ماجد الشيخ
من أجل إرساء فكرة العدالة وصولاً إلى المواطنة الحقّة
«الاستبعاد الاجتماعي»، مصطلح محلّ خلاف، ومن الممكن تقصّي أثره بالرجوع إلى ماكس فيبر الذي عّرفه بوصفه أحد أشكال الانغلاق الاجتماعي، فقد كان يرى أن الانغلاق الاستبعادي بمنزلة المحاولة التي تقوم بها جماعة لتؤمن لنفسها مركزاً متميّزاً على حساب جماعة أخرى من خلال عملية إخضاعها.
ويبدو أنّ الاستعمال الحديث لمصطلح «الاستبعاد الاجتماعي»، نشأ في فرنسا، حيث جرت العادة على استعماله في الإشارة أساساً إلى الأفراد الذين تخطّاهم النظام البسماركي للضمان الاجتماعي؛ وكان المستبعدون اجتماعياً هم الذين استبعدتهم الدولة بصورة رسمية.
ويميل الأميركيون إلى استعمال مصطلحات أخرى غير مصطلح «الاستبعاد الاجتماعي»، ومنها مصطلح «التغويت» (نسبة إلى الغيتو)، و«التهميش» و«الطبقة الدنيا» على أنها تتألّف من أجيال عديدة من البشر الذين ينتمون إلى أقليات إثنية، ويعيشون في أحياء مقصورة عليهم، يتلقّون فيها خدمات الرعاية الاجتماعية، وقد حيل بينهم وبين الاتصال بأغلبية المجتمع، كما أنهم يمثّلون خطراً على هذا المجتمع.
وفي المملكة المتحدة، بدأ استعمال مصطلح «الاستبعاد الاجتماعي» داخل مناخ سياسي لم يكن يعترف فيه السياسيّون من حزب المحافظين بوجود الفقر. وقد أدّى تبنّي المصطلحات الخاصة بالاستبعاد الاجتماعي إلى إتاحة الفرصة للمناقشات الدائرة حول السياسة الاجتماعية لتمتدّ على مستوى القارة الأوروبية من دون الإساءة إلى مشاعر أولئك السياسيّين المحافظين.
أسهم اتساع نطاق الاستبعاد الاجتماعي في جعل الرؤى المتّصلة بأسبابه الرئيسية تختلف اختلافاً ملحوظاً. وتبرز في هذا المجال ثلاث مدارس فكرية: 1- المدرسة التي تضع سلوك الأفراد والقيم الخلقية في المقام الأول (كما هي الحال في قضية «الطبقة الدنيا») 2- المدرسة التي تؤكّد أهمية دور المؤسّسات والتنظيم ابتداء من دولة الرعاية إلى الرأسمالية والعولمة. 3- والمدرسة التي تؤكّد أهمية التمييز.
في تقديمه، رأى المترجم محمد الجوهري أن هذا الكتاب ينتمي إلى مدرسة فكرية عملاقة، ازدهرت في بريطانيا المعاصرة على يد عالم الاجتماع الشهير انطوني غيدنز، هدفها تجديد الديموقراطية الاجتماعية ومعقلها الرئيسي مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم الاجتماعية، وهي مدرسة لا توافق على أن يسير علم الاجتماع في أثر نموذج العلوم الطبيعية، أملاً في اكتشاف قوانين عامّة للسلوك الاجتماعي، لأنّ ذلك يعزل علم الاجتماع عن التاريخ، والتاريخ هو المعمل الحقيقي للمشتغل بدراسة المجتمع.
من هنا يؤكد موضوع الاستبعاد الاجتماعي، بما هو نقيض الاندماج أو الاستيعاب، أنه موضوع حيوي وكاشف لطبيعة البنية الاجتماعية في أي مجتمع. فالاستبعاد ليس أمراً شخصياً، ولا راجعاً إلى تدني القدرات الفردية فقط، بقدر ما هو حصاد بنية اجتماعية معيّنة ورؤى محدّدة ومؤشّر إلى أداء هذه البنية لوظائفها. وهو ليس شأن الفقراء وحدهم، ولا همّ الأغنياء وحدهم، وإنما هو مشكلة الجميع، وليس أمامهم سوى تقليل الاستبعاد وتعظيم الاندماج وتحقيق الاستيعاب أي المواطنة الحقة.
لهذا أمكن تبيان أن الاهتمام بدراسة الاستبعاد الاجتماعي إنما يصدر عن توجّه إنساني متقدّم، يرفع من قيمة الإنسان الفرد، ويجاهد لكي لا يقع هذا الفرد ضحية تطوّر المجتمع الذي يعيش فيه.
ولهذا تحديداً، يشرح كتابنا ـــ بكلّ تفصيل ـــ أنه لم يستطع أي مجتمع معاصر أن يقترب بقوّة من إعمال مبدأ العدالة بوصفها الفرصة المتكافئة إعمالاً تاماً، وإن كانت البشرية قد حقّقت قدراً من التقدّم في هذا المضمار قياساً بالمعايير التاريخية، وهو أمر ليس عارضاً أبداً، لأن تاريخ العالم لم يشهد إلّا قلة ضئيلة من المجتمعات التي اعترفت بتكافؤ الفرص كمطمح يتعين التطلّع إليه. وما دامت فكرة العدالة بوصفها الفرصة المتكافئة أصبحت تعد محكّاً للسياسة الاجتماعية العامة، فمن المحتمل أن يكون للاعتراف بالإخفاق في تحقيق هذه الفكرة في مجال معين، أبعاد سياسية مهمة وحاسمة.
* كاتب فلسطيني





العنوان الأصلي
الاستبعاد الاجتماعي
الكاتب:
جون هيلز، جوليان أوغران ودافيد بياشو
الناشر
عالم المعرفة