فايز فارس
واجه النبي موسى كما جاء في الكتب، فرعون مصر بعصا تحرّكها يد عازمة حازمة وعقل مستنير وحكمة إلهية وغايات نبيلة مكّنته مجتمعة من تحرير «شعب» توّاق إلى الرحيل عن أرض مصر بحثاً عن أرض أخرى يقيم عليها ويستقرّ فيها. ونجح موسى. ثم لجأ هذا «الشعب» ذاته منذ مئة سنة إلى أكثر من موسى يملك مالاً طائلاً أو يقود جيوشاً جرّارة وسفناً حربية، أو بكل بساطة يبحث عن توسيع رقعة مستعمراته. والتقت طموحات هذا «الشعب المضطهد» مع أطماع «مُضطهديه» فتبدّل وجه التاريخ في هذه المنطقة من العالم المسمّاة شرق المتوسط أو الشرق الأوسط أو الشرق الأدنى أو المشرق العربي.
موسى النبي واجه فرعون بكل عظمته وجبروته، بينما كان على موسى القرن التاسع عشر أن يواجه رعاة أغنام وشيوخ قبائل وزعماء عشائر لا يجتمعون إلا في الأعياد الدينيّة والأفراح والأتراح. يجتمعون فقط حول موائد الطعام والشراب، يحيط بهم أحياناً الجاريات والغانيات والمغنيّات وحاشية زاد عددها لتصبح جيشاً من المدّاحين القوّالين مطأطئي الرأس عند الحاجة منذ اكتشاف النفط في بلادهم، أرض أجدادهم.
نصّبوا أنفسهم ملوكاً وأمراء وسلاطين وحكّام مقاطعات وأقاليم حملت أسماء دول ذات أنظمة ملكيّة هنا وجمهورية برلمانية هناك، استناداً إلى خرائط وضعها ورسمها لهم أتباع موسى القادمون من فرنسا وطن الحرية والمساواة والأخوّة، وبريطانيا العظمى بنظامها البرلماني الديموقراطي الأقدم وروسيا الثورة الاشتراكية عدلاً ومساواة بين الناس. وأُعطي لكلّ ملك وأمير ورئيس دولة دور محدّد يؤدّيه ومهمات يقوم بتنفيذها استناداً إلى تعليمات وتوجّهات يشرف على إتمامها سفراء وقناصل مؤهّلون مدرَّبون أفضل تدريب ومتمتّعون بصلاحيات شبه مطلقة. والويل لمن يخرج عن الطريق المرسوم ويخالف البرنامج الموضوع بعناية فائقة أحياناً.
وعاش هذا المشرق العربي على هذه الحال قرناً بأكمله، لم يعكّر صفوه سوى نصف ثورة هنا ونصف انتفاضة هناك والكثير الكثير من الإضرابات والتظاهرات والانقلابات العسكريّة والحروب الأهليّة... بينما الثروات الطائلة تتدفّق بغزارة من جوف أرضه ذهباً أسود وأبيض وأصفر وأحمر. وصار هذا المشرق محطّ أنظار واهتمام جميع دول العالم وشعوبها. ولم تفلح ما سميّ جامعة الدول العربية في جمع شمل دولتين عربيتين جارتين ولو مرّة واحدة، منذ تأسيسها حتى يومنا هذا... بينما يبدو مجلس التعاون الخليجي في أحسن أحواله، ومجلس اتحاد دول المغرب العربي مفيداً في الكثير من الحالات.
إنّ جلّ ما باستطاعتك فعله يا سيادة الأمين العام، هو محاولتك الصادقة إيقاظ الضمير النائم أو المغيّب لدى ساستنا وزراء ونواباً ورؤساء طوائف.