ماجد عزام *
«أرغب في ألا يتفق الرئيس محمود عباس مع حركة حماس في لقاء مكة على تأليف حكومة وحدة لا تعترف بإسرائيل أو يتعاون معها بعيداً من الشروط الدولية»، الكلام السابق جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت تعليقاً على قمة مكة بين حركتي فتح وحماس، أو الكلام عينه تقريباً ورد على لسان شون ماكورماك المتحدث باسم الخارجية الأميركية الذي قال «برنامج أي حكومة فلسطينية يجب أن يستند إلى شروط اللجنة الرباعية المعروفة التي تتضمن ضرورة نبذ العنف والاعتراف بإسرائيل والاتفاقيات السابقة التي وقّعت معها من جانب منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية».
يجب ان تكون الشروط أو التدخلات الإسرائيلية والأميركية في الشأن الفلسطيني حافزاً أو مبرراً أساسياً لحركتي فتح وحماس من أجل التوصل الى اتفاق جدي على تأليف حكومة وحدة وطنية تحقن الدماء على أن يمثّل ذلك الخطوة الأولى لترتيب الأوضاع على الساحة الفلسطينية ووضع الأسس الكفيلة بإقامة شراكة حقيقية وكاملة في المؤسسات الفلسطينية بين فتح وحماس ومعهما بالطبع كل الأطراف والفصائل والمنظمات والهيئات الفاعلة الأخرى.
رئيس كتلة فتح في المجلس التشريعي عزام الأحمد قال بعد وصوله الى مكة «آمل ان ننجح في التوصل الى اتفاق على أساس برنامج منظمة التحرير الفلسطينية بغض النظر عن شروط الرباعية وبعد ذلك لا يمثل توزيع الحقائب الوزارية أي مشكلة»، وهو أمر يتطابق تقريباً مع تصريح عضو اللجنة المركزية لحركة فتح نبيل شعث الذي أشار الى أن فتح مستعدة للتنازل عن مشاركتها في الحكومة، شرط اعتراف هذه الأخيرة والتزامها القرارات الدولية.
توصيف مشابه للأزمة نجده أيضاً في تصريح عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية محمد نزال الذي قال بالحرف الواحد «خلافنا حالياً وبعد كل الحوارات السابقة التي جرت يتعلق بخطاب التكليف، ونرى أنه يجب ان يتضمن كلمة احترام بدلاً من التزام القرارات الدولية والمبادرة العربية للسلام، وبمنصب وزير الداخلية إذ يريد الإخوة في فتح ان يكون مستقلاً، ونحن نرى أن يكون مستقلاً وتسميه حماس لأننا نخشى من ترشيح فتح شخصية مستقلة ويكون هذا المرشح في جوهره ينتمي الى فتح».
إذا ما أخذنا تصريحات عزام الأحمد ونبيل شعث عن توزيع الحقائب وهو أمر جدي وليس للاستهلاك الإعلامي، فإننا نجد أنفسنا أمام خلاف على كلمتي احترام أو التزام القرارات الدولية والمبادرة العربية، الأمر الذي يبدو غريباً ويثير الاستهجان والاشمئزاز هو أن يؤدي هذا الخلاف الى سقوط مئات الشهداء والجرحى بسببه ومن أجله.
هذه قراءة تبدو باردة لأنه بين الاحترام والالتزام تتموضع أميركا وإسرائيل أو أولمرت ورايس اللذان يصران على خضوع أي حكومة فلسطينية للشروط، أو بمعنى أدق للسياسة أو للاستراتيجية الأميركية العامة في المنطقة.
يجب بالطبع على الفلسطينيين أن يرفضوا الخضوع لهذه الشروط والإملاءات، وما يبدو مشجعاً وباعثاً على التفاؤل في تصريح عزام الأحمد أن ثمة ميلاً لتحاشي وتجاهل وغض النظر عن الشروط الدولية، ولكن شرط خضوع أي حكومة والتزامها ما يسميه الأحمد البرنامج الوطني الفلسطيني، أي برنامج منظمة التحرير الفلسطينية.
أنا أتفق تماماً مع عزام الأحمد، إذ يجب على أي حكومة وعلى كل الفصائل والتنظيمات التزام البرنامج الوطني الفلسطيني، غير أنه ليس من علاقة بين منظمة التحرير وأي برنامج وطني، فالمنظمة أو بالأحرى لجنتها الحالية فاقدة للدستورية والقانونية والميثاقية وهي غير منتخبة وعفّى عليها الزمن ولا تعبّر عن الواقع السياسي والحزبي والجماهيري للشعب الفلسطيني في الداخل ولا في الشتات، وجرت وتجري للأسف محاولات متعمدة لإضعافها وإفراغها من محتواها وإبقائها إطاراً جامداً من دون أي روح أو حيوية، أعضاؤها في اللجنة التنفيذية الحاليون هم منتحلو صفة، ومع كل الاحترام لتاريخهم النضالي وتضحياتهم السابقة فإنهم لا يتمتعون الآن بأي شعبية أو نفوذ في الشارع الفلسطيني. من امتلك منهم الشجاعة لخوض الانتخابات السابقة لم ينل أكثر من كسور عشرية من أصوات الفلسطينيين، والغريب ومن غير اللائق بالطبع أن يقوم أشخاص غير منتخبين وغير ذي صفة بوضع برنامج وطني وإلزام الأحزاب به.
إذاً، بعيداً من الشروط الدولية، وحتى يعاد بناء منظمة التحرير بشكل ديموقراطي وشفاف ونزيه وسليم، لا بد من التزام البرنامج الوطني أي وثيقة الوفاق الوطني، وثيقة الأسرى وعدم الالتفاف والاهتمام بأي شروط أو متطلبات خارجية. وهذا الأمر إذا ما تم فإنه يعني أن قمة مكة ستنجح وستشكل وحدة وطنية وستحلّ معضلة وزارة الداخلية على قاعدة البرنامج الانتخابي لرئيس محمود عباس ــ كانون الثاني 2005.
إذا ما اقتنعت حركة فتح بأن البرنامج الوطني الوحيد المطروح ــ إلى أن يُعاد بناء منظمة التحرير ــ هو وثيقة الوفاق، وإذا ما اقتنعت حركة حماس ــ وهي في طريقها للاقتناع ــ بأن الضرورة الوطنية تفرض أقل قدر ممكن من مشاركتها في الحكومة وأكبر قدر ممكن من المشاركة في المجلس التشريعي وجهود إعادة بناء منظمة التحرير، فإن قمة مكة ستنجح حتماً وتشمل التوصل إلى هدنة أو تهدئة جادة وعملية وطويلة تمتد إلى عام 2009 الذي يفترض أن يشهد في أوله انتخابات رئاسية وفي آخره انتخابات تشريعية ويمكن دمج الأمرين معاً في منتصف 2009، لكي يحكم الشعب الفلسطيني على أداء الطرفين الرئيسين ومدى مساهمتهما الجادة والبناءة في تحقيق أكبر قدر ممكن من المصلحة الوطنية.
أخيراً، يجب الإشارة إلى أن وثيقة الوفاق الوطني ستضع صلاحية التفاوض أو التوصل إلى الاتفاقات بين الرئيس محمود عباس بصفته رئيس السلطة ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وحماس، ومجمل الفصائل لا تمانع هذا الأمر شرط عدم التفرد والعودة إلى المؤسسات الدستورية والقانونية والتشريعية المنتخبة لإقرار ما يُتوصل إليه ومناقشته، وأنا أقترح على الرئيس عباس ووفد حركة فتح التمعن جيداً في التصريحات الأخيرة التي صدرت الثلاثاء الماضي عن المتحدث باسم الخارجية الأميركية شون ماكورماك، أثناء تناوله المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية واللقاء الثلاثي المرتقب الذي سيجمع الرئيس عباس ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ورئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت، إذ قال بالحرف الواحد إنه «يأمل أن يستغل الاسرائيليون والفلسطينيون هذا الاجتماع للتوصل إلى اتفاقات مختلفة للمسائل العادية، مثل الأمن والاقتصاد والعلاقات التجارية، وكذلك المسائل الأكثر حساسية سياسياً مثل ترسيم الحدود. الوزيرة رايس لا تأمل تسوية جميع المشاكل والتوصل إلى قيام دولة فلسطينية قبل نهاية ولاية الرئيس جورج بوش نهاية عام 2008، ولكنها تأمل حفر الأساسات لهذه الدولة».
مهم جداً بناء الأساسات إلا أن أبو مازن يعي أن الجرافات الاسرائيلية مستعدة لإزالة هذه الأساسات متى شاءت الإرادة الاسرائيلية الأميركية، وبالتالي لا يجب التضحية بالوحدة الفلسطينية والتوافق الداخلي وحتى الدماء الفلسطينية من أجل التوصل إلى أساسات قد تهدمها الجرافات الاسرائيلية في أي وقت.
* مدير مركز شرق المتوسط للصحافة والإعلام