سهام علوي (طالبة تونسيّة في باريس)
أحبَّّ مارد الحرِّية محمود درويش كما لم يحب أحد. كلما سافر الشاعر رافقه متخفياً في الحقيبة التي أنهكها الترحال. منذ أيام حطت هذه الحقيبة في تونس للاحتفال بتحول مجيد. لتونس بدرويش ولع، ولمارد الحقيبة بالسفر إلى تونس اليوم هلع. هو يخشى النزول في هذا المطار بالذات من بين كل مطارات العالم. عندما تحط الطائرة تمر الحقيبة بدهاليز تتعالى منها صيحات تليها أنّات لنساء ورجال وأحياناً لأطفال. أبناءٌ لهذا البلد هُجِّرُوا من هنا. وآخرون جاءوا لفراق قريب إلى مثوى، فأُعيدوا إلى المنفى في ذات الطائرة التي حملتهم وما زالت القاعة بانتظارهم. وأولئك رهائن لجواز سفر حُرِّم عليهم منذ أمد بعيد.
يروي المارد حالة القلق التي تنتابه عندما يفتح الشاعر الحقيبة المنهكة ليأخذ منها البذلة الأنيقة التي اعتاد أن يلبسها كل مرة زار فيها القلعة، هل سيجبرني على مرافقته ؟ يتحصن بالحقيبة، ومنها يراقب محمود وهو بتلك الغرفة الأنيقة بالنزل الفخم يبحث عن وجهٍ له في المرآة ولا يجده، قبل أن ينصرف لمدح سيفٍ لشبه دولة. في آخر الليل، وبعد عناء انتظار، يعود للمارد حبيبه، يرمي له في الحقيبة وساماً دخيلاً جاء به من تلك القلعة. يتطلع محمود في المرآة فيجد درويشه من جديد، ثم يأخذ قلماً فيسيل الحبر الأسود على بياض الورقة العطشى. يطمئن المارد قليلاً، وبعد أن يرمي بالوسام خارج حقيبة السفر، ينهمك ككل مرة تفيض فيها القريحة بالدعاء لهذا الكلام، علّهُ يصل إلى قلوب أحبَّةٍ كثر تساءلوا منذ المرَّة الأولى التي زار فيها الشاعر القلعة: لماذا تركت الحصان وحيداً؟ أمّا وقد صارت المرّة كرَّة، فاسمح لنا بتصحيح السؤال أيها الشاعر الحبيب: لماذا مشيت في جنازة الحصان ولم تبكِ؟