فايز فارس
تضمّنت خلاصة أعمال مؤتمر أنابوليس للسلام الأميركي ـــــ الإسرائيلي، دعوة صريحة إلى حكّام الدول العربية والإسلامية إلى الإقرار النهائي والاعتراف بـ«يهوديّة» دولة إسرائيل التي عاشت منذ تأسيسها عام 1948 حتى أيامنا هذه، على إيقاع مزدوج، حتى لا نقول ملتبس، بين انتمائها إلى دين معيّن هو اليهودية وادعاءاتها بأنها نموذج للدولة الديموقراطية.
هل هذا يعني أن إسرائيل فشلت في التوفيق بين الصورة والإطار الذي يلفّها منذ إطلاق المشروع الصهيوني الأوروبي العلماني المنشأ، أم أنها أصبحت في وضع تحتاج فيه إلى العنصر الديني، وبالتالي إلى نظام تيوقراطي، للفصل في موضوع الهوية من جهة والاعتماد صراحة على نظام ودستور ومرجعيّة توفّر لها إمكانات التحكّم في مقدرات شعبها الذي بدأ يتشكّك في قدرات قادته وإنجازاتهم من جهة أخرى، وبالتالي إعادة تركيب شخصية جديدة على قواعد دينيّة أصوليّة ومعطيات اجتماعية عنصرية تسمح بانطلاقة جديدة تماشياً مع ما يُطرح من أفكار دينيّة أصولية لدى بعض الشعوب والجماعات المعادية لدولة إسرائيل المختلطة حتى هذه الساعة؟
وهل سيسمح هذا التحوّل من نظام مزدوج تيوقراطي/ ديموقراطي إلى نظام تيوقراطي بكل مكوّناته ومواصفاته واعتراف المجتمع الدولي به وبخاصة الدول العربية والإسلامية، ليتسنّى لحكّام إسرائيل وقادة الحركة الصهيونية ويسهّل عليهم المطالبة بإجراء الترانسفير/ الحلم، أي طرد وترحيل جميع الفلسطينيين، المسيحيين والمسلمين، المقيمين على أراضي الدولة العبريّة ما قبل 1967 والانتقال للسكن والإقامة نهائياً في ظل الدولة الفلسطينية الموعودة؟ إنها عملية ترانسفير من الدرجة الأولى، يُراد لها أن تحصل بالتراضي وسلمياً، أي من دون معارك وحروب عسكرية لم تعد إسرائيل مستعدة لخوضها لأكثر من سبب:
ــ إنّ العالم العربي اليوم هو غير العالم العربي منذ سبعين سنة مضت، والشعوب العربية مهما قِيل فيها، هي اليوم أكثر وعياً وإدراكاً للواقع من ذي قبل، وحكّامهم أكثر خوفاً وترقباً وحذراً ممن سبقهم. هم يهادنون، لكنهم لا يغفلون كما كان يحصل في الماضي. والدول الإسلامية تتمتع اليوم باستقلالية مرتكزة إلى ما حققته من نمو اقتصادي اجتماعي ووعي شعبي واكتساب صفة «الشريك» على حساب «العميل»، وكلها عناصر وعوامل ومواقع لم تكن متوافرة لديها في السابق.
ــ إنّ التقهقر الاجتماعي الذي أصاب بنية المجتمع الإسرائيلي منذ 1982 وما تكبّدته الدولة العبريّة من خسائر وانهيارات وإخفاقات، وبخاصة خلال حربها العدوانيّة الأخيرة على لبنان صيف 2006، جعلت المواطن/ الجندي الإسرائيلي يفقد الثقة بنفسه وبالجماعة الصهيونية وبمشروع الدولة الإسرائيلية الذي يبدو أنه وصل إلى خواتيمه، وهو اليوم يبحث عن مخرج لائق أو بدائل توفّر له الاستمرار كدولة متوسّطيّة أو شرق أوسطية، وصولاً إلى قبوله شريكاً في «عولمة» أميركية مناهضة لكل ما هو عربي وإسلامي.
ــ لن يعود في المدى القريب باستطاعة الحركة الصهيونية العالمية استغلال «عقدة الذنب» لدى الجيل الثالث من شعوب أوروبيّة غارقة في بحثها عن وحدة تنهض بحاضرها وتحفظ مستقبل أبنائها وسلام يحمي «بحرها المتوسط». وغداً أو بعد غدٍ سيقف الإسرائيلي عاجزاً كل العجز عن فكّ رموز تلك القنبلة العربية الصامتة عنيت بها قوة الديموغرافيا التي ستتفجر ببطء مخيف لتفرض وبهدوء مريب على الشعب الإسرائيلي أنْ يختار بين الاندماج في محيطه العربي (يهود السابرا) أو الرحيل والعودة من حيث جاء في سلام تام ومن دون إطلاق رصاصة واحدة.
تخيّلوا معي لو أن فلسطينيّي الشتات، قرّروا العودة إلى دولة فلسطين «العشرين بالمئة» الموعودة، وعزموا على الإقامة فيها «بسلام»، سلام اللاحرب... لرأيتم عظام غولدا ماير تتطاير في سماء فلسطين. هي التي كانت تشكو، من الأرق ليلاً ومن القلق نهاراً على مصير إسرائيل منذ 40 سنة، لأن الإحصاءات كانت تشير إلى ولادة طفلين فلسطينيّين مقابل ولادة طفل يهودي واحد.