فايز فارس
بصفتي مواطناً لبنانياً غرق منذ ولادته في حب الوطن وأهله، أتوجه إليكم اليوم وقبل وداع عام 2007، أي بعد مرور نحو أربعين سنة على توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم الذي لم يقض فقط على مستقبل عماد أسبق، بل على مستقبل شعب بأكمله... وبعد مرور نحو عشرين سنة على توقيع اتفاق الطائف الذي لم يطبّق منه إلاّ ما قلّ ودلّ وندر من البنود وبشكل ملتوٍ ومنقوص، لأقول لكم إنني أخاف عليكم يا سيادة العماد... خوفي على كلّ من حمل ويحمل بشائر خير ومشعل حقّ وجمال خلاّق من أجل إنقاذ هذا البلد الصغير وأهله الطيّبين.
فقد سبق لسياسيّي هذا البلد وشعبه المنكوب أن هلّلوا وطبّلوا وزمّروا لسلفكم القائد والرئيس السابق وانقلبوا عليه قبل نهاية «شهر العسل»، ليتكشّف لهذا الرئيس أنه أخطأ مرتين في حياته: مرّة أولى عندما قَبِلَ بترشيحه وانتخابه رئيساً للبلاد بالرغم من معرفته بحقيقة نيّاتهم وطموحاتهم وأساليبهم، ومرّة ثانية عندما غادر قصر الرئاسة قبل أن يجري انتخاب خلف له وبقي الموقع شاغراً والكرسي فارغاً. طبعاً كانت ستعلو أصوات في الداخل والخارج تتّهمه بخرق الدستور... دستور الطائف الذي سلبوه روحه وطرحوه أرضاً جثة هامدة لا حول لها ولا قوة إلاّ بعودة الروح إليها.
لذا أنا أراكم اليوم يا سيادة العماد في موقع قيادة الجيش أقوى منكم في موقع رئاسة الجمهورية، لأنّ نيّاتهم لم تتغيّر وطموحاتهم لم تتبدّل وأساليبهم هي ذاتها التي اعتمدوها مع سلفكم. والنظام الديموقراطي (وآلياته) هو المسؤول الأول والأخير. هو أرجوحة الأراجيح. في البدء ينتخب الشعب اللبناني نوابه على أسس هي خليط مزيج، «يعني كوكتيل»، من الطروحات الطائفيّة والتقاليد العشائرية، المغلّفة بأفكار حديثة مستوردة، لمجرّد أنها أثبتت نجاحها نسبياً في بلاد نامية ومجتمعات متقدّمة لا تشبه بلادنا ومجتمعاتنا، التي ما زالت غارقة تبحث في أعماقها عن هوية تجمعها وخيارات تلائمها وتنتشلها من جاهليّة حسبت نفسها أنها خرجت منها منذ أربعة عشر قرناً مضت.
ويتوزّع مجلس النواب المنتخب «ديموقراطياً» كما تعلمون يا سيادة العماد، على كتل نيابيّة تجاهر بخطّها السياسي الوطني، وتدافع حيناً عن مصالح طائفة ما، تشعر بأنها مهدّدة، وأحياناً أخرى تطالب بإنصاف منطقة ما تشعر بأنها مهملة منسية محرومة. ويرضى مجلس النواب عن حكومة تألّفت من وزراء يقولون علانيّة ويدّعون في بيانهم الوزاري أنهم سيعملون في الليل والنهار، وبكلّ ما يحملونه من شهادات دكتوراه وخبرات مهنيّة وتجارب نضاليّة سياسيّة، من أجل إنماء متوازن، زراعةً وصناعةً وتجارةً وتربيةً وتعليماً وطبابةً وسياحةً وطرقات وكهرباء ومياهاً وأمناً وأماناً.
ويستمدّ مجلس الوزراء «مجتمعاً» قوّته وهيمنته على البلاد والعباد، متسلّحاً بوكالة عامة حصل عليها يوم فاز بثقة أغلبية نيابية تحوّلت بدورها إلى شركة محدودة المسؤوليّة.
ألا يبدو لكم هذا النظام من الناحية التطبيقية أقرب إلى نظام أوليغارشي منه إلى النظام الديموقراطي الذي يتغنّون به ويحلم به شعب لبنان العظيم منذ عهود مضت؟
في الماضي كان رئيس الجمهورية المنتخب يعتمد في أغلب الأحيان على قاعدة شعبيّة، مثله مثل رئيس مجلس النوّاب وبعض النوّاب ورئيس مجلس الوزراء وبعض الوزراء. واليوم صار مطلوباً من رئيس الجمهورية أن يأتي عارياً إلاّ من مارونيّته التي بسببها سيخضع معنوياً لمقام بكركي، ويتلقّى برحابة صدر كمّاً هائلاً من التخوين والقدح والذم سيطلقها عليه نوّاب وزعماء المارونيّة السياسية قبل غيرهم، لأنهم فقط يعتقدون بأنهم أكثر أحقيّة وجدارة منه في ملء كرسي الرئاسة الأولى. والويل له إذا كان قائداً سابقاً للجيش، لأنه سيضطرّ «مجبراً أخاك لا بطل» إلى الاستعانة برفاق السلاح الأوفياء، ما سيعرّضه حتماً، هو ورفاقه، إلى هجوم مبرمج طيلة إقامته في قصر بعبدا، وبخاصة إذا كان مخلصاً لبلده وفيّاً لقسمه ومحبوباً من عامّة الناس.
أهل السياسة وغير السياسة في لبنان يا سيادة العماد، لا يطيقون وجود حاكم مصرف مركزي ناجح أو رؤية قائد جيش وطني مقاوم في سدّة الرئاسة الأولى. ألا تراهم يتهيّبون انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للبلاد بالرغم من انخراطه الكامل في الحياة السياسية اللبنانية والتفاهمات الإقليميّة والمعادلات الدوليّة الجديدة ؟
هم يرتاحون فقط إلى شبيه لهم مئة بالمئة.
حمى الله الوطن لبنان وشعبه المقاوم وجيشه الأبيّ.. وألهمكم الحكمة والسمو.