستقبل والموقف من حزب الله.
وعلى الرغم من أن قيادات الجماعة تنفي وجود أي حافز مذهبي وراء تحالفها السياسي، فإن خطابها يعكس حساً من التضامن المذهبي عند قولهم إنهم «يشعرون باليتم كسنّة عقب مقتل الحريري» وإن «سوريا تستهدف القادة السنة» وعند شكواهم من «الظلم الذي لحق بالسنة إبان الحكم السوري».
وعلى الرغم من أن الحركة ليست حزباً سياسياً، فهي تتمتع بتراتبية شأنها شأنه، حتى إن عدد كوادرها يتراوح بين 1200 و1500. وفي بياناتها السياسية تصف الحركة الانخراط في السياسة بـ«الضرورة» وتصر على أن تسير النشاطات الدينية للحركة جنباً إلى جنب مع نشاطاتها السياسية.
وعلى الصعيد الإقليمي، تضع الجماعة الإسلاميّة «مواجهة المخطّطات الصهيونية» على رأس أولوياتها، ولهذا السبب بالتحديد تربط الجماعة علاقة معقدة بحزب الله. فمن جهة، صار حزب الله رمز المقاومة التي تعدّها الجماعة أحد مبادئها، ومن جهة أخرى أسهم الصراع السياسي الداخلي بين حزب الله والمستقبل المتحالف مع الجماعة الإسلامية في تعقيد المسألة أكثر. ويصر قادة الجماعة على أن العلاقة المتشنجة مع حزب الله ليست نابعة من المذهبية. فبحسب إبراهيم المصري، نائب رئيس الجماعة، «لسنا متحالفين مع حزب الله ولسنا ضده»، وذكّر بأن أعضاء الجماعة حاربوا إلى جانب مقاتلي حزب الله في بعض القرى الحدودية ذات الغالبية السنية في يارين ومروحين والبستان، حيث تتمتع الجماعة الإسلامية بحضور قوي عبر مدارسها وعياداتها وجمعياتها الخيرية.
بيد أنّ هذا التحالف «المقدَّس» لم يمنع الحركة من توجيه انتقاد لاذع لأداء حزب الله السياسي عقب حرب تموز. وهنا يعترف المصري: «اليوم ثمة خلاف سياسي مع حزب الله». ومع ذلك، لا يزال الطرفان يعقدان اجتماعات شهرية «تُطرح فيها المواضيع كلها على الطاولة»، ولا تمانع الجماعة في إقامة تحالفات انتخابية مع الحزب عندما تقتضي الحاجة. أما التحالف مع المستقبل، فيصفه المصري بـ«زواج مصالح»، نافياً تقارير تفيد بأن الحريري يمول بعض نشاطات الجماعة، ومؤكداً «أننا منظمة ذاتية التمويل». لكن بعض الأموال تأتي من منظمات خيرية ومتعاطفين في منطقة الخليج، وتسيطر على القيادة الحالية ثلاث شخصيات أساسية: فيصل المولوي وإبراهيم المصري وعلي الشيخ عمار.

جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية

تأسست جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية المعروفة أيضاً بـ«الأحباش» في عام 1980 بتوجيه من الشيخ عبد الله الهرري الحبشي الأصل.
وللجمعية موقف غير واضح من المشاركة السياسية، فهي تلقت دعم السوريين طوال 30 سنة من حكمهم في لبنان. واتهمت الجماعة الإسلامية وحركة التوحيد السوريين بالمساعدة في إنشاء الأحباش أداةً لمحاربة القوى الإسلامية الأخرى. وبالفعل شجع السوريون الأحباش على احتلال المساجد في بيروت وطرابلس وتوسيع قاعدتهم. وفيما لا يزال الأحباش يدينون في نموهم الأساسي لسوريا، فإن تحالفاً غير معلن يربطهم بتيار المستقبل ربما بسبب الأوضاع السياسية الحالية.

جبهة العمل الإسلامي

تأسست جبهة العمل الإسلامي في آب 2006 على يد فتحي يكن، أحد أبرز السياسيين الإسلاميين في لبنان الذي شارك في تأسيس الجماعة الإسلامية، لكنه غادر صفوفها في عام 2006 بسبب الخلافات على التحالف مع تيار المستقبل. فيكن يعتقد بأن تيار المستقبل يخدم المصالح الغربية في لبنان ويتحالف مع الولايات المتحدة ومحور ما يعرف بالأنظمة العربية «المعتدلة» ضد معسكر المقاومة المتمثل بسوريا وإيران وحماس وحزب الله الذي يربطه بيكن تحالف قوي. ويقول يكن إن المستقبل يبعد السنة عن مبادئهم التأسيسية، ولا سيما مقاومة الهيمنة الأميركية والحفاظ على هوية لبنان العربية. ووصفت جبهة العمل الإسلامي ذاتها في بيانها التأسيسي بأنها كيان مستقل، أنشئ «في وقت تتعرض فيه الأمة الإسلامية لهجوم أميركي صهيوني شرس. ويكمن هدفها الرئيسي في العمل على الوحدة الوطنية والإسلامية وحماية المقاومة والوقوف في وجه أي محاولات لزرع بذور الفتنة المذهبية».
وتسعى جبهة العمل الإسلامي، وقفاً لبيانها التأسيسي، لاحتلال المساحة بين «الفوضى المنظمة للولايات المتحدة وفوضى القاعدة» في لبنان. وتستفيد الحركة من موقع يكن كشخصية إسلامية سياسية بارزة. ولا تزال جبهة العمل الإسلامي في مراحلها الأولى، وتعمل على استقطاب شرائح الشارع السني التي ترى أن تيار المستقبل ضلّ طريقه بقيادة سعد الحريري. وبدا يكن مصمماً في العديد من تصريحاته على إنشاء «مقاومة إسلامية تعلو فوق المذهبية»، وكان من أشد المنتقدين للقوى الإسلامية التي تعمل على تقويض دور حزب الله بوصفه حركة مقاومة «وأولئك الذين يصدرون فتاوى ضد
الشيعة».
وتُعد جبهة العمل الإسلامي منظمة جامعة تنضوي تحت لوائها مجموعات إسلامية عديدة، بما فيها حركة التوحيد بجناحيها: الأول بقيادة الشيخ بلال شعبان، والثاني بقيادة هاشم منقارة، فضلاً عن مجموعات إسلامية أخرى صغرى على غرار إسلام بلا حدود وجمعية الإمام علي ومنتدى الجمعيات الإسلامية في لبنان وقوى العمل
الإسلامي.

حزب التحرير

هذه المجموعة فرع من فروع حزب إقليمي الامتداد أسسه تقي الدين النبهاني في عام 1953 وله وجود محدود في لبنان. ومنحت حكومة السنيورة هذه المجموعة ترخيصاً للعمل كحزب في عام 2006. وعقد الحزب مؤتمره الثاني في آب 2007 جدد فيه دعوته إلى إنشاء دولة الخلافة. وللحزب كوادر على امتداد لبنان، وله مقار في طرابلس. بيد أن هذا الحزب يُعَدُّ ظاهرة إعلامية أكثر مما هو نتيجة حركة منظمة لها أتباع فعليين في لبنان. وعلى الرغم من شجب الحزب اعتصام المعارضة في وسط بيروت، فقد انتقد في الوقت ذاته إصرار تيار المستقبل على إنشاء محكمة دولية للنظر في اغتيال الحريري. وبحسب ما أفاد أحد قادته لوسائل الإعلام أخيراً، فإن «المخرج للبنان هو إنشاء الخلافة واعتناق الإسلام رؤيةً سياسيةً شاملة». ويذكر أن الحزب يمنع المشاركة في الانتخابات ويتعهد عدم استخدام العنف لتحقيق أجندته.

السلفيّون التقليديون

منذ تأسيسها على يد الشيخ سالم الشهال في عام 1946، تطوّرت الحالة السلفية منذ ذلك الوقت إلى حركة تشمل أكثر من50 منظمة تعمل كجمعيات خيرية ومدارس دينية متمركزة أساساً في الشمال مع وجود فروع لها في بيروت وصيدا. ويبقى الشهّال الرمز الروحي للحركة، فيما ورث ولداه منصبه وهما يعملان الآن ضمن جمعية الهداية والإحسان.
وعلى غرار الجمعيات الباقية التي تضم حركات سلفية، فإن جمعية الهداية والإحسان هي حركة سلفية مستوحاة من الوهابية تولي أهمية قصوى للنشاطات التدريسية مع التركيز على العمل الاجتماعي. وتعتمد جمعية الهداية والإحسان رؤية محافظة في السياسة والمجتمع، وتتميز آراؤها بالغموض حيال الدولة اللبنانية التي يراها بعض السلفيين الآخرين «كياناً غير قانوني» من الأساس. وبشكل عام، تزعم المنظمات السلفية التقليدية كلها أنها تسعى إلى الإصلاح من دون اللجوء إلى العنف، وأنها ترفض العنف أداةً للتغيير الاجتماعي والسياسي.
وفي الثمانينيات، شهدت طرابلس تعاظماً في النفوذ السلفي انتهى بسيطرة حركة التوحيد على المدينة في عام 1984 بقيادة الشيخ سعيد شعبان. وجرت محاولة لأسلمة طرابلس، لكن حركة شعبان انهارت تحت ضربات قاسية من السوريين وانتهى حكمها في عام 1985، وفي العام 2006 قرر الأبن الأكبر للشهال إنشاء جمعية اسمها معهد زاد الآخرة، تمثل إلى جانب غيرها من الجمعيات الخيرية ومؤسسات التعليم الديني إطاراً للعمل يقدم من خلاله السلفيون أجندتهم ويوسعون قاعدتهم الاجتماعية ويراكمون رأسمالاً سياسياً على الرغم من طبيعتهم ونشاطاتهم غير السياسية.
ومن حيث المبدأ، لطالما ابتعد السلفيون عن السياسة اللبنانية. بيد أن تغييراً ضخماً حصل عقب مقتل الحريري، إذ حشدت المنظمات السلفية المختلفة مؤيديها الذين يقطن أغلبيتهم في المناطق الفقيرة في الشمال للمشاركة في الانتخابات.
ويرتبط نموّ الحركات السلفية في لبنان ارتباطاً وثيقاً بالدور البارز الذي تولته السعودية عندما حلت محلّ جامعة الأزهر في مصر، مقر العلوم الدينية التقليدي، كوجهة للدعاة اللبنانيين. ولا يزال الدعاة اللبنانيون الذين تلقوا تعليمهم الديني في مصر متبوّئين مناصب في المؤسسة الدينية. ويتذكر بعضهم بحسرة عندما كانت المنح الدراسية والمالية للالتحاق بالأزهر تنهال من كل حدب وصوب وكانت جلّ تطلعات الدعاة إبان سنوات حكم عبد الناصر.
ويشرح الشيخ خلدون عريمط، الداعية البارز في عكار: «عندما جاء السادات، جفّ تدفق المنح، وبدا كما لو أن صفقة ضمنية أُبرمت تتخلى فيها مصر عن دورها منارة التعليم الديني إلى السعودية، وهنا دخلت الوهابية إلى لبنان». وتلقى عريمط تعليمه في الأزهر وشهد تغير الأزمنة والثقافات إبان عمله لـ30 سنة في دار الفتوى، المؤسسة الدينية السنية اللبنانية الرسمية. وعريمط من أشد منتقدي المؤسسة، ويحملها مسؤولية تصاعد نفوذ الإسلاميين المتطرفين في لبنان.
وقد مثّل مقتل الحريري والانسحاب السوري من لبنان في نيسان 2005 عاملين أساسيين لإطلاق أيدي السلفيين الذين طال قمعهم في ظل حكم سوري صارم. فالسلفيون لم يكتفوا بمخالفة تقاليدهم الداعية إلى تجنب الانتخابات وبترشح إحدى الشخصيات السلفية المعروفة في الشمال للنيابة هو الدكتور حسن الشهال، بل حشدوا أيضاً مؤيديهم في جزء من الحملة الانتخابية للمستقبل. وحدا الشعور بالاستهداف الذي ولّده مقتل الحريري، مصحوباً بعدائية متأصّلة إزاء الإرث السوري في لبنان، بالسلفيين وأتباعهم إلى التصويت للائحة الحريري، على الرغم من احتوائها على شخصيات من «القوات اللبنانية»، وهي ميليشيا مسيحية يمينية متطرفة شاركت في الحرب الأهلية اللبنانية. ولعل النتيجة الأبرز في الانتخابات كانت أن الشهال لم يفز بالنيابة (فضل السلفيون الحريري عليه)، فيما نالت لائحة الحريري 28 مقعداً في الشمال. ولا شك في أن السلفيين يوسعون نفوذهم في أوقات مشحونة بالتوتر المذهبي كهذه.

لا رقابة دولة ولا أشراف دار إفتاء

اليوم تعرّف إحدى أبرز الشخصيات السلفية في الشمال، داعي الإسلام، الحركة السلفية بأنها «الوجه الحقيقي للإسلام»، شارحاً أن لا مشروع أو رؤية سياسية لديها للبنان غير نشر الدعوة في المجتمع. ويفيد بأن «هدفنا الدعوة إلى العودة إلى أسس الإسلام». وتتم هذه المهمة أساساً عبر المؤسسات الدينية والمدارس القرآنية ومحطة إذاعية ومنظمات خيرية تحت إشراف الحركة. ولا تخضع هذه المنظمات لإشراف الدولة، وحتى المدارس الدينية لا تخضع لإشراف دار الفتوى.
وفيما يروق للسلفيّين التقليديّين أن يصوّروا أنفسهم فوق الجدل السياسي في البلاد، لا يتوافق هذا الابتعاد الظاهري عن السياسة مع الواقع، فهم منخرطون في السياسة إلى حد كبير، شأنهم شأن غيرهم. وهم لم يكونوا عموماً محصّنين من الاستقطاب السياسي الذي سيطر على البلاد في السنوات القليلة الماضية، بل كانوا، على العكس، جزءاً من الانقسام، ولم يخفوا تعاطفهم مع قوى 14 آذار، وأقاموا، في بعض الأحيان، تحالفات علنية معها، وكانوا في صلب التوتر المذهبي المتصاعد بين السنة والشيعة في البلاد.

السلفيون الإصلاحيون

ليست الجمعيات التي تتكون منها الحركة السلفية في الشمال متجانسة إجمالاً. ففيما لا تعترف الشخصيات السلفية، على غرار الشهال، بوجود فصائل أخرى ضمن الحركة السلفية، ثمة تيار سلفي إصلاحي بدأ بالظهور، وإن كان لا يزال في مراحله الأولى. ويوضح هذا التيار، المؤلف بشكل رئيسي من خليط من الدعاة الشبان بما لا يقبل الشك، أنه لا يشاطر السلفيين التقليديين الآراء في موضوعين أساسيين هما، الخطاب المعادي للشيعة وحزب الله والعلاقة مع تيار المستقبل.
ومن هذه الشخصيات السلفية الإصلاحية الشيخ محمد الخضر الذي يقود منظمة اسمها «المنتدى الإسلامي اللبناني للحوار والدعوة». ويوجّه الشيخ الخضر انتقاداً شديداً لحال الحركات الإسلامية في لبنان اليوم، ويقول إن المنتدى عبارة عن محاولة للبحث عن أرضية مشتركة لإيجاد «مشروع إسلامي ورؤية إسلامية مشتركَين» ويؤكد ضرورة إيجادهما لأن «الإسلاميين كانوا مجرّد «أدوات» استخدمهما الطرفان في الصراع السياسي الحالي». ويقر الخضر بأن الشرخ القائم بين الحركات الإسلامية اليوم جعلها غير فاعلة في ميزان القوى السياسي. ويكمل بأن «الحركات الإسلامية اليوم، هي إما أدوات في أيدي قوى علمانية أخرى، أو معتمدة لأجندة بعيدة كل البعد عن الواقع». ويرى الشيخ البالغ من العمر 35 سنة السلفيين التقليديين غير متصلين بأرض الواقع. فعلى الرغم من أن للسلفية التقليدية أتباعاً كثراً من بين الشباب، فقد فشلت في اقتراح مشروع سياسي. ويضيف شارحاً: «نحن كحركة إسلامية عموماً وسلفية خصوصاً، نفتقر إلى قيادة وإلى رؤية للتغيير السياسي والاجتماعي».
ويوازي ما يصرح به الخضر رؤية إصلاحية، فهي نظرة تقبل الآخر وهي نهج سلفي يتأقلم، حسب قوله، مع مجتمع متعدد الطوائف كالمجتمع اللبناني. ويكمن التحدي الذي يواجهه الخضر ومؤيدوه في كيفية تغيير تصورات وآراء أتباعهم الذين هم بأغلبيتهم شبان لُقنوا خطاباً دينياً صارماً.
ويشرح الخضر: «نود أن نخرج شبابنا من أفكار التطرف، ونحن نلاقي رداً إيجابياً على ذلك». بيد أن التحدي الحقيقي يكمن في الشرخ الداخلي القائم ضمن الحركات السلفية. فالشرخ تعمق بفعل موقف القادة السلفيين التقليديين الذين يعارضون أي محاولة للتغيير والإصلاح. ويضيف الخضر: «تجري محاولات لتصويرنا كمن يقوّض التقاليد السلفية وكمن تخلى عن مبادئها، وبالتالي لم يعد يمثّل الحركة السلفية».
أما آراء الخضر في العلاقة مع المذهب الإسلامي الآخر فلا تتلاقى مع آراء نظرائه السلفيين التقليديين. ففيما يعترف بوجود الاختلافات العقائدية مع الشيعة، يصر على أن العلماء السلفيين لم يعدّوا الشيعة كفرة، شارحاً أن «مقاربتنا ليست إقصاء الشيعة». ويضيف أن الصراع في لبنان ليس صراعاً مذهبياً فهو ذو بعد إقليمي. ويتمثل الخطر الأكبر، بحسب الخضر، بالهيمنة الأميركية: «إن مشروع الشرق الأوسط الجديد الهادف إلى تغيير هوية المنطقة وثقافتها يبقى الخطر الأكبر بالنسبة إلينا». ومن هذا المنطلق، يقف الخضر في المعسكر ذاته مع حزب الله، وهو يعترف بذلك سراً لكنه يتردد بالجهر به خوفاً من أن ينتقده السلفيون التقليديون.
* باحثة مصرية

(هذه الحلقات نسخة مختصرة من دراسة تصدرها قريباً
مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومركز كارنيغي للشرق)




الجزء الأول | الجزء الثاني | الجزء الثالث