ماذا وراء تهديد بوش لحزب الله؟عباس المعلم ــ إعلامي

تقاطع مصالح أم نقاط التقاء هي التي تجمع أيتام إدارة جورج بوش، على ضرورة التخلص من حزب الله أو على الأقل محاصرته بكل الوسائل، وهؤلاء ليسوا فقط أركان حكومة أولمرت، بل معهم أيضاً «المعتدلون العرب» وخصوصاً معتدلي لبنان، فالكل يجمع في اسرائيل ومعهم المعتدلون، أن حزب الله بات يشكل خطراً على مشروعهم، وانتصاره في حرب تموز قلّص بشكل كبير فرص نجاح شرق أوسط جديد، بمعنى ان الإسراع في تقييد حركات المقاومة في العراق وفلسطين من شأنه ان يوقف تداعيات هذا الانتصار، ويحوّله من نصر استراتيجي الى نصر رمزي تسهل إطاحته عبر وسائل فاعلة معتمدة، تتكئ عليها إدارة بوش كخشبة خلاص لمأزقها المتصاعد في المنطقة...
وثمة واقع جديد قد فرض نفسه على الاستراتيجية الأميركية المتّبعة منذ أحداث 11 أيلول، وبدأ يتفاعل مع تصاعد حدة المقاومة العراقية لتصبح الرقم الأصعب في معادلة أدخلت إدارة المحافظين في واشنطن في مستنقع سياسي واقتصادي وعسكري أسهم بشكل كبير في الحد من طموحات واشنطن إلى مواصلة غزواتها وحروبها على دول الممانعة وقواها، وفي المقلب الآخر جاء نصر الله على الكيان الصهيوني ليدق ناقوس الخطر ليس فقط على مشروع الشرق الأوسط الجديد، بل على نقطة الارتكاز الاستراتيجية لمصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط المتمثلة بالكيان الصهيوني الذي يعتبر الثكنة الأضخم لأميركا في العالم...
وما تهديد الرئيس الأميركي في خطاب حال الاتحاد لحزب الله بتعقّب قيادته وعناصره، إلا محاولة للالتفاف على الفشل الذي مُني به المشروع الصهيو ــ أميركي والعمل على وقف استنزافه ومحاولة ترميم ما لحق به من أضرار جسيمة، نتيجة هزيمة اسرائيل على أيدي حزب الله، وأكثر ما جعل بوش يقدم على مغامرة الصراع المباشر مع حزب الله هو الفشل في استهداف ايران وسوريا على الأقل في المدى القريب، وإنقاذ المعتدلين، أي حلفاء إدارته، من الانهيار الذي يبدو وشيكاً، والأهم من ذلك العمل على وقف الهستيريا وحالة الهلع وعدم الاستقرار داخل الكيان الصهيوني جراء هزيمة حرب تموز، وتشير بعض المعلومات في هذا السياق إلى ان ما يجري داخل الكيان العبري من صراع حاد بين المؤسسة العسكرية والسياسية يشكل قلقاً كبيراً لدى الإدارة في واشنطن، ويعتبر أولوية في أجندة سيد البيت الأبيض...
لذلك بدأت تُصاغ بعض الأفكار والطروحات في واشنطن وتل أبيب في كيفية مواجهة حزب الله، وتكشف معلومات عن أن بوش أوكل إلى رايس إقناع الأوروبيين وبعض الدول العربية «المعتدلة» بأن تدعم قرارات دولية تصدر عن مجلس الأمن تقضي باستهداف حزب الله قيادةً وأفراداً ومؤسسات وتجميد الأصول المالية التابعة لهم، وتُجيز شن عمليات عسكرية واغتيالات تستهدف الحزب، ويمكن إسرائيل ان تقوم بذلك بذريعة خطر منظمة إرهابية على كيانها، وهناك أفكار قيد التداول تقضي بإرسال قوات متعددة الجنسيات الى لبنان لحماية الديموقراطية والاستقرار من خطر حزب الله المعارض لحكومة السنيورة المدعومة أميركياً ودولياً، وتتمنى أوساط صهيونية أن تشكل نقل القيادة في قوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان للإيطاليين نقطة تحوّل في اتجاه المقاومة والعمل على تعقّب مواقعها والتجسس عليها...
وثمة من يرى في تهديد بوش إشارة واضحة لحلفائه في لبنان تحذرهم من مغبة عقد أي تفاهم مع حزب الله وحلفائه، بل أيضاً يحضّهم على مواصلة استهداف الحزب بكل الوسائل وعدم التهاون في هذا الخصوص، وإن كل ما يجري من مبادرات وأفكار وطروحات بين دول عربية وإسلامية معنية في الشأن اللبناني، لا قيمة له ومن غير المقبول السير في أي تسوية تجعل حزب الله وحلفاءه شركاء في القرار اللبناني، وتشير بعض المعلومات إلى أن السفير الأميركي في بيروت نقل في الأيام الأخيرة رسالة من إدارته لبعض حلفاء حزب الله تحذرهم من مغبة الاستمرار في التحالف مع الحزب، وتأتي هذه الرسالة على غرار رسالة ديفيد ولش للعماد عون التي حذره فيها من عواقب تحالفه مع المقاومة، وأكثر ما هو مستغرب اليوم ليس موقف قوى 14 شباط من تهديدات بوش لشريحة تعدّ الأكبر في لبنان، بل المستهجن هو صمت معظم حلفاء حزب الله عن إصدار موقف واضح وصريح من هذه التهديدات...