علي شهاب *
أساء الكثيرون تفسير موقف رئيس الحكومة فؤاد السنيورة من قيام حزب الله بتنفيذ مناورة في جنوب لبنان؛ فرأوا أنّ الرجل غير عارف بما يجري على الأراضي اللبنانيّة، مع أنّ التدقيق والتوقّف قليلاًَ عند المفردات التي استخدمها، يدحضان مزاعم واتهامات «المغرضين» و«الجاهلين».
مثلما صار معلوماً، فإنّ دولة الرئيس يُتقن اللغة الإنكليزية كتابة ومحادثة، وهو قد لجأ إلى مهاراته اللغوية في معرض تعليقه على خبر المناورة باستخدام عبارة Simulation، أي «محاكاة»؛ المفردة الموازية التي ذكرها بلغة الضاد قبل أقلّ من ثانية من الانتقال إلى الموجة الغربيّة، حيث جاء في خطابه حرفياً «لم تجرِ أيّ مناورات على الأرض ولا أي حركة غريبة أو غير معتادة لعناصر مدنيّة كانت أم عسكرية. وبحسب المعلومات المتوافرة (من الجيش وقوى الأمن واليونيفيل) فإنّ ما جرى هو محاكاة Simulation الورق داخل غرف وهي تجري عادة في أي بلد في العالم».
طيّب؛ إذا كان المُخَاطَب هو الشعب اللبناني، لاكتفى السنيورة بشرح مقصده بالعربية، خصوصاً أنّه يكرّر منذ ما قبل حرب تموز 2006، أنّه ليس بحاجة إلى «فحص دم وطني»، فضلاً عن أنّ خوضه في عملية تبرير المناورة، يكشف عمّا هو أبعد من مجرّد عملية إنكار في سياق تراشق سياسي داخلي.
من المقصود إذاً بهذه الـ Simulation؟
يفترض المنطق أن رئيس الحكومة لم يكن يخاطب شعبه: الصحيح هو أنّ مناورة المقاومة أحرجت السلطة أمام أصدقائها الأميركيّين.
ويحتاج السنيورة تحديداً، لكونه الامتداد «الشرعي» في لبنان لثورة «الأرنبيط»، بحسب تعبير الوزير السابق سليمان فرنجية، إلى التخفيف من الصدمة التي أحدثتها «مغامرة» حزب الله الجديدة في جنوب لبنان.
ببساطة؛ بالنسبة للأميركيّين، تعني المناورة العسكرية فشلاً في تعطيل قدرة المقاومة على «المناورة» السياسيّة! لهذا السبب، كان من الضروري أن يؤكّد السنيورة في خطابه على أنّ مهمّة التصدّي لإسرائيل تقع على عاتق الجيش... وقوى الأمن الداخلي!
لا ينتهي الموضوع عند هذا الحدّ، إذ إنّ دولة الرئيس السنيورة مرشَّح ليصبح بعد أيام قليلة «فخامة الرئيس». وبالتالي، فأن يصدر عنه مثل هذا الموقف حيال استعدادات المقاومة للدفاع عن الوطن يفسّر سبب القلق الذي يعكسه خطاب السيد حسن نصر الله عند حديثه عن هويّة وشخص واسم الرئيس المقبل.
تخيّلوا مثلاً لو أنّ المقاومة عمدت إلى إجراء ردعي مماثل في عهد «فخامة الرئيس» السنيورة!
وحتّى لا يتساهلَن أحد بهذه الفرضية، تجدر الإشارة إلى تقرير صادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أخيراً حول الانتخابات الرئاسية في لبنان واحتمالات التوافق أو «الحريق»، إذ يتحدّث الباحث دايفيد شينكر صراحة عن أنّ «أحد السيناريوهات الممكن تنفيذها في حال عدم حصول العملية الانتخابية، هو قيام مجلس الوزراء بممارسة صلاحيّات رئيس الجمهورية، بالاستناد إلى المادّة 62 من الدستور»، اللهم «إلّا إذا قرّر سعد الحريري أن يستبعد السنيورة ويقوم هو بنفسه بمهمات رئاسة مجلس الوزراء. عندها سيواجه الحريري المزيد من الضغوط لكي يقوم بالمساومة مع الآخرين حول الرئاسة».
وينطلق شينكر، الخبير في الشؤون اللبنانية والسورية والمستشار السابق في وزارة الدفاع الأميركي، من رؤية مفادها أنّ قوى 14 آذار «تواجه خياراً صعباً، بحيث إذا قامت باختيار الرئيس غير التوافقي، فإنّ ما سيحدث هو إما العصيان المدني، أو الحرب الأهلية. وفي الوقت نفسه، فإنّ الدخول في مساومة حول رئيس مؤيِّد لسوريا، هو أمر يمكن أن يترتّب عليه تأخير أو عرقلة المحكمة الدولية، وتقويض مبادرات حكومة السنيورة، والقضاء النهائي على ثورة الأرز».
ويستقرئ الباحث الأميركي الأزمة اللبنانية، في ضوء لقاء الحريري ورئيس التيار الوطني الحرّ ميشال عون «الذي يمثّل الحزب المسيحي الماروني الأكبر في لبنان». وقد ركّز لقاء الرجلين، بحسب التقرير، على الانتخابات الرئاسية التي «ستقرّر ما إذا كان الرئيس اللبناني القادم سوف يكون مع التيار الموالي للغرب، أم أنّه سيكون سائراً في طريق الرئيس إميل لحود المتحالف مع سوريا»، علماً أنّ شينكر يجزم في مستهلّ تقريره بأنّه «وبرغم الضغوط المتزايدة على قوى 14 آذار، فإنّ التوصّل إلى تحقيق اختراق عن طريق اتفاقية بين الغالبيّة والمعارضة هو أمر غير وارد الاحتمال».
وبعد تقديم موجز للواقع الحالي، من خلال الإشارة إلى أنّ مرشّحي قوى 14 آذار هما نسيب لحود وبطرس حرب في مقابل رفض حزب الله أي رئيس بديل لميشال عون، يخوض شينكر في التفسيرات المختلفة للدستور في ما يتعلّق بانتخاب الرئيس والجدل الدائر حول النصاب اللازم، لينتقل بعدها إلى تقديم العلاقة بين عون والبطريرك الماروني من زاوية أنّ «الخلافات داخل المجتمع المسيحي والتقليل من سلطة البطريرك السياسية، قد وجدت معارضة واسعة بين صفوف المسيحيّين، بما في ذلك عون نفسه» الذي «يحظى بتأييد غالبيّة الرأي العام اللبناني» إلى حدّ أنّه «إذا أيّد أي مرشّح آخر، فإنّ رصيده في الشارع اللبناني سوف يذهب إلى هذا المرشح».
وفيما يعرض التقرير أسماء المرشّحين إلى الرئاسة، ومن بينهم فارس بويز وبيار دكّاش ورياض سلامة وجان عبيد، يشير إلى «مساومات» على اسم الوزير السابق ميشال إدّه الذي «سوف يُبقي على تطلّعات عون بالوصول إلى الرئاسة مشتعلة».
كذلك، يتمّ التفاوض حالياً على اسم قائد الجيش ميشال سليمان الذي تصطدم عملية ترشيحه، وفقاً لشينكر، بمعارضة رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط «الأكثر تشدّداً» إزاء سليمان، إلى درجة أنّ جنبلاط «وصل به الأمر إلى القيام بإخبار العماد سليمان شخصيّاً بأنّ قوى 14 آذار سوف لن توافق بأي حال من الأحوال على ترشيحه لمنصب الرئاسة»، علما أنّ «خيار العماد سليمان قد يكون جذّاباً إذا تدهورت الأوضاع، خاصة إذا ما انتخبت قوى 14 آذار رئيساً لا تعترف به المعارضة. حينها، فإنّ الرئيس إميل لحود سوف يعيّن حكومة أخرى، بحيث يظهر فراغ الهاوية بعد مغادرته. وفي حال حدوث هذا السيناريو، فإنّ سليمان، سوف يكون هو الوسيلة الوحيدة لتجنّب وتفادي خطر اندلاع الحرب الأهلية».
أمّا في ما يخصّ موقف واشنطن من الانتخابات الرئاسية، فيشير الخبير الأميركي، ضمناً، إلى أنّ إدارة جورج بوش «لم تصدر حتى الآن رأياً واضحاً، ما خلا بعض المناشدات التي تدعو إلى عدم تدخّل الأطراف الخارجية بالشؤون اللبنانية»!
بالإضافة إلى ذلك، يوصي التقرير بـ«استغلال الأمر التنفيذي للرئيس بوش، الصادر في آب الماضي والقاضي باحتجاز أملاك الأشخاص الذين يقوّضون سيادة لبنان، بهدف تجفيف منابع الدعم المالي الخارجي» للنائب ميشال عون.
* صحافي لبناني