محمد باقر قاليباف *
لا شك في ان أحد أهم إنجازات الثورة الاسلامية تتجلى في منح الشعب حق انتخاب مسؤولي النظام كافة، بشكل مباشر أو غير مباشر. وما زالت كلمة الإمام الخميني في سماء نظام الجمهورية الاسلامية «رأي الشعب هو الميزان».
مشاركة الشعب، المنسجمة بشكل طبيعي مع قيمه الدينية والأخلاقية والمعنوية، قد شكلت نموذجاً من الديموقراطية الدينية التي تستجيب لتطلعات الشعب والبلد ومطالبهما وحاجاتهما، ويمكن تقديمه نموذجاً جديداً الى جانب الأنظمة السياسية الديموقراطية في العالم، يحتوي ــ إن تمكنا من تأصيله وتعميقه ــ إيجابيات جميع هذه الأنظمة، متجنّباً آفاتها وسلبياتها.
لقد أثبت الايرانيون، بمشاركتهم الواعية وحضورهم القوي في المراحل المختلفة، ارتباطهم وتعلّقهم بهذا النظام المنسجم مع عقائدهم ومشاعرهم.
حتى الذين يخالفون النظام أقروا، بشكل أو بآخر، بأنه يتمتع بقبول وشرعية وأن محاولات إسقاطه قد ذهبت أدراج الرياح. وبعدما طوى نظام الجمهورية الاسلامية 28 سنة من الثبات والاستقرار، وصل اليوم الى المرحلة التي ينبغي له ان يثبت كفاءته العملية وقدرته الفعالة على إدارة حياة الناس في جميع المجالات وبأفضل السبل. هذان المعياران (الكفاءة والقدرة العملية) تجلّيا بوضوح في أسلوب اختيار الشعب لممثليه في الانتخابات الأخيرة (مجلس الخبراء والمجالس البلدية)، حيث أظهر المشاركون مستوى من النضج الفكري والسياسي الراقي والمختلف كثيراً عن مراهنات البعض وتصوراته الخاطئة. شعبنا يعرف جيداً التيارات السياسية المختلفة وأفكارها وبرامجها وأساليبها، ويدرك أيضاً نوع التحولات السياسية العالمية ودقة الوضع الراهن داخلياً وخارجياً، ويتصرف بناء على هذا الوعي في المحطات السياسية المختلفة.
إرادة الشعب هي البوصلة التي توجّه المسيرة، وهذا أوان التحرك والعمل والسعي الدؤوب في مسار اختاره الشعب ويحمل عناوين أساسية: العقلانية والاعتدال والمنطق والبعد عن المشاحنات والمهاترات والشعارات الجوفاء. خط التوازن هذا يمثّل أفكار مؤسس هذا النظام ومبادئه ونهج المرشد حالياً، فيما يشكل الاحتكام إلى الانتخابات وإرادة الشعب حجر الزاوية فيه، وهذا ما ظهر منذ بدايات الثورة وتأصل مدى السنوات الـ28 للجمهورية الفتية (أكثر من 25 عملية انتخابية)، وأثمر توجّهاً شعبياً لخط متوازن يمكن ان نسميه «المبدئية (الأصولية) الإصلاحية» أو «الإصلاح المبدئي»، وهو الخط الذي كان للسيد الخامنئي الدور الأساسي في تبيينه والتنظير له منذ سنوات.
المبدئية والإصلاح لا يقفان وجهاً لوجه، لا بل يمكن الادعاء بعدم انفصالهما. المواجهة بينهما صراع وهمي، فلا معنى للإصلاح من دون المبادئ والأصول، وكذلك النزعة المبدئية ستصل حتماً الى طريق مسدود إن لم تتلازم مع الإصلاح والنقد وإعادة النظر بشكل مستمر. هما وجهان لعملة واحدة، واحدهما من دون الآخر أبتر مهما ادعى وتجمل. بعض التيارات عندنا تحاول وضع الناس على مفترق طرق وتخييرهم بين الحرية والعدالة، بين التقدم والحفاظ على الهوية! الشـــــــــــــــعب ببساطة يريد الحرية والعدالة معاً، والتقدم عنـــــــــــــــــده لا يــــــتعارض مع أصالة الهوية. يريد الناس ان يعيشوا الإيمان والمعنويات في مسار تطور اقتصادي واجتماعي وسياسي مستـــــــــــــــدام. المــــــــــــــــــــبدئية ليست محافظة ولا يمينية ولا تــــــــــــــمتّ الى التحجر والدوغمائية، كذلك الإصلاح لا يســـــــــــــــــاوي الليبرالية ولا العــــــــــــــلمنة ولا السعي لإضعاف الأسس الدينية للنظام.
الإصلاح هو محاربة الفقر والفساد والتمييز وهو إعادة النظر والتقويم المستمر للوسائل والأساليب والسياسات للوصول الى الأهداف الإسلامية السامية. الإمام الخميني هو «المبدئي ــ الإصلاحي» الأول. هذا العارف والفقيه والمفكر والسياسي عاش التجدد والإبداع والإصلاح وتجاوز الكثير من الأعراف السائدة في مجالات عديدة ولكن على أساس الأصول الثابتة والمتقنة للإسلام، وكذلك القائد حالياً هو المرشد لحركة المبدئية الإصلاحية، وأركانها كما يعرفها: الإيمان والهوية الإسلامية للثورة ــ العدالة ــ الاستقلال الشامل في جميع الأبعاد ــ الثقة بالنفس والاكتفاء الذاتي ــ الجهاد العلمي ــ تثبيت مبدأ الحرية والفكر الحر ــ الازدهار الاقتصادي في خدمة الناس ورفاهيتها.
هذه المفاهيم والأصول ينبغي ان تسير في إطار الدستور والقانون، تحته لا فوقه. وتهدف أساساً الى ترسيخه وتقويته في إطار دولة المؤسسات والقانون، وبالتالي فهي حركة منتظمة وممنهجة ذات معايير قيمية وقانونية شفافة وبعيدة كل البعد عن الإفراط والتفريط والاحتماء بالبعد الواحد على حساب بقية الأبعاد. طريق المستقبل واضحة وكذلك إرادة الشعب، ما علينا سوى التخلي عن التسييس والتفرق والاختلاف الحاد، والعمل الصادق في خدمة الشعب والوطن.
* رئيس بلدية طهران ومرشح سابق للرئاسة الإيرانية
ترجمة: حيدر عبد الله